في واحدة من الحالات النادرة التي شهدت استخدام القوة العسكرية على الأراضي الأميركية، أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بإرسال ما لا يقل عن 2000 جندي من الحرس الوطني للتعامل مع احتجاجات لوس أنجلوس، التي اندلعت على خلفية حملته على المهاجرين. 

ولطالما فكّر ترمب في استخدام القوة العسكرية على الأراضي الأميركية لقمع الاحتجاجات العنيفة أو أعمال الشغب، ومكافحة الجريمة، ومطاردة المهاجرين غير الشرعيين، وهي خطوة أقنعه مساعدوه بالتراجع عنها خلال ولايته الأولى. وخلال حملته الانتخابية الأخيرة، صرّح بأنه سيفعل ذلك دون موافقة حكام الولايات إذا عاد إلى السلطة.

ماذا فعل ترمب؟

استدعى ترمب قوات الحرس الوطني لوضعها تحت السيطرة الفيدرالية. وأذن لوزير الدفاع بيت هيجسيث باستخدام القوات لحماية موظفي إنفاذ قوانين الهجرة والمباني والوظائف من تدخل المتظاهرين. وتبريراً لذلك، استشهد البيت الأبيض بالاحتجاجات الأخيرة ضد مداهمات سلطات إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في لوس أنجلوس.

دعا الأمر إلى نشر ما لا يقل عن 2000 جندي من الحرس الوطني لمدة 60 يوماً على الأقل. كما أذن ترمب لهيجسيث باستخدام القوات الفيدرالية النظامية “حسب الضرورة” لتعزيز عمل وحدات الحرس الوطني الفيدرالية.

ويتكون الحرس الوطني من قوات عسكرية تابعة للولايات، وهي في معظمها قوات بدوام جزئي، ولديها وظائف مدنية منفصلة بدوام كامل.

في العادةً، يتحكم حاكم كل ولاية في قوات الحرس الوطني المتواجدة فيها،ويمكنه توجيهها للتعامل مع الكوارث أو الاضطرابات المدنية. لكن في ظل ظروف معينة، يسمح القانون الفيدرالي للرئيس بالسيطرة على الحرس الوطني للولاية.

ما هي قواعد الاشتباك؟

الأمر غير واضح.

كتب ستيفن آي. فلاديك، أستاذ القانون بجامعة جورج تاون، في منشور على موقع Substack يُحلل فيه الأمر، حسبما نقلت “نيويورك تايمز”، أن القوات الفيدرالية تبدو محدودة الصلاحيات في الوقت الحالي. بمجرد نشرها، ستتمكن من حماية موظفي دائرة الهجرة والجمارك والمباني الفيدرالية من هجمات المتظاهرين، لكنها لن تتمكن من تنفيذ مداهمات أو عمليات تفتيش أو حفظ الأمن في شوارع المدينة بشكل عام.

لكن أمر ترمب لم يُحدد أي معايير تُحدد متى يُمكن للقوات استخدام القوة – مثل اعتقال الأشخاص أو إطلاق النار عليهم – إذا اعتبرت إدارته أن الاحتجاج يُهدد الموظفين الفيدراليين أو الممتلكات أو الوظائف.

وانتقد وزير الدفاع بشدة المحامين العسكريين الذين روّجوا لما اعتبره “قواعد اشتباك تقييدية بشكل مفرط” تهدف إلى حماية المدنيين في مناطق الحرب. وقد أقال كبير المحامين العامين الذين يُقدمون المشورة بشأن القيود القانونية. ولم تُشر تصريحاته يومي السبت والأحد حول استخدام القوات في لوس أنجلوس إلى ضبط النفس.

في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، وصف هيجسيث (وزير الدفاع)، الاحتجاجات ضد إدارة الهجرة والجمارك في لوس أنجلوس، بأنها “اعتداءات غوغائية عنيفة” تهدف إلى منع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين زعم ​​أنهم متورطون في “غزو”.

وقالت هينا شمسي، مديرة مشروع الأمن القومي التابع للاتحاد الأميركي للحريات المدنية، الأحد: “بغض النظر عمن يحمل السلاح أو الزي العسكري الذي يرتديه، من المهم أن نتذكر أن الدستور – وخاصة التعديل الأول – ينطبق، وأن سلوك القوات يخضع لقيود دستورية صارمة”.

هل من القانوني استخدام قوات فيدرالية على الأراضي الأميركية؟

في العادة لا يكون ذلك قانونياً، ولكن في بعض الأحيان قد يكون كذلك.

بموجب قانون صدر  في عام 1878 ويُسمى “قانون بوس كوميتاتوس”، يُحظر عادةً استخدام القوات الفيدرالية على الأراضي المحلية لأغراض الشرطة. لكن قانوناً صدر في عام 1807، وهو “قانون التمرد”، يؤطر استثناءً من هذا الحظر في الحالات التي يقرر فيها الرئيس أن “العوائق أو التشكيلات أو التجمعات غير القانونية، أو التمرد على سلطة الولايات المتحدة”، تجعل إنفاذ القانون الفيدرالي “غير عملي”.

انتقد أمر ترمب الاحتجاجات ووصفها بالعنيفة، وقال إنها تهدد بإلحاق الضرر بمرافق احتجاز المهاجرين الفيدرالية، مضيفاً أنه “بقدر ما تعيق الاحتجاجات أو أعمال العنف تنفيذ القوانين بشكل مباشر، فإنها تُشكل شكلاً من أشكال التمرد على سلطة حكومة الولايات المتحدة”.

ما هي السلطة القانونية التي استشهد بها ترمب؟

استند ترمب في أوامره بنشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس، إلى المادة 12406 من الباب العاشر من قانون الولايات المتحدة، الذي يسمح له باستدعاء أفراد ووحدات الحرس الوطني للخدمة الفيدرالية في ظروف معينة، بما في ذلك أثناء التمرد على سلطة الحكومة الفيدرالية. لكنه لم يلجأ إلى قانون التمرد.

لا يمنح قانون الاستدعاء، في ظاهره، أي سلطة لاستخدام القوات الفيدرالية بالطرق التي سمح بها ترمب لهيجسيث. لكن الرئيس الأميركي أشار أيضاً إلى “السلطة المخولة لي كرئيس بموجب الدستور”، مما قد يعني أن إدارته تعتقد أنه يستطيع ادعاء سلطة متأصلة كرئيس لاستخدام القوات على الأراضي الأميركية بهذه الطرق.

من الجدير بالذكر أنه خلال حرب فيتنام، كتب ويليام هـ. رينكويست، قاضي المحكمة العليا لاحقاً، مذكرات لمكتب المستشار القانوني بوزارة العدل، ينص على أن للرؤساء سلطةً فطريةً في استخدام القوات لمنع المتظاهرين المناهضين للحرب من عرقلة المهام الفيدرالية أو إتلاف الممتلكات الفيدرالية في واشنطن العاصمة والبنتاجون.

وجادل رينكويست، بصفته مسؤولاً في وزارة العدل، بأن استخدام القوات بهذه الصفة الوقائية لا ينتهك قانون “بوس كوميتاتوس”. ولكن لم يكن هناك اختبار قضائي قاطع لهذه الفكرة. علاوة على ذلك، تُعتبر عاصمة البلاد وحرم البنتاجون منطقتين فيدراليتين، على عكس لوس أنجلوس حيث يُنفذ عملاء دائرة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) مداهمات.

هل يجب على حاكم ولاية ما الموافقة على قوات فيدرالية؟

ليس دائماً. لكن استخدام القوات الفيدرالية على الأراضي المحلية خارج القواعد العسكرية لأغراض الشرطة، لم يحدث إلا في ظروف نادرة واستثنائية، وكان القيام بذلك رغم اعتراض حاكم ولاية ما أمراً أكثر غرابة.

آخر مرة استخدم فيها رئيس أميركي، القوات الفيدرالية لأغراض الشرطة المحلية كانت في عام 1996، عندما فعّل الرئيس جورج بوش الأب “قانون التمرد” لقمع أعمال شغب واسعة النطاق اندلعت في لوس أنجلوس بعد أن برأت هيئة محلفين ضباط شرطة صُوّروا بالفيديو وهم يعتدون على سائق سيارة من أصول إفريقية، رودني كينج. لكن في تلك القضية، طلب حاكم كاليفورنيا، بيت ويلسون، وعمدة لوس أنجلوس، توم برادلي، المساعدة الفيدرالية لاستعادة النظام.

لم يستخدم الرؤساء الأميركيون، القوات الفيدرالية دون إذن حكام الولايات منذ حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن الماضي، عندما تحدى حكام الولايات الجنوبية أوامر المحكمة بإلغاء الفصل العنصري في المدارس العامة.

وخلال الحملة الرئاسية الأخيرة، صرّح ترمب بأنه إذا عاد إلى البيت الأبيض، فسيرسل قوات عسكرية إلى مدن مثل نيويورك وشيكاجو ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو دون أي طلب من السلطات المحلية.

وقال ترمب في تجمع انتخابي في عام 2023 في ولاية أيوا: “انظروا إلى ما يحدث لبلدنا – لا يمكننا أن نسمح بحدوثه بعد الآن”. وأضاف: “ومن الأمور الأخرى التي سأفعلها – بما أنه ليس من المفترض أن تشاركوا في ذلك، عليكم فقط أن تنتظروا طلب الحاكم أو العمدة الحضور. في المرة القادمة، لن أنتظر”.

ما هي القوات التي ينوي ترمب استخدامها؟

على الأقل بعضها قادم من الحرس الوطني لكاليفورنيا، لكن نطاقها غير واضح.

يبدو أن حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، يفترض أن ترمب ينوي استخدام حرس ولايته. ففي بيان صدر مساء السبت، قال: “الحكومة الفيدرالية تتحرك للسيطرة على الحرس الوطني لكاليفورنيا ونشر 2000 جندي. هذه الخطوة مُستفزة عمداً ولن تؤدي إلا إلى تصعيد التوترات”.

ويوم الأحد، أعلنت القيادة الشمالية الأميركية، أن عناصر من لواء مشاة قتالي من الحرس الوطني لكاليفورنيا “بدأوا بالانتشار في منطقة لوس أنجلوس، وبعضهم موجود بالفعل على الأرض”.

لكن ترمب وجّه هيجسيث إلى “التنسيق مع حكام الولايات”، بصيغة الجمع، لتحديد الوحدات التي سيتم استدعاؤها للخدمة الفيدرالية. ومن الاحتمالات المطروحة أن يرسل هيجسيث أيضاً قوات من ولاية يسيطر عليها الجمهوريون إلى كاليفورنيا، التي يسيطر عليها الديمقراطيون، مما يزيد من حدة التوترات السياسية.

هناك احتمال آخر يتمثل في أن الإدارة تتطلع إلى توسيع نطاق استخدام القوات ليشمل أجزاء أخرى من البلاد. والجدير بالذكر أن أمر ترمب لا يقتصر على لوس أنجلوس، بل يُخول للقوات حماية عمليات إنفاذ قوانين الهجرة في “أي مواقع تحدث فيها احتجاجات أو يُحتمل أن تحدث فيها”.

وأشار هيجسيث على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أنه إذا قرر أيضاً نشر قوات عاملة (من الجيش)، وهو ما قد يُمثل تصعيداً إضافياً محتملاً، فسيكونون على الأرجح من مشاة البحرية من معسكر بندلتون، وهي قاعدة رئيسية في جنوب كاليفورنيا. وقال إن هؤلاء المارينز كانوا بالفعل في “حالة تأهب قصوى”.

هل سيتم الطعن على خطوة ترمب أمام القضاء؟

تبدو احتمالات التقاضي للطعن في الأمر كبيرة. لكن الوقت لا يزال مبكراً، ولم تحدث الكثير من التطورات الملموسة حتى الآن. والجدير بالذكر أنه في وقت مبكر من صباح الأحد، أشاد ترمب بالحرس الوطني على مواقع التواصل الاجتماعي لـ”أدائه الجيد”، على الرغم من عدم وجود أي قوات فيدرالية على الأرض في لوس أنجلوس حتى الآن.

وأحد المدعين المحتملين هو حكومة كاليفورنيا. من المرجح أن يكون لها الحق في رفع دعوى قضائية استناداً إلى حقوق الولايات، ويمكنها الدفع بأن حالات العنف المعزولة التي لا تُثقل كاهل سلطات إنفاذ القانون المحلية لا تكفي لاستيفاء المعايير القانونية لنشر القوات الفيدرالية.

يبدو أن تصريحات نيوسوم (حاكم كاليفورنيا) العلنية، تُرسي هذا الأساس. فقد قال إنه “لا توجد حالياً حاجة غير مُلباة” للمساعدة الأمنية الإضافية. كما حثّ المتظاهرين على الحفاظ على سلميتهم و”عدم استخدام العنف أبداً” لتجنب إعطاء ترمب ذريعةً لـ”مشهدٍ مُثير”، ووصف تهديد هيجسيث بنشر مشاة البحرية في الخدمة الفعلية بأنه “سلوكٌ مُختل”.

ينص البند 12406 أيضاً على أن أوامر استدعاء الحرس الوطني “يجب أن تصدر من خلال حكام الولايات”، مما قد يُوفر أساساً لنيوسوم للدفع بأنه لا يمكن تحويل الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى قوة فيدرالية بموجب هذا القانون إلا بموافقته.

قد تكون هناك أيضاً دعاوى قضائية نيابةً عن المتظاهرين، مُستندةً إلى حقوق فردية مثل حماية التعديل الأول لحرية التعبير والتجمع. وقد صاغ اتحاد الحريات المدنية الأميركي مثل هذه الدعاوى القضائية المحتملة حتى قبل الانتخابات كجزء من التخطيط الطارئ لما اعتبره مخاطر محتملة من إدارة ترمب الثانية.

شاركها.