ا.د. جهان العمران
نرى هناك العديد من الناس عندما يواجهون مشكلة ما، أو يخوضون حرباً نفسية مع الآخرين يكون سلاحهم الصمت وليس اللسان، وتكون محطة الفوز لديهم التريث والهدوء بدلاً من التهور والصراخ.
إن الصوت العالي يعكس ضعفاً في شخصية صاحبه؛ لأنه محاولة للفوز عن طريق اتخاذ القرار باستخدام الطريق السريع للعاطفة الهوجاء دون استخدام العقل بالحجة المقنعة أو المنطق السليم، فيكون جعجعة بلا طحن مصيره الفشل. أما الصمت الذي يعكس التريث والحكمة فنتيجته الحصاد المثمر. وكما قال أحدهم: «ارفع كلماتك ولا ترفع صوتك، فالمطر هو الذي ينبت الورد وليس الرعد.
عندما نواجه أحياناً بعض الخلافات مع الآخرين؛ بسبب اختلاف وجهات النظر في بعض الأمور، يؤجج ذلك مشاعر الغضب في نفوسنا، وقد نلجأ إلى التراشق بالألسن مع الطرف الآخر بسبب هذا الخلاف، مما يؤدي إلى تفاقم الأمر إلى ما لا يحمد عقباه.
ولكن لو أعطينا أنفسنا فترة سكون وهدوء لوجدنا أن مشاعر الغضب سوف يهدأ سعيرها، من ثم نستطيع أن ندرك الموقف على حقيقته، فيزول الخلاف ويعود الوئام. هنا يكون الصمت أسلوباً واقياً من الوقوع في براثن الغضب، حتى لا نقع ضحية التهور واتخاذ قرارات طائشة بإطلاق العنان لألسنتنا لخوض معركة كلامية خاسرة في لحظة غضب سرعان ما نندم عليها ولكن بعد فوات الأوان.
ونرى أحيانا أخرى أن الصمت يعطي فرصة للاستماع إلى وجهة نظر الآخرين، والتعاطف معهم، من أجل إدراك حقيقة الموقف بدلاً من مقاطعتهم بالكلام، وخلق جو من التوتر والتشويش الذهني الذي يعمينا عن رؤية وجه الحقيقة.
وأحيانا أخرى يكون الصمت فترة لإعطاء النفس لحظات ذهبية من أجل التأمل قبل اتخاذ أي قرار متهور مصيري يتعلق بحياتنا قد يؤدي إلى نتائج سلبية ينجم عنها الشعور بالأسف والندم بعد فوات الأوان.ولكن علينا أن ندرك هنا أنه ليس المقصود بالصمت هو ذاك الشيطان الأخرس الذي يسكت عن الظلم خوفاً ويصمت عن قول الحق جبناً.
كما أنه لا يعني أن نقوم بكبت مشاعرنا بدلاً من التعبير عنها بصدق وصراحة، حتى لا يؤدي ذلك إلى الإنهاك النفسي، والاحتراق الداخلي، ولكن المقصود به هو ذاك الصمت الإيجابي الذي يكون مؤشراً على التمتع بصحة نفسية سليمة، وثقة بالنفس، وشعور بالسلام الداخلي، والرضا عن الذات.
لذا من المهم أن نتخذ قرار الصمت في الوقت المناسب وفي الموقف المناسب ليكون أسلوباً ذكياً في التعامل مع مشكلات الحياة ليكون الصمت الذهبي فرصة لحضور الوعي وإدراك الحقيقة بدلاً من الكلام الطائش الذي يجعلنا نتوه في غياهب الجهل والظلام.
* أستاذة جامعية في علم النفس التربوي