حمدي عبدالعزيز

وُلِدتُ ونشأتُ في المحرق وتعهّدت أمي برعايتنا وتربيتنا وتعليمنا

جدتي حرصت على تعليم الأخوال وكانت تحكي لنا عن الحياة بالقاهرة

ورثت الشيخة هند بنت سلمان آل خليفة، عن أمها الشيخة لولوة بنت محمد آل خليفة الشغف بالتطوع، لخدمة مجتمعها ووطنها، فتفتحت شخصيتها الإنسانية والتطوعية وأزهرت في بيت كان «نقطة تجمع» للعمل التطوعي والخيري وقتذاك، ثم في جمعية رعاية الطفل والأمومة، الرائدة تاريخياً في العمل النسائي والمبادرات التي تلبّي احتياجات النساء والطفولة، ولأنها تبرع في عالم لغة الأرقام، سعت إلى أن تحقق الجمعية التمويل الذاتي، مع توسيع مظلة مشروعاتها الخيرية والتثقيفية والتعليمية والتنموية.

وتتولى الشيخة هند بنت سلمان آل خليفة، رئاسة الجمعية منذ نهاية التسعينات، ورئاسة الاتحاد العالمي لصاحبات الأعمال والمهن البحرينية منذ 2012، وكان لوالدتها وجدتها تأثير إنساني كبير عليها، وكذلك طلب العلم والتميز في ميدان التطوع. وفي دراستها في الجامعة الأمريكية في بيروت تكونت شخصيتها المستقلة التي لا تشعر بأي تمييز بين الرجل والمرأة، ثم صقلتها الحياة المهنية بالخبرات والتجارب، واصطحبت كل هذه القيم والسلوكيات الناجحة في عالم التطوع لعقود طويلة، لكي تستكمل إنجازات الوالدة «الشيخة لولوة بنت محمد» وتؤسس نجاحات جديدة وكبيرة في العمل النسائي البحريني، يمكن قياسها مادياً ومعنوياً.

وللحديث عن ذكرياتها في «بيت الشيخة لولوة» المجاور للشاطئ في المحرق، والقيم التي تربت عليها هناك، ومسيرتها التعليمية في البحرين والخارج، وأعمالها التطوعية، وإنجازاتها في جمعية رعاية الطفل والأمومة والاتحاد العالمي لصاحبات الأعمال والمهن البحرينية، وهوايتها، وأكبر وأعظم تكريماتها.. كان لـ«الوطن» هذا اللقاء:

متى وُلِدَتْ الشيخة هند بنت سلمان؟ وأين؟ وما هو ترتيبكِ بين إخوتكِ؟

«مبتسمة»، في العادة لا تسأل المرأة عن عمرها!. ولدت في سبتمبر عام 1950، وكنت الرابعة بين سبعة أولاد، 3 قبلي، وثلاثة بعدي، وولدت في المنطقة القريبة من مدرسة الهداية الخليفية في المحرق، في بيت يطل على البحر، وكانت الأراضي واسعة، وحركة السير خفيفة، واللعب والانطلاق على البحر وفي مياهه هو عنوان هذه الفترة المبكرة من عمري، التي لا أنساها.

في بيت «الشيخة لولوة» ما هي القيم التي مازالت في وجدانك وعقلك حتى الآن؟

في بيت أمي «الشيخة لولوة بنت محمد»، كان لدينا خدم، لكنها أخذت على عاتقها تربية أولادها وتعليمهم قيم الأخلاق وأعراف المجتمع، وتعلمت منها في صغري التمسك بالعلاقات الاجتماعية واحترام الآخرين واحترام الوقت الثمين، حيث كان لدينا ارتباطات مع الأهل وواجبات مدرسية.

وكنت ة أيضاً بجدتي لأمي «نيلة» وبيتها كان قريباً منا، وجدتي كانت مؤمنة إيماناً قوياً بقيمة التعليم، فذهب أولادها للدراسة في القاهرة، وكانت تنتقل إلى هناك، وتقضي العام الدراسي معهم. كنت أفتقدها وأفرح بعودتها مع الأخوال خلال الإجازة الصيفية، واستمتع بحديثها عن التعليم والحياة هناك، وكانت دائماً تحفزنا على التعليم متى حانت أي فرصة.

