أثارت مراجعة أعدتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، لاتفاق الغواصات النووية “أوكوس”، والذي تلتزم بموجبه الولايات المتحدة وبريطانيا بتزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية، قلقاً لدى أحد الحلفاء الرئيسيين، في وقت تكثف فيه الصين طموحاتها البحرية من أجل الهيمنة الإقليمية، حسبما نقلت “واشنطن بوست”.
وتعكس هذه المراجعة في واشنطن، قلقاً متنامياً بين مسؤولي الدفاع في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبعض المشرّعين المعنيين بالشأن الصيني، من أن شروط الاتفاق قد تحرم الولايات المتحدة مما يكفي من السفن والغواصات اللازمة لمواجهة تنامي الأسطول الصيني.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية إن البنتاجون يراجع اتفاقية “أوكوس” التي أُبرمت في عهد الرئيس السابق جو بايدن، للتأكد من أنها “منسجمة مع أجندة الرئيس التي تضع أميركا أولاً”، وأن الحلفاء “يبذلون قصارى جهدهم من أجل الدفاع المشترك”.
وعبّر المسؤول عن رؤية أوسع يقودها وزير الدفاع، بيت هيجسيث، والتي تؤكد على ضرورة أن تُعطي الولايات المتحدة الأولوية لاحتياجاتها الخاصة، وأن تُلزم حلفاءها بتحمل المزيد من أعباء الدفاع عن أنفسهم.
ويقول المحللون إن حالة عدم اليقين هذه تتفاقم في وقت تعيد فيه الإدارة الأميركية ترتيب التزاماتها في أوروبا، وتحثّ الحلفاء الرئيسيين مثل تايوان وأستراليا على زيادة الإنفاق العسكري، بينما تُعيد إدارة ترمب تركيز استراتيجيتها على منطقة المحيطين الهندي والهادئ والتهديد المتصاعد من الصين.
تفوق صيني
وبات الأسطول البحري الصيني الآن يتفوق عددياً على نظيره الأميركي، بأكثر من 370 قطعة بحرية. ومع ذلك، لا تزال الصين متأخرة عن الولايات المتحدة من حيث الحمولة الإجمالية للسفن والتفوق التكنولوجي، خصوصاً في الأسطول البحري تحت الماء، إذ تملك الصين 12 غواصة نووية فقط، مقارنة بأكثر من 65 غواصة نووية تشغلها البحرية الأميركية.
وقال نيشانك موتواني، وهو محلل مقيم في واشنطن لدى المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية (ASPI)، وهو مركز أبحاث تموله الحكومة الأسترالية:
“الولايات المتحدة لا تبني عدداً كافياً من الغواصات لتلبية احتياجاتها الخاصة، وفي قطاع بناء السفن الأميركي، فإن الزيادة المطلوبة لتلبية الاحتياجات الداخلية، ناهيك عن القدرة الإضافية لتسليم غواصات من طراز فرجينيا إلى أستراليا، تُعد مشكلة معروفة منذ وقت طويل”.
وتتضمن اتفاقية AUKUS هدفاً طويل الأمد لأستراليا لتطوير غواصاتها النووية الخاصة في أربعينيات القرن الحادي والعشرين، على أن تُباع غواصات أميركية الصنع إلى أستراليا في غضون ذلك، بحلول عام 2030. كما تشمل الاتفاقية تعاوناً تكنولوجياً واسع النطاق في مجالات دفاعية أخرى، يهدف بشكل عام إلى مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويقود مراجعة اتفاقية AUKUS، التي نشرتها صحيفة “فاينانشيال تايمز” لأول مرة الأربعاء الماضي، إلبريدج كولبي، الوكيل السياسي في وزارة الدفاع الأميركية، والذي سبق أن أعرب عن شكوكه بشأن خطط الولايات المتحدة لبيع غواصات تعمل بالطاقة النووية لأستراليا، مجادلاً بأن أسطول أميركا نفسه غير كاف في ظل التهديد الصيني المتزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
حاجات البحرية الأميركية
وذكرت “واشنطن بوست” أن الغواصات من فئة “فرجينيا”، التي من المقرر أن تحصل عليها أستراليا، والتي تشمل شراء أولياً لثلاث غواصات، مع خيار شراء غواصتين إضافيتين لسدّ الفجوة قبل وصول الغواصات البريطانية الصنع من نوع SSN في أربعينيات هذا القرن، تعاني بالفعل من تأخيرات في جدول التسليم، بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين.
وتبلغ تكلفة كل غواصة نحو 4.3 مليار دولار، في حين أن هدف البحرية الأميركية بالحفاظ على أسطول مكوّن من 66 غواصة هجومية نووية (SSN) لم يتحقق بعد، حيث يبلغ العدد الحالي حوالي 50 غواصة فقط.
ووفقاً لتقديرات “خدمة أبحاث الكونجرس” (CRS)، فإن بيع ما يصل إلى خمس غواصات لأستراليا سيؤدي إلى تراجع عدد غواصات SSN في الأسطول الأميركي حتى أربعينيات القرن الحالي. ولمواكبة هذا الطلب، يسعى برنامج غواصات فرجينيا إلى إنتاج غواصتين سنوياً بحلول عام 2028، وأكثر من 2.3 غواصة سنوياً في السنوات التي تلي ذلك لتلبية احتياجات كل من الولايات المتحدة واتفاقية أوكوس (AUKUS).
لكن تحقيق هذه الأهداف لا يزال بعيد المنال. ففي جلسة استماع عُقدت في أبريل بلجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، فرع القوة البحرية، قال الأميرال جوناثان إي. راكر، المسؤول التنفيذي في البحرية عن برنامج الغواصات الهجومية، إن هناك حالياً 14 غواصة من فئة فرجينيا قيد البناء، لكن معدل الإنتاج لا يتجاوز 1.13 غواصة في السنة.
وقال راكر: “الأسباب الرئيسية لذلك تشمل مشاكل في القوى العاملة، وتأخيرات في المواد وسلاسل التوريد، ومشكلات في منشآت وبنية أحواض بناء السفن، وكلها تؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتأخير الجداول الزمنية”.
وفي سلسلة منشورات على “إكس”، أواخر العام الماضي، أعرب إليبردج كولبي (خبير استراتيجي أميركي بارز) عن شكوكه بشأن جدوى بيع غواصات أميركية لأستراليا، مشيراً إلى أن الأسطول الأميركي يعاني بالفعل من ضغط كبير لتلبية احتياجاته الخاصة، خصوصاً في حال وقوع غزو صيني محتمل لتايوان.