يُهدد الخلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورجل الأعمال إيلون ماسك، مسيرة التحالف المتنامي بين وادي السيليكون وواشنطن، التي كان من الممكن تشهد يوماً “حافلاً آخر”، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.
وذكرت الصحيفة، الأحد، أنه في الوقت الذي تبادل فيه الرجلان انتقادات حادة عبر منصاتهما الاجتماعية، طُرحت شركة للعملات المشفرة، كانت أنشطتها تعرقلت بفعل سياسات إدارة الرئيس السابق جو بايدن، للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، حيث ارتفع سعر سهمها بنسبة 200%.
كما أعلنت شركة في مجال الذكاء الاصطناعي عن منتج جديد موجه لدعم مؤسسة الأمن القومي، فيما جمعت شركة “أندوريل” الناشئة المتخصصة في تقنيات الدفاع تمويلاً بقيمة 2.5 مليار دولار لتوسيع مساعيها نحو الفوز بعقود من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون).
وتُفسر هذه الصفقات المتسارعة لشركات تسعى لكسب ود واشنطن، سبب تمسك كثيرين في وادي السيليكون بسياسة الصمت حالياً، ومواصلتهم دعم ترمب رغم تباينات أيديولوجية بدأت توتر التحالف السياسي بين تيار اليمين في قطاع التكنولوجيا، وحركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” (MAGA).
ورغم هذه الفجوة الأيديولوجية، فإن إدارة ترمب، حتى الآن، كانت مفيدة لمصالح وادي السيليكون المالية.
واعتبرت “واشنطن بوست” أن ماسك فشل في إحداث تغيير منهجي شامل على مستوى الحكومة الفيدرالية، مشيرة إلى أن كثيراً من المديرين التنفيذيين والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا، ممن يدعمون ترمب، يضعون نصب أعينهم أهدافاً أكثر تحديداً تتركز على تهيئة بيئة تنظيمية مواتية للقطاع.
ترسيخ التحالف مع واشنطن
وأشارت الصحيفة، إلى أن هؤلاء المسؤولين بدأوا يحققون نجاحاً في مساعيهم، إذ بنت مجموعة واسعة من الشخصيات النافذة في عالم التكنولوجيا خلال العام الماضي علاقات عميقة مع البيت الأبيض، ووكالات فيدرالية، بمعزل عن ماسك.
وأفضت تلك التحالفات إلى ترسيخ مواقف القطاع حيال قضايا العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي والدفاع، كما وضعت الأسس لتغييرات مرتقبة في السياسات الحكومية تصب في صالح الشركات التكنولوجية لسنوات مقبلة.
ونجح هذا المعسكر في تعيين حلفاء له في مناصب رئيسية، من بينهم المدير التنفيذي السابق في “أوبر”، إيميل مايكل، الذي عُين مؤخراً في منصب رفيع بالبنتاجون، إضافة إلى المستثمر التكنولوجي ومقدم البرامج الصوتية (بودكاست)، ديفيد ساكس، الذي يشغل حالياً منصب مستشار البيت الأبيض لشؤون العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي.
ورغم أن مستقبلهما قد يبدو أكثر تذبذباً في غياب ماسك، فإن مايكل وساكس لا يزالان مقربين من الرئيس ترمب ونائبه جي دي فانس، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على طبيعة هذه العلاقات، تحدثت للصحيفة بشرط عدم كشف هوياتها.
وفي الوقت نفسه، توثقت علاقة صناعة العملات المشفرة بترمب، بعد أن أغدقت على حملته وحملات الجمهوريين في الكونجرس تبرعات سخية، فيما كانت عائلته تخوض غمار مشروعاتها الخاصة في هذا المجال المربح.
ورغم أن حملة ماسك لكبح الإنفاق الحكومي فشلت، فإن آخرين من قطاع التكنولوجيا الأميركي، بدأوا يجنون ثمار استثماراتهم في واشنطن؛ فشركة “بالانتير” لتحليل البيانات، التي شارك في تأسيسها بيتر تيل، حصدت عقوداً جديدة بمئات الملايين من الدولارات، بعضها مع البنتاجون.
وفي مايو الماضي، توسطت إدارة ترمب في إبرام صفقات بمليارات الدولارات لشركات الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط. كما ألغى ترمب الأمر التنفيذي الذي أصدره بايدن بشأن وضع ضوابط على استخدام الذكاء الاصطناعي، وهو قرار رحب به مؤيدو ترمب في القطاع التكنولوجي.
انفصال يهدد مستقبل التحالف
وقالت “واشنطن بوست”، إن الانفصال بين ترمب وماسك، ومستقبل تحالف القطاع مع البيت الأبيض، لا يزالان من القضايا الشائكة التي يتجنب معظم المعنيين في القطاع الحديث عنها علناً.
وأعلن البرنامج الصوتي الشهير All In، الذي يحظى بشعبية واسعة في أوساط القطاع، عن حلقة طارئة، الخميس، لكنه لم يبثها، إذ قال أحد المضيفين: “قررت التوقف قليلاً وعدم التعليق على الاشتباك بين ترمب وإيلون”.
لكن شخصيات من وادي السيليكون، طلبت عدم كشف هويتها، قالت في الغالب إنها لم تُفاجأ بالانفصال بين هذين الطرفين المعروفين بتصادمهما، وأضاف بعضهم أنهم لا يشعرون بالقلق أيضاً.
وقال مسؤول تنفيذي في قطاع التكنولوجيا يعمل في واشنطن، وفي مجال الفضاء، طالباً عدم كشف هويته: “الخلاف بين الرجلين كان حتمياً، لكن لم أتوقع أن يحدث بهذه السرعة أو أن يكون بهذا القدر من الحدة”.
وأضاف أنه لا يعتقد أن هذا التوتر سيؤثر في الأجندة الأوسع نطاقاً، قائلاً: “معظم التيار التكنولوجي اليميني أكثر براعة سياسية من إيلون”.
لكن بعض الذين دعموا حملة ماسك، قالوا إنهم باتوا يشعرون بالحيرة حيال مستقبل هذا التحالف.
وقال مسؤول تنفيذي آخر في قطاع التكنولوجيا وصديق لماسك، طلب عدم كشف هويته ليعبر عن آرائه بحرية: “وجود ماسك في الغرفة كان يعني لي الكثير، كناخب ومؤمن بهذه القضية”.
تحالف هش
مع ذلك، وصفت “واشنطن بوست” التحالف السياسي الذي يجمع بين حركة “ماجا” الشعبوية وأثرياء وادي السيليكون بأنه كان “هشاً”. وأوضحت أن الخلافات بدأت في الظهور قبيل تنصيب ترمب، مع اندلاع الخلاف حول تأشيرات H1B.
ويقول شيل موهنت، الشريك المؤسس لشركة Better Tomorrow Ventures للاستثمار في التكنولوجيا المالية ومقرها سان فرانسيسكو: “الهجرة كانت أولى نقاط الخلاف بين يمين ماجا واليمين التكنولوجي”.
لكن هذا الخلاف سُوي مؤقتاً عندما وقف ترمب إلى جانب ماسك وصناعة التكنولوجيا، في مؤشر على قوة العلاقة بين الرجلين آنذاك.
لكن في الشهور الأخيرة، برزت خطوط انقسام جديدة، خصوصاً مع السياسات التي تنتهجها إدارة ترمب حيال تأشيرات الطلاب، وخفض التمويل الحكومي المخصص للعلوم، مما عرقل تدفق المواهب والابتكار نحو القطاع التكنولوجي، كما توسعت الفجوة لاحقاً مع إعلان ترمب فرض رسوم جمركية جديدة.
وقال مستثمر معروف في قطاع التكنولوجيا: “حدث تحول واضح في يوم التحرير”، وهو الاسم الذي أطلقه ترمب على 2 أبريل، عندما أعلن عن زيادة واسعة في الرسوم الجمركية.
وأضاف، طالباً عدم ذكر اسمه لتجنب أي رد فعل انتقامي: “كان من الصعب جداً دفع هؤلاء الأشخاص لقول أي شيء سلبي عن ترمب. ثم أصبح العكس”.