نود إلقاء الضوء على مسيرتك التعليمية قبل الجامعة؟

كان التعليم في البحرين إلزامياً منذ وقت مبكر، ودخلت التحضيري «الروضة» في مدرسة مريم بنت عمران، ثم مدرسة الإرسالية الأمريكية؛ لأن التعليم فيها كان باللغتين الإنجليزية والعربية، وبعد ذلك التحقت بمدرسة فاطمة الزهراء الابتدائية، ثم دخلت المرحلة الثانوية والتوجيهية لمدة خمس سنوات، وكان ذلك في ثانوية المنامة، وفيها صفان «أدبي» وصفان «علمي».

كان للمرحلة الجامعية ذكريات ودروس. حدثينا عنها؟

كان إخواني وأكبرهم خليفة يدرسون في بيروت، وتم تسجيلي في كلية البنات، وقرر والدي رحمه الله، أن يأخذني إلى هناك، ولكنني تطلعت للدراسة بالجامعة الأمريكية مثل أخي، وتفهم والدي ذلك كما شجعني أخي خليفة، وبالفعل التحقت بنفس جامعة أخي، فكان يدرس «بيزنس» واخترت أنا تخصص «الأنثروبولوجي»، بعد دراسة سنة تمهيدية للغة الإنجليزية.

هذا موقف لا أنساه، ففي ذلك الوقت المبكر لم أشعر بأي تمييز بين البنت والولد، ثم دخلت في مرحلة الاعتماد على النفس وإدارة شؤون حياتي والتعامل مع الصعاب، وكان لي حسابي البنكي الخاص، وانخرطت في تجارب صقلت شخصيتي، حتى تخرجت عام 1972.

ماذا عن هواياتكِ؟ وهل تجدين وقتاً لها الآن؟

تطورت الهوايات منذ طفولتي ومع التقدم في العمر، ففي الصغر، كنت أعشق اللعب والجري والألعاب الشعبية مثل «المدود» التي كنا نصنعها بأبسط المواد، فكنا نأخذ عظم أرجل الدجاج ونلبسهم ثياباً، ونضع على الوجوه المكياج، ثم كبرت قليلاً، وكنت أصنع بيتاً متكاملاً، وأحب اللعب والسباحة حيث كنا نخرج إلى المصيف في «البدعة» و«الجابور» و«ريا» حيث برك السباحة.

كبرت وأحببت الرسم، وتطور ذلك إلى تذوق الفن، ويمكن أن تعتبرني هاوية شغوفة باقتناء الأعمال الفنية. كما أعشق السفر منذ أن كانت تصطحب الوالدة الشيخة لولوة بنت محمد عضوات الجمعية في رحلات إلى بلاد كثيرة مثل الهند والمغرب وسوريا والأردن وتركيا، للسياحة والتعرّف على الثقافات والتعرّف على التجارب والخبرات في العمل النسائئ، ومازالت هذه الرحلات قائمة في الجمعية حتى الآن.

لكِ تجربة ثرية في العمل المهني، وتدرجتِ في المناصب.. نود تعريف القرّاء بها؟

بدأ عملي المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، في قسم الترجمة، ونظراً لاهتمامي بالأسرة وتربية الأولاد تركت الوزارة في منتصف السبعينات، قبل أن أعود وكيلاً مساعداً للشؤون الاجتماعية عام 2000. وانصب العمل في الفترة الأولى على ترجمة الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات والبحوث والدراسات، أما في المرحلة الثانية، فكبرت الوزارة مؤسسياً وتوسعت أقسامها، لدرجة أنني فتحت دليل الهاتف لمعرفة كل الأقسام، كالطفولة، وذوي الإعاقة، والمسنين، والمراكز الاجتماعية.

وساهمت في تطوير المراكز الاجتماعية بتدريب المرأة على الحرف، ومنها أعمال الخياطة والرسم والحرف، وكان هناك سبعة مراكز اجتماعية، وأحضرت مدربات من تركيا والأردن للتدريب على صناعة الشموع والسيراميك، وحاولت إيجاد نظرة أوسع لتدريب المرأة على الحرف.

هل تذكرين الفصل الأول من حكاية العمل التطوعي التي تلازمكِ حتى هذه اللحظة؟

نشأتُ في بيت كان بمثابة «نقطة تجمع» للعمل التطوعي، فكنا نشارك في التحضير للأسواق الخيرية، وأتذكر أن أحدها كان سوقاً خيرياً في مدرستي «المنامة»، وحضّرت أنا ود.هالة العمران الورد الطبيعي «المحمدي» وفي كل سلة وردة واحدة تختلف عن أختها، وكانوا يسألوننا من أين؟ فأقول إنه من بستان «البحيرية» للوجيه حسين يتيم.

وماذا عن جمعية رعاية الطفل والأمومة؟

تفتحت عيني على العمل التطوعي في بيت أمي، وكنت ألاحظه يتطور خطوة بخطوة، فبدأ بالتثقيف مروراً بالتدريب على الحرف والحفلات الخيرية، وصولاً إلى إقامة المشروعات الرائدة للنساء والطفولة. ثم أكملت أنا الطريق بالعمل البحثي والتنموي.

وارتبطت بالجمعية في نهاية عقد الثمانينات، وبعد فترة مرضت أمي ورأينا أن تظل عضوة بمجلس الإدارة، وأخذت رئاسة الجمعية في نهاية عقد التسعينات، حتى الآن.

بصراحة.. يقال إن الجمعية هي الثانية، وليست الأولى تاريخياً؟

بالطبع لا. كانت الجمعية امتداداً لنادي السيدات الذي تأسس عام 1953، وكانت صاحبة الفكرة جدتي لأمي، رحمهما الله، ففي أثناء وجودها في القاهرة مع الأخوال لمتابعة دراستهم اطلعت على تجربة نادي السيدات، واقترحت تأسيس نادٍ في البحرين بنفس الاسم، وبالفعل تم التأسيس والبدء في تنفيذ الأنشطة الخيرية للمرأة البحرينية، ولكن تم إغلاقه بعد فترة وجيزة.

واستمرت المساعدات والزيارات والتبرع وتثقيف البحرينيات في هذا الوقت المبكر من العمل النسائي، حتى تمت الموافقة على ترخيص الجمعية عام 1960، وكانت الشيخة لولوة وأخواتها، من الشيخات الكريمات ونخبة نساء المجتمع، في قيادة العمل التطوعي النسائي، يكتبن التاريخ بصمت وتواضع.

هل هناك ذكرى لاتزال عالقة عن تلك البدايات المبكرة؟

نعم. كان والدي رحمه الله يساند ويؤازر أمي في العمل التطوعي، وكانت الشيخة لولوة تذهب للقرى برفقة قابلة اسمها أم جان في سيارة «بيك آب»!، لزيارة القرى وتوعية النساء. ثم قامت أمي بتطوير المشاريع لتدريب النساء وخدمة ذوي الإعاقة والأمهات العاملات والعمل الخيري ورفع المستوى المعيشي للمرأة وأسرتها.

بالنسبة للدبلوماسية الشعبية وخدمة الوطن. ماذا تعني؟ ومتى بدأت؟

تعني الدبلوماسية الشعبية القيام بجهود وفعاليات شعبية لخدمة أهداف الدبلوماسية الحكومية للدولة، وبدأت مبكراً منذ الحصول على ترخيص لجمع التبرعات لمصر أثناء العدوان الثلاثي سنة 1956 والنكسة 1967، ثم مشاريع دعم للبنان وفلسطين واليمن والمغرب. وفي خواتيم رئاسة أمي للجمعية ثم الفترة اللاحقة ركزنا على هذا النوع من الدبلوماسية مع زوجات السفراء لتعريفهن بالتراث البحريني والشعب البحريني وواقع العمل النسائي والخيري، ونحرص على مشاركتهن معنا في كافة مشروعات الجمعية الخيرية والنسائية والتراثية.

كيف طورتْ الشيخة لولوة بنت محمد مشروعات جمعية رعاية الطفل والأمومة؟

كانت رؤية الشيخة لولوة بنت محمد تقوم على تأسيس مشروعات تلبّي تطور وحاجات المجتمع والمرأة البحرينية، فكنا أول جمعية تؤسس رياض الأطفال، بتأسيس روضة الرعاية 1965، وذلك لأن المرأة بدأت تخرج للعمل. وتم افتتاحها في بداية شهر رمضان المبارك، ثم توسع المشروع في مناطق البحرين بعد ذلك، ونستعد لافتتاح روضة لولوة بنت محمد العام المقبل 2026.

وفي عام 1975 أسست الجمعية مراكز للخياطة والتدبير المنزلي، بمناسبة يوم المرأة العالمي، وأعتقد أن هذا المشروع هو نواة وفكرة الأسر المنتجة في البحرين، كما كانت الجمعية صاحبة الريادة في إحياء التراث الشعبي والزي البحريني، باحتفالات وعروض أزياء لاقت إعجاب الجميع، بمن فيهن زوجات السفراء.

أما معهد الأمل للتربية الخاصة، فأسسته جمعيتنا عام 1977، وكان المقر الأول مقابل القلعة في المنامة، ثم انتقل إلى المبنى الكبير المجاور للجمعية 1978، وتم تطويره وافتتاحه تحت رعاية جلالة الملك المعظم، وكان جلالته وقتذاك يشغل منصب سمو ولي العهد، في 21 ديسمبر 1982، والفضل في ذلك يعود لأمير البلاد الراحل، سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، الرئيس الفخري لمعهد الأمل للتربية الخاصة.

ثم توالت المشروعات الكبرى في عهد أمي، ثم في ظل رئاستي للجمعية، لتلبية حاجات المرأة والمجتمع، وهي: مركز الرعاية للصناعية الورقية، والمايكروستارت، ومركز معلومات المرأة والطفل.

تحدثتِ عن تحول الجمعية في ظل رئاستكِ إلى العمل البحثي والتنموي للطفولة والمرأة. هل لديكِ إنجازات أخرى في قيادة الجمعية؟

سعيت إلى أن تعتمد جمعية رعاية الطفل والأمومة على التمويل الذاتي، واشتغلنا على فعاليات خيرية وثقافية وأخرى تندرج تحت «الدبلوماسية الموازية» وتعود بالدخل في الوقت نفسه على مشاريع الجمعية للأسر والنساء والأطفال ذوي الإعاقة، مثل أسواق حواء، وسوق السفارات، وطبق الخير، وأحدثها مبادرة «علم ينتفع به»، حيث تعاونت مع فنانين لبيع أعمال فنية لصالح مشاريع الجمعية، كذلك من المشروعات القادمة روضة لولوة، والتي تضاف إلى رياض الأطفال بالجمعية، وهو مشروع تربوي تعليمي يسهم في تنمية موارد الجمعية.

ماذا أعطاكِ العمل التطوعي؟ وماذا أخذ منكِ؟

لقد أعطاني التطوع لخدمة مجتمعي ووطني الكثير، فقد تعلمت التعامل والتواصل مع جميع فئات المجتمع، وتعرّفت على العالم الثقافي والفني، كما أكد لي أهمية الاستفادة من الوقت واحترامه، ترسيخاً لما تعلمته في «بيت لولوة».

وأخذني من نفسي!

فأنا أقدمه على كل ما أطلبه لنفسي، وعلى راحتي، وهواياتي، وأبدأ يومي بكل ما هو مطلوب مني في الجمعية أو الاتحاد العالمي لصاحبات الأعمال، وفي الفترة المسائية أعود إلى هواياتي.

نود إلقاء الضوء على محطة تطوعية مهمة هي رئاستكِ لاتحاد صاحبات الأعمال والمهن؟

تأسس الاتحاد الدولي لصاحبات الأعمال والمهن العالمي عام 1930 على يد د.لينا فيليبس، التي كانت تهدف إلى تمكين المرأة وتأهيلها للاعتماد على النفس وتحسين مستواها اقتصادياً مع الحرص والحفاظ على أركان أسرتها من خلال تدريبهن وتأهيلهن وإرشادهن ليصبحن رائدات في مجالات التجارة، مع تحقيق مكاسب مالية ومعنوية تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمجتمع.

وأصبح الاتحاد العالمي لصاحبات الأعمال والمهن البحرينية ضمن فروع الاتحاد الدولي، بعد تأسيسه عام 2012، ومنذ ذلك الوقت ساهم بعطاء كبير، حيث عقد اتفاقيات مع منظمات واتحادات ومدربين من 40 دولة حول العالم، بهدف تطوير وتدريب الكوادر النسائية البحرينية.

ومنذ انتقاله إلى مقره الجديد في حديقة الأندلس في الربع الأخير من عام 2019، أصبح يضم 18 حاضنة أعمال، و17 في فرعه الثاني بدار الفنون؛ ليصبح إجمالي الحاضنات 35 في مجالات متعددة، إلى جانب قاعة للتدريب ومقهى للإنترنت وصالة للعرض وموقع لصياغة الذهب ومطعم ومقهى ومركز للفنون لأشهر الفنانين البحرينيين وغيرها.

ختاماً.. ما هي أبرز التكريمات التي حصلت عليها الشيخة هند بنت سلمان؟

حصلتُ على تكريمات كثيرة طوال مسيرتي المهنية والتطوعية، لكن التطوّع هو أشرف وأكبر تكريم لي، وهو أكبر جائزة حصلت عليها، وورثتها من أمي.

شاركها.