قال ثلاثة مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون”، إن العروض التي تقيمها إدارة الرئيس دونالد ترمب، بمناسبة الذكرى الـ 250 لتأسيس الجيش الأميركي، أثارت خيبة أمل وقلق كبير وسط قادة الجيش، رافضين ما اعتبروه “محاولات لتسييس الجيش واستغلاله لأغراض حزبية”، حسبما ذكرت “واشنطن بوست”.
وكان ترمب شارك في احتفلات حضرها ضباط أميركيون في ولاية نورث كارولاينا هذا الأسبوع، حيث بدأ خطابه بالإشادة بشجاعة وصلابة الجندي الأميركي، لكن سرعان ما تغيّر مسار خطابه بشكل دراماتيكي.
وأعلن ترمب أن من يحرق العلم الأميركي يجب أن يُسجن، رغم أن التعديل الأول في الدستور، وفقاً لما أقرته المحكمة العليا، يحمي مثل هذه الأفعال. كما هاجم وسائل الإعلام، وهي هدف دائم له، وسخر من خصومه السياسيين، بمن فيهم الرئيس السابق جو بايدن.
وقال: “هل تعتقدون أن هذا الحشد كان سيحضر من أجل بايدن؟”، وذلك وسط ضحك الجنود وهتافاتهم المستهجنة.
وقال ثلاثة مسؤولين دفاعيين للصحيفة، إن هذا العرض الحزبي، أثار خيبة أمل وقلقاً في أوساط قادة الجيش الأميركي. فوفقاً للدليل الميداني للجيش، يُعلَّم الجنود أن “الجيش كمؤسسة يجب أن يكون محايداً”، مع التأكيد على “عدم تفضيل أي حزب سياسي أو جماعة بعينها”، لأن هذا “يضمن للناس أن جيشنا سيخدم الدستور والشعب بإخلاص واستجابة”.
وذكرت الصحيفة الأميركية، أن تجمع ترمب الأخير، منذ عودته إلى المنصب، يعدّ “حلقة جديدة من تجاهله للأعراف المدنية-العسكرية، واضعاً الجيش وتحديداً القوات البرية، في قلب تحركاته الحزبية الأكثر تطرفاً”.
ومن المقرر أن يقام عرض عسكري كبير، السبت، في واشنطن، احتفالاً بالذكرى الـ250 لتأسيس الجيش، في استعراض للقوة يشمل دبابات ومروحيات وفرق موسيقية وآلاف الجنود بزيّهم العسكري، وقد واجه هذا الاستعراض انتقادات لاذعة من خصوم ترمب السياسيين.
وقال مسؤول كبير في الجيش، رفض كشف اسمه، بسبب حساسية الموضوع: “نتعامل مع هذا كفرصة للتعلم.. لم يكن مظهراً جيداً”.
تسييس الجيش
وأضافت “واشنطن بوست”، أن التجمع الحزبي لترمب كان من تنظيم مجموعة “أميركا 250″، وهي الجهة نفسها المشرفة على العرض العسكري. هذه المجموعة، يُفترض أن تكون غير حزبية، ويشرف عليها مجلس ثنائي الحزبين. لكن في الأشهر الأخيرة، ضمّت المجموعة عدداً من الأشخاص المرتبطين بترمب، منهم آري أبيرجل، المتحدث السابق باسم السيدة الأولى ميلانيا ترمب، والذي يشغل الآن منصب المدير التنفيذي.
ووفق مسؤولين في البنتاجون، فقد تم عرض قبعات “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” وملصقات مؤيدة لترمب للبيع خلال الحدث، رغم اعتراض مسؤولي الجيش. وأصبح كشك البضائع، الذي أُبلغ عنه سابقاً في موقع Military.com، محور تحقيق داخلي في الجيش. وقد وصل هذا الكشك إلى “فورت براج” ضمن مجموعة خيام أخرى تبيع الطعام والشراب، ما فاجأ قادة الجيش. وتم لاحقاً نقله بعيداً عن موقع خطاب الرئيس، لكنه سُمح له بالبقاء مؤقتاً داخل القاعدة، بحسب المسؤولين.
رفضت آنا كيلي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الرد على أسئلة بشأن التجمع، لكنها قالت في بيان إنه “بفضل قيادة هذا الرئيس”، فإن الجيش “يحصل على الاحتفال الكبير الذي يستحقه بمناسبة مرور 250 عاماً من الشرف والشجاعة والتضحية”.
ووصف مستشار كبير لوزير الدفاع، بيت هيجسيث، الانتقادات الموجهة لتجمع فورت براج بأنها “محاولة مخزية لتدمير حياة جنود شباب”.
أما المتحدثة الرسمية باسم البنتاجون، كينجسلي ويلسون، فقد ردّت على الانتقادات الموجهة لكيفية تفاعل مسؤولي إدارة ترمب مع الجيش باتهام إدارة بايدن بأنها أدخلت “أيديولوجيا متطرفة” إلى وزارة الدفاع. واستشهدت بـ(عروض Drag Queen) في القواعد العسكرية وبطرد الجنود الذين رفضوا أخذ لقاح فيروس كورونا.
وقالت: “في ظل قيادة الوزير هيجيسث، يُعيد الجيش وكل فروع قواتنا المسلحة تركيزها على القتال”. وأضافت أن الحماس للخدمة، كما ظهر جلياً في فورت براج وسجلات التجنيد القياسية، “لم تسجل من قبل”.
طرد الضباط وإلغاء العقود
ومنذ تولي ترمب السلطة في يناير، تحركت إدارته بسرعة للسيطرة على وزارة الدفاع. حيث تم طرد كبار الضباط العسكريين، بما في ذلك عدد غير محدد من النساء، دون أسباب واضحة؛ وتم فتح تحقيق جديد بشأن الانسحاب من أفغانستان في عام 2021 مع وعود بـ”محاسبة” المسؤولين؛ كما تم التخطيط لتقليص عدد الجنرالات في الجيش؛ وتجاوز كبار قادة الجيش في تعيينات مرموقة لصالح ضباط من فروع أخرى.
كما ألغى هيجيست، وهو محارب قديم في الحرس الوطني للجيش ومقدم برامج سابق في قناة “فوكس نيوز”، مبادرات التنوع وأعاد أسماء تسع قواعد عسكرية للجيش الأميركي كانت قد غُيّرت في عهد بايدن.
وبالإضافة إلى 4800 من قوات الحرس الوطني والمارينز المنتشرين في كاليفورنيا، ما يزال هناك حوالي 13 ألف جندي أميركي على الحدود الجنوبية في محاولة لإغلاقها أمام العبور غير القانوني.
وذكرت “واشنطن بوست” أن الجيش، وهو أكبر فرع في القوات المسلحة الأميركية، أطلق إصلاحاً شاملاً لطريقة تنظيمه وتدريبه وتجهيزه، في محاولة للتحديث من أجل مواجهة حروب تعتمد على المسيّرات والذكاء الاصطناعي، والصواريخ فرط الصوتية، وغيرها من الأسلحة التي لم تكن شائعة خلال عقدين من عمليات مكافحة التمرد بعد أحداث 11 سبتمبر.
ورغم أن هذه الجهود بدأت في عهد بايدن، إلا أن هيجيسث ووزير الجيش، دان دريسكول، أوقفا العديد من برامج التسلح وأعادا الاستثمار في أنظمة جديدة يُحتمل أن تكون أكثر ملاءمة للمستقبل.
وفي عهد ترمب وهيجيسث، تم تهميش الجيش في عملية اختيار قادة مراكز القيادة العسكرية المشتركة الكبرى حول العالم. حيث اختار ترمب للإشراف على العمليات في أوروبا الجنرال، أليكسوس جرينكويتش، من سلاح الجو، وفي إفريقيا الجنرال، داجفين أندرسون، أيضاً من سلاح الجو.
كما اختار لقيادة المهام في الشرق الأوسط نائب الأميرال، براد كوبر، من البحرية. أما نائب الأميرال، فرانك برادلي، وهو من قوات النخبة البحرية (Navy SEAL)، فقد تم ترشيحه لقيادة “القيادة المشتركة للعمليات الخاصة”، التي تُركّز على مهام مكافحة الإرهاب والغارات الخاصة.
كما تنظر إدارة ترمب في ترشيح ضابط من قوات المارينز، الجنرال كريستوفر ماهوني، ليكون نائباً لرئيس هيئة الأركان المشتركة، ثاني أعلى منصب في البنتاجون، بحسب ما قاله مسؤولون دفاعيون.
استعراض عسكري ضخم
ومن المرتقب أن تشهد واشنطن السبت تنظيم عرض عسكرية ضخم بمناسبة الذكرى 250 لتأسيس الجيش الأميركي، والذي سيشهد مرور دبابات في الشوارع وتحليق طائرات في السماء.
وذكرت “رويترز” أن هناك احتمالاً بأن تعكر الاحتجاجات التي عمت الولايات المتحدة، والتوتر في الشرق الأوسط في ظل الهجمات الإسرائيلية على إيران، والطقس الممطر المتوقع في واشنطن، الأجواء خلال العرض العسكري.
وسيكون ترمب، الذي يحتفل بيوم ميلاده التاسع والسبعين، السبت، أيضاً، على رأس الحضور لمشاهدة العرض العسكري.
وامتدت الاحتجاجات التي استمرت أسبوعاً في لوس أنجلوس على حملة ترامب المضادة للهجرة إلى عدة مدن من بينها شيكاجو ونيويورك وسان أنطونيو وتكساس وواشنطن.