أعادت الحكومة السورية إحياء اسم مثير للجدل في الشرق السوري، عبر منح ترخيص رسمي لإنشاء شركة لصناعة وتجارة التبغ والمعسل، لشخص يُعرف بعلاقاته مع الحرس الثوري الإيراني وقيادات من النظام السوري البائد، وأثارت الخطوة تساؤلات سياسية واقتصادية حول أهداف الحكومة من هذه الخطوة، ودلالات عودة فرحان المرسومي إلى المشهد.
من هو فرحان المرسومي؟
عاد اسم فرحان حمد المرسومي، المعروف بكونه أحد أبرز وجهاء دير الزور وشخصية عشائرية على علاقة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، إلى الواجهة بعد منحه ترخيصًا رسميًا من الحكومة السورية لتأسيس شركة تختص بصناعة وتجارة التبغ والمعسل، في منطقة تعتبر حساسة سياسيًا وأمنيًا.
المرسومي ليس رجل أعمال عادي، بل يُتهم بتورطه في إدارة شبكات تهريب بين العراق وسوريا لصالح الحرس الثوري، وبتسهيل عمل ميليشيات موالية لإيران، مثل “حزب الله” و”قوة رضوان”.
كما لعب دورًا محوريًا في إدارة شبكات تهريب السلاح والمخدرات، بغطاء مباشر من “الفرقة الرابعة”، مستفيدًا من علاقاته الوثيقة بماهر الأسد، أيضًا، حظي المرسومي بدعم قادة الحشد العراقي والميليشيات العراقية خلال سنوات الثورة السورية، حيث قام بزيارات دائمة إلى العراق، كما قام بتأمين احتياجات زوار شيعة في منطقة السيدة زينب.
وحسب تقارير فإن كل هذا الدعم أدى إلى سطوة ونفوذ له عبر معبري القائم النظامي ومعبر السكك الإيراني غير الشرعي؛ حيث كان يُعد المرسومي رائدًا في مجال تهريب التبغ من العراق إلى معظم الأراضي السورية عبر شخصيات تابعة له، وبالتعاون والتنسيق مع الفرقة الرابعة، بالتنسيق مع مهرّبين من حزب الله اللبناني.
عودة عبر “التبغ”
الترخيص الجديد للشركة أُدرج رسميًا تحت اسم “فرحان حمد محمد المرسومي”، برأسمال بلغ 100 مليون ليرة سورية، أي نحو 9 آلاف دولار فقط. رقم اعتبره الخبراء “زهيـدًا” مقارنة بطبيعة القطاع الذي يُصنف ضمن الصناعات السيادية في كثير من الدول.
وفي تعليق لـوكالة “ستيب نيوز“، قال المحلل الاقتصادي السوري يونس الكريم: “تمت إعادة تعويم المرسومي عبر شركة مختصة بصناعة وتجارة التبغ والمعسل، من خلال ترخيص رسمي… المشروع مرتبط بعطاء قدمه فرحان مرسومي، الذي يملك علاقات وثيقة مع ماهر الأسد والحرس الثوري الإيراني، وهذا يعكس استمرار نفوذ إيران في دير الزور”.
صفقة خلف الكواليس؟
الجدل تصاعد حول شخصية “المرسومي” بعد زيارة كل من وزير الثقافة السوري محمد ياسين صالح، وجمال الشرع شقيق الرئيس السوري، إلى مضافة المرسومي، قبل نحو شهرين، في مشهد اعتُبر رسالة مباشرة بدعم حكومي لعودته.
الوزير اضطر لاحقًا للاعتذار، وقال إن الزيارة “اجتماعية”، بينما وصف يونس الكريم المشهد بـ”إعادة إنتاج اقتصاد الحرب”، مشيرًا إلى أن: “الحكومة السورية تسعى لتأمين السيولة عبر مثل هذه التراخيص، ضمن خطة لإنشاء صندوق سيادي جديد. لكنها في الواقع تعيد تدوير أمراء الحرب الذين يملكون قواعد على الأرض”.
ويؤكد اليونس أن “زيارة الوزير وجمال الشرع الذي لا يملك صفة رسمية بالدولة، الأخير ترجّح وجود اتفاق مسبق، وتوافق سياسي اقتصادي” بينما يشير إلى أن مصادر تحدث عن أن الزيارة كانت رسالة من حازم الشرع رئيس المجلس الأعلى للاستثمار، الواجهة الاقتصادية للقصر الجمهوري.
رائحة التبغ.. أم المخدرات؟
تاريخ المرسومي المشبوه يزيد الكثير من الجدل حول دوره الجديد، وهو ما المتهم بعمليات الاتجار بالمخدرات خلال حقبة الأسد.
والترخيص الجديد لا يتعلق فقط بالتبغ، وفق ما يشير إليه الكريم، إذ أوضح أن: “هذه الصناعة تدر أرباحاً كبيرة وغالباً ما تكون غطاءً لتهريب مواد أخرى، من بينها المخدرات، لا سيما وأن المرخص له متهم تاريخيًا بالاتجار بالممنوعات وتهريب السلاح”.
ويضيف: أن طبيعة صناعة التبغ، وتأثيرها على الزراعة والصحة العامة، تجعل المشروع غير مجدٍ اقتصاديًا، بل يضيف أعباء على الاقتصاد المنهك أصلًا.
كما يلفت إلى أن عودة مثل هذه الشخصيات إلى الواجهة تقوّض فرص العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، كما أنها تعيد للأذهان “فكر الحكم الأسدي” عبر شخصيات محلية لها جذور مع النظام البائد.
ما وراء التراخيص؟
يرى مراقبون أن ما يحصل يتجاوز الاقتصاد، فالأمر يرتبط برغبة الحكومة السورية باستغلال نفوذ بعض الشخصيات لتثبيت السيطرة على المنطقة.
يقول الكريم: ” تسعى الحكومة إلى انشاء “الصندوق السيادي”، الذي يحتاج إلى مليارات الدولارات وهو ما يدفعها إلى الاعتماد على أمراء الحرب، أضافة للتحكم بالمنطقة عبر الشبكات التي يملكها أولئك الأشخاص والذين يملكون قواعد على الأرض، إلى جانب جمع المعلومات عن المطلوبين دولياً، وتقديمهم للجهات الدولية مقابل تنازلات سياسية أو مالية”.
تحركات تثير غضب السوريين
لم يكن الشارع السوري راضياً مؤخراً عن بعض تحركات الحكومة السورية، خصوصاً تلك المتعلقة بعودة بعض وجوه ورموز النظام البائد إلى المشهد من جديد.
فعسكرياً أثار ظهور فادي صقر قائد ميليشيا سابق بعهد نظام الأسد مع وزراء الحكومة الجديدة جدلاً وغضباً، بينما ظهر أيضاً رجل الأعمال المقرّب من نظام الأسد البائد، سليم دعبول في دمشق، كما أكدت تقارير تواجد رجل الأعمال الآخر محمد حمشو في دمشق وسط حديث عن صفقة أجراها مع الحكومة السورية لضمان بقاء استثماراته ومشاريعه وعدم محاسبته.
أما المرسومي أحد أبرز أذرع “الحرس الثوري الإيراني” في الشرق السوري، والذي شكّل رأس الحربة في تجنيد أبناء المنطقة ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني، وساهم في إحكام قبضة طهران على مفاصل اجتماعية وعسكرية داخل دير الزور، فإن تواجده المعلن في الجانب الاقتصادي الجديد للحكومة يثير الكثير من التساؤلات حول “الصفقة” التي ترعاها الحكومة السورية مع مثل هذا الشخص.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية