عذراً لمليون شهيد وعذراً لآلاف المعتقلين والمغيبين قسراً ، عذراً لأمهات الشهداء والمكلومين ولكل ضحايا الإبادة الأسدية.
لقد اصطدم انتصارنا بـ “فادي صقر” ، مجرم الحرب الذي تبجح لسنوات بقتلنا.
يتراقص اليوم على جثث الضحايا بحجة السلم الأهلي فأي سلمٍ أهلي يُجلب على دماء الضحايا! وأي دولةٍ تُبنى على دماء أبنائها ، لكننا نسأل اليوم من قتل مليون سوري خلال أكثر من عقداً من الزمن؟!
السوريون متعجبون! من قتلنا حقاً؟
فإذا كان القاتل يُكرم والمجرم يُنصّب والضحية تُنسى ، فمن قتلنا كل هذه السنين؟
الإجابة تعرفها السلطة منذ أن وصلت للحكم في ديسمبر 2024 وتتلخص بكل من قاتل ودافع عن نظام الأسد طوال السنوات الماضية ووثّق جرائمه بالصوت والصورة ليتحدى العدالة ويتحدى المنتصرين.
تقول السلطة على لسان بعض الناطقين باسمها أن العدالة قادمة لكنها لن تطال الجميع ؛ ونحن نقول أن العدالة ستطال الجميع والأولى لها أن تُنصف الضحايا أولاً.
مرت أشهر على سقوط نظام الأسد البائد ولا تزال صرخات صيدنايا تُسمع في آذاننا ، وأعتذر.. تلك الصرخات التي أتحدث عنها ليست للمعتقلين ؛ فهؤلاء لم نسمع أصواتهم وإنما لأهالي المعتقلين الذين حجّوا للباستيل السوري بحثاً عن أبنائهم وكما نعلم جميعنا الكثير منهم لم يُعرف مصيرهم حتى اللحظة.
تقول السلطة أنها دشنت “هيئة للعدالة الانتقالية” وأخرى “للسلم الأهلي” وثالثة “للبحث بمصير المفقودين” لكن على ما يبدو تحتاج تلك اللجان من يُعلّمها ماذا تفعل! ، نعم نعلّمها ماذا تفعل وكيف؟!
تبدأ العدالة الانتقالية بالتوصيف والتدقيق وهي المرحلة التي يجب أن تعترف بها السلطة بمن تعرض للإبادة ومن كان المسؤول عنها وتُسميهم بالاسم ولا تغفل أحداً منهم في صفقةٍ أو تعاون.
تطلُّ علينا السلطة وتقول أن العدالة الانتقالية لن تطال كل من تعاون وساعد نظام الأسد! وهي بذلك التصريح تُخالف الإعلان الدستوري وتُخالف القانون الدولي بالكامل ؛ فالعدالة الانتقالية تطال جرائم متعددة، أولها جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وكما تطال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مثل الاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والاحتجاز التعسفي وحتى الإعدامات بإجراءات موجزة والعنف الجنسي ويمكنها أن تصل لتُحاسب المسؤولين بقضايا الفساد وسوء استخدام السلطة ، وعليه فأن تُحدد السلطة الجديدة من ستطاله العدالة الانتقالية فإنها تنسف المفهوم كله وتحولها لعدالة انتقائية لا تُحاسب مجرماً ولا تقتص لضحية.
وعند النظر من زاوية السلطة التي تُعلن اليوم أنها عقدت اتفاقيات مع بعض رموز النظام البائد لتسليم المناطق خلال عمليات التحرير ولحقن الدماء فهي محقة لكن بشروط ، قد يكون فادي صقر وغيره ساعدو بتسليم بعض الثكنات أو الأفرع الأمنية وغيرها لكن ليس لدرجة أن يكون في واجهة المشهد الجديد! قد يُخفف عنهم أمام القضاء ويحسب لهم ما قدموه من مساعدة هي متأخرة أصلاً لكن ليس لدرجة أن يظهروا في المشهد من جديد فعلى الأقل كان على السلطة أن تعزلهم اجتماعياً حتى تحقيق العدالة للضحايا.
نعم تتدحرج العدالة ويقول البعض أنها تنهار لكن الحلول لا تزال في يد السلطة نفسها؛ فمن منحها القرار عندما قال أن “من يُحرر يُقرر” يمكنه اليوم أن يقول لها “من يتهاون يسقط” ويبقى القرار بيدها. المسار واضح للغاية للسير في العدالة الانتقالية وغيرها من المسارات المهمة لتثبيت الاستقرار في سوريا ، ولكن على السلطة أن تلتفت للخبرات والكفاءات الحقيقية لمعالجة كل تلك القضايا وألا تغفل حاضنة الثورة التي أوصلتها لقصر الشعب فإن غضبت تلك الحاضنة فلن تكون الأمور تسرُّ السلطة وإن رضيت فمسار الدولة سيعود لِسكته الصحيحة دون خوف.
ملاحظة|| الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة موقف الوكالة
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية