أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يوم الجمعة، لمناقشة العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والعالمية. وأكد أردوغان دعم تركيا المستمر لفلسطين في جميع المجالات، وأعرب عن ارتياحه لقرار الدول الغربية رفع العقوبات عن سوريا، حسبما ذكرت دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية على موقع X، نقلاً عن وكالة أنباء الأناضول. كما هنأ أردوغان بن سلمان بنجاح موسم الحج هذا العام، وقدم له التهاني بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
وشهدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا خلال السنوات القليلة الماضية تحولات لافتة، انتقلت من مرحلة التوتر إلى التقارب، مع الاحتفاظ ببعض جوانب التنافس في المشهد الإقليمي المتغير. فبعد فترة من الجمود والتباين في المواقف حيال قضايا إقليمية ودولية، بدأت بوادر انفراج تظهر، مدفوعة برغبة البلدين في تعزيز مصالحهما المشتركة وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
من التوتر إلى الانفراج: مرحلة إعادة تقييم
اتسمت العلاقات السعودية التركية بفترة من البرود والتوتر، بلغت ذروتها بعد حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول عام 2018. هذا بالإضافة إلى تباين المواقف حول قضايا إقليمية مثل الثورات العربية، الأزمة الخليجية، وملفات ليبيا وسوريا. أدت هذه الخلافات إلى تراجع كبير في التبادل التجاري والاستثمارات، وتوقف شبه كامل للزيارات رفيعة المستوى.
إلا أن بوادر التغيير بدأت تلوح في الأفق مع إدراك كلا البلدين لأهمية التعاون في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة. فكانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية في أبريل 2022 نقطة تحول محورية، حيث التقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومهدت هذه الزيارة الطريق لسلسلة من اللقاءات والاتفاقيات التي تهدف إلى إعادة بناء الثقة وتعزيز التعاون.
محركات التقارب: مصالح اقتصادية وأمنية
التقارب الأخير بين الرياض وأنقرة مدفوع بعدة عوامل رئيسية:
المصالح الاقتصادية: تسعى تركيا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتعزيز اقتصادها، وتعد السعودية من أكبر الاقتصادات في المنطقة ولديها صندوق استثمارات عامة ضخم. كذلك، تسعى السعودية إلى تنويع استثماراتها وتنفيذ رؤية 2030، وهو ما يفتح آفاقاً للتعاون في قطاعات متنوعة مثل السياحة، الطاقة المتجددة، والصناعة.
الاستقرار الإقليمي: يدرك البلدان أهمية التعاون في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة مثل الإرهاب، وتأثير الصراعات الإقليمية. وهناك رغبة في تقليل حدة التوترات في المنطقة والتركيز على التنمية.
تغير الأولويات الدولية: مع تغير أولويات القوى الكبرى وتزايد الحديث عن “الانسحاب” الأمريكي من الشرق الأوسط، تسعى القوى الإقليمية مثل السعودية وتركيا إلى تعزيز علاقاتها البينية لضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية.
التنافس المستمر: ملفات تتطلب التنسيق على الرغم من التقارب، لا تزال هناك بعض الملفات التي قد تشهد تنافساً أو تحتاج إلى تنسيق مكثف:
النفوذ الإقليمي: كلا البلدين يطمح إلى تعزيز نفوذه في المنطقة، وقد يؤدي ذلك إلى تباين في بعض المواقف حيال قضايا معينة، خاصة في مناطق الصراع.
القضايا الدينية: هناك تنافس تاريخي على زعامة العالم الإسلامي، وعلى الرغم من أن هذا الجانب قد خفت حدته علناً، إلا أنه لا يزال عاملاً خفياً في بعض جوانب العلاقات.
العلاقات مع أطراف أخرى: قد تختلف رؤى البلدين حول طبيعة العلاقة مع قوى إقليمية ودولية أخرى، مما يتطلب حواراً مستمراً وتنسيقاً للجهود.
آفاق المستقبل: شراكة استراتيجية أم تعايش حذر؟
تتجه العلاقات السعودية التركية نحو مسار إيجابي، مع مؤشرات واضحة على رغبة البلدين في تجاوز خلافات الماضي وبناء شراكة أكثر استقراراً. الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، توقيع الاتفاقيات، وتزايد حجم التبادل التجاري والاستثماري، كلها مؤشرات تدعم هذا التوجه.
ومع ذلك، سيبقى مستوى هذه الشراكة ومدى عمقها رهناً بقدرة البلدين على إدارة التنافس بشكل بناء، وتنسيق مواقفهما تجاه القضايا الإقليمية والدولية المعقدة. فهل ستتطور العلاقات لتصبح شراكة استراتيجية متكاملة، أم ستبقى في إطار التعايش الحذر المدفوع بالمصالح المشتركة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية