عيد الأضحى المبارك، أحد أعظم الأعياد في الإسلام، يحمل في طياته دلالات عميقة من التضحية والفداء والامتنان. إنه مناسبة عظيمة يجتمع فيها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، سواء في أجمتعهم لأداء فريضة الحج أو في بيوتهم ومساجدهم للاحتفال. يبرز التكبير كشعيرة أساسية ومميزة لهذه الأيام المباركة، حيث يصدح به المسلمون تعظيماً لله وشكراً له على نعمه. تتجلى التكبيرات في عيد الأضحى بين أصول شرعية راسخة وتجليات ثقافية متنوعة، مما يعكس غنى الحضارة الإسلامية وتنوعها.

أولاً: الأصول الشرعية للتكبير في عيد الأضحى

التكبير في عيد الأضحى شعيرة ذات أصول شرعية ثابتة في القرآن والسنة النبوية. فالله تعالى يقول في سورة البقرة: “وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ”. وقد فسر العلماء هذه الأيام بأنها أيام التشريق التي تلي يوم النحر. كما وردت أحاديث نبوية كثيرة تحث على التكبير في هذه الأيام.

تنقسم التكبيرات في عيد الأضحى إلى نوعين رئيسيين:

 التكبير المطلق: وهو الذي لا يتقيد بوقت معين، ويجوز في كل زمان ومكان في الأيام العشر من ذي الحجة وأيام التشريق. يبدأ التكبير المطلق من فجر يوم عرفة أو من بداية ذي الحجة (حسب اختلاف المذاهب)، ويستمر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق.

  التكبير المقيد: وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات المكتوبة. يبدأ هذا التكبير من فجر يوم عرفة (أو صلاة الظهر يوم النحر، حسب المذهب) ويستمر إلى عصر آخر أيام التشريق.

صيغ التكبير المأثورة متعددة، وأشهرها: “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد”. وقد يضاف إليها بعض الزيادات مثل “الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً”.

ثانياً: توثيق الاختلافات الفقهية في توقيتات التكبير وأنماطها الموسيقية والشعبية عبر العالم الإسلامي

على الرغم من إجماع المسلمين على مشروعية التكبير في عيد الأضحى، إلا أن هناك اختلافات فقهية وثقافية حول توقيتاته وأنماطه. هذه الاختلافات تعكس غنى الفقه الإسلامي وتنوع المدارس الفكرية، وتبرز أيضاً التأثير الثقافي على الشعائر الدينية.

1. آراء المذاهب الفقهية في أوقات التكبير من يوم عرفة إلى أيام التشريق:

تختلف آراء المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة) في بداية ونهاية التكبير المقيد والمطلق، وتعود هذه الاختلافات إلى فهم النصوص الشرعية واجتهادات العلماء:

 المذهب الحنفي:

   التكبير المقيد: يبدأ من فجر يوم عرفة (أو صلاة الفجر يوم عرفة) وينتهي بعصر آخر أيام التشريق (أي اليوم الثالث عشر من ذي الحجة).

  التكبير المطلق: يجوز في كل الأوقات خلال الأيام العشر من ذي الحجة وأيام التشريق.

 المذهب المالكي:

  التكبير المقيد: يبدأ من صلاة الظهر يوم النحر (اليوم العاشر من ذي الحجة) وينتهي بفجر آخر أيام التشريق (اليوم الثالث عشر من ذي الحجة). ويرون أنه خاص بالمقيمين، أما المسافرون فلا تكبير عليهم.

   التكبير المطلق: يرى المالكية أنه لا يوجد تكبير مطلق في أيام التشريق بالصيغة المتعارف عليها، بل يكتفون بالتكبير المقيد.

 المذهب الشافعي:

   التكبير المقيد: يبدأ من فجر يوم عرفة وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق.

   التكبير المطلق: يبدأ من أول ذي الحجة ويستمر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق. وهم من أكثر المذاهب توسعاً في التكبير المطلق.

 المذهب الحنبلي:

  التكبير المقيد: يبدأ من فجر يوم عرفة وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق.

   التكبير المطلق: يبدأ من أول ذي الحجة وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق.

الجدول التالي يلخص آراء المذاهب الفقهية:

2. أمثلة على أشكال التكبير في العالم الإسلامي: تجليات ثقافية:

تتجاوز التكبيرات كونها مجرد شعيرة دينية، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من التراث الثقافي لكل منطقة. تتجلى هذه التنوعات في الأنماط الموسيقية والشعبية التي تصاحب التكبيرات:

 مصر المدائح الجماعية والإنشاد الديني:

في مصر، يتميز التكبير في عيد الأضحى بطابع خاص يمزج بين الوقار والروحانية، مع لمسة من الفن الشعبي والإنشاد الديني. غالباً ما تُسمع التكبيرات في المساجد والشوارع بأسلوب جماعي يسمى “مدائح” أو “تكبيرات العيد”. يعتمد هذا النمط على ترديد صيغة التكبير بصوت واحد، مع وجود قائد (غالباً ما يكون شيخاً أو مقرئاً) يرفع صوته بالصيغة الأساسية، ثم يردد خلفه المصلون أو الجمهور بصوت جماعي. قد تُضاف إلى التكبيرات الأساسية بعض الأبيات الشعرية الدينية التي تمجد الله ورسوله، أو تتحدث عن فضائل العيد. لا تعتمد هذه المدائح على آلات موسيقية بشكل كبير، وإنما على قوة الصوت البشري والتناغم الجماعي، مما يخلق جواً من البم وخشوع.

تركيا أناشيد مصاحبة للطبول والدفوف:

 في تركيا، تأخذ التكبيرات شكلاً احتفالياً وموسيقياً أكثر. فبالإضافة إلى التكبيرات التقليدية، نجد “أناشيد العيد” التي تُؤدّى جماعياً في المساجد والأماكن العامة. هذه الأناشيد غالباً ما تكون مصحوبة بآلات موسيقية إيقاعية مثل الطبول والدفوف. تُضفي هذه الآلات حيوية وحماساً على التكبيرات، وتجعلها جزءاً من الاحتفالات الشعبية. يميل الأتراك إلى الأناشيد التي تحث على الفرح والبهجة بقدوم العيد، مع الحفاظ على روح التكبير وتعظيم الله.

جنوب آسيا (الهند، باكستان، بنغلاديش) تكبيرات ملحنة ومنغمة:

   في منطقة جنوب آسيا، يتخذ التكبير أشكالاً أكثر تلحيناً وتغنيماً. تُؤدّى التكبيرات في بعض الأحيان بأسلوب “قوالي” (نوع من الموسيقى الصوفية) أو بأنماط إنشادية محلية. يتميز هذا النمط بوجود لحن مميز للتكبيرات، مع تكرارها بطريقة إيقاعية وجذابة. قد يشارك في هذه التكبيرات فرق إنشادية متخصصة، أو تُبث عبر مكبرات الصوت في المساجد والساحات العامة. الهدف من هذا التلحين هو إضفاء جمالية على التكبيرات وجعلها أكثر تأثيراً في المستمعين، وتشجيع الجميع على المشاركة في ترديدها.

عيد الأضحى المبارك، بتكبيراته المتنوعة في أصولها الشرعية وتجلياتها الثقافية، يمثل شاهداً حياً على وحدة الأمة الإسلامية في أهدافها وغاياتها، وتنوعها في أساليبها وتعبيراتها. إن هذه الاختلافات ليست نقاط ضعف، بل هي مصدر قوة وجمال يثري التجربة الإسلامية، ويؤكد على أن الإسلام دين يتسع لجميع الثقافات، ويحتفي بتنوعها مع الحفاظ على جوهره وروحانيته. ففي كل تكبيرة، وبكل لحن، ومن كل بقعة من بقاع الأرض، يصدح المسلمون بـ “الله أكبر”، معلنين عظمة الخالق، ومجددين عهدهم بالإيمان والطاعة.

 

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.