يبدو أن مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد، التي اشتهرت بأنها من أشد منتقدي تدخلات الولايات المتحدة العسكرية السابقة في الخارج، خرجت من دائرة اهتمام الرئيس دونالد ترمب، في الوقت الذي يدرس فيه احتمال اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، حسبما ذكر عدة مسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة مطلعين على الأمر لشبكة NBC News.

ويُصر حلفاء جابارد، على أنه على الرغم من وجود بعض التوتر في البيت الأبيض، لكن بعض ردود الفعل العامة “مُغالى في تقديرها”، في حين لا يتوقع أي من المصادر الذين تحدثت معهم الشبكة الأميركية، أنها (جابارد) ستغادر الإدارة بسبب سياسة الرئيس تجاه طهران، حتى لو كان ذلك يتضمن تدخلاً مباشراً للولايات المتحدة في الحرب بين إسرائيل وإيران.

ووفق شبكة NBC News، فقد انكشف وضع جابارد الحرج على الصعيد السياسي هذا الأسبوع، بعدما رفض ترمب تقييمها بشأن البرنامج النووي الإيراني، عندما أدلت بشهادتها أمام الكونجرس في مارس الماضي، وقالت إن دوائر الاستخبارات الأميركية “لا تعتقد أن إيران تطوّر سلاحاً نووياً”، وهو تصريح يتعارض مع التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي بشأن تهديد نووي إيراني محتمل.

وقال ترمب للصحافيين، الثلاثاء، على متن الطائرة الرئاسية Air Force One: “لا يهمني ما قالته (جابارد). أعتقد أنهم (الإيرانيون) كانوا قريبين للغاية من الحصول عليه (سلاح نووي)”.

وقال مصدر مطلع على الأمر، إن موقف أجهزة الاستخبارات الأميركية لم يتغير منذ شهادة جابارد في مارس؛ لكن حقيقة أن الرئيس دحض علناً ما قالته مديرة استخباراته الوطنية، أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت أُبعدت فعلياً عن دوائر صنع القرار المتعلقة بهذا الملف.

ويعكس هذا التطوّر أيضاً انقساماً بات واضحاً في صفوف تحالف حركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” MAGA الداعم لترمب، إذ يدعو بعض أنصاره إلى الوقوف إلى جانب إسرائيل في أي عمل عسكري ضد إيران، فيما يرى آخرون أن التدخل يتعارض مع فلسفة “أميركا أولاً”.

وجذبت انتقادات ترمب لانخراط الولايات المتحدة في صراعات سابقة، إلى جانب تعهده خلال حملته الانتخابية بأن يكون “صانع سلام” في ولايته الثانية، حلفاء “غير تقليديين” مثل جابارد، التي كانت نائبة ديمقراطية في السابق، بحسب NBC News.

“تهميش” جابارد

وقال عدد من كبار مسؤولي الإدارة، إن جابارد تتعرض للتهميش في نقاشات داخلية للإدارة تتعلّق بالصراع بين إسرائيل وإيران. وأقر اثنان من حلفائها تحدثا إلى NBC News بأن مكانتها تضررت بعدما نشرت مقطع فيديو في 10 يونيو عقب زيارتها لمدينة هيروشيما في اليابان.

أثار الفيديو، الذي تضمن محاكاة لتدمير مدن أميركية، وتحذيرات من مخاطر اندلاع حرب نووية، استياء فريق البيت الأبيض، حسبما أفاد المسؤولون.

وغابت جابارد عن اجتماع لكبار المسؤولين عُقد في 8 يونيو الجاري في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ماريلاند، لمناقشة التوتر بين إسرائيل وإيران، ما زاد من التساؤلات بشأن وضعها داخل الإدارة.

ونقلت NBC News عن مسؤول في البيت الأبيض، قوله إن غياب جابارد عن الاجتماع سببه مشاركتها في تدريب مقرر بصفتها عضواً في الحرس الوطني.

ويبدو أن مواقف جابارد السابقة بشأن إيران، إلى جانب تعليقاتها الأخيرة وردود فعل ترمب عليها، وضعت كبار مسؤولي الإدارة في “موقف صعب”؛ لا سيما وأن جابارد ظهرت، على ما يبدو، في موقف متعارض مع الخط الرسمي للإدارة، لكن ليس إلى درجة تدفع المسؤولين للتخلي عنها، وفق الشبكة الأميركية.

وقال نائب الرئيس، جي دي فانس، في بيان، الثلاثاء: “تولسي محاربة سابقة، ووطنية، وداعمة وفية للرئيس ترمب، وركيزة أساسية في التحالف الذي بناه عام 2024”.

وأضاف: “أنها عضو أساسي في فريقنا للأمن القومي، ونحن نُقدر جهودها الدؤوبة لحماية أميركا من التهديدات الخارجية”.

لكن سياسيين جمهوريين آخرين، لم يترددوا في مهاجمة تصريحاتها الأخيرة بشأن إيران. وقال السيناتور الجمهوري جون كينيدي لموقع Jewish Insider الأسبوع الماضي: “من الواضح أنها بحاجة لتغيير أدويتها”.

جهود دبلوماسية خلف الكواليس

وعُرفت جابارد، منذ سنوات، باستخدام منصتها العامة لمعارضة أي عمل عسكري أميركي ضد إيران، وتبذل جهوداً وراء الكواليس للتوصل إلى حل دبلوماسي، بحسب مسؤولين اثنين في الإدارة.

وفي إحدى المحاولات، سعت جابارد إلى الاستعانة بحلفاء أوروبيين لديهم قنوات اتصال مع طهران، وفقاً لأحد المسؤولين.

ويتعارض هذا المسعى، في أحيان كثيرة، مع تصريحات ترمب العلنية بشأن الصراع المفتوح حالياً بين إسرائيل وإيران، وهو صراع أقر الرئيس بأنه قد يتطلب تدخل واشنطن.

وقال ترمب للصحافيين، الأربعاء: “قد أفعلها، وقد لا أفعلها. لا أحد يعلم ما سأقرره”.

وأقر حلفاء جابارد، الذين تحدثوا إلى NBC News، بأن فيديو هيروشيما لم يلق ترحيباً لدى البيت الأبيض، لكنهم أشاروا إلى أن التقارير التي تتحدث عن خلاف عميق بينها وبين ترمب “مبالغ فيها”.

وقال أحد هؤلاء الحلفاء: “سمعت ذلك أيضاً بخصوص التوتر بسبب فيديو هيروشيما، لكن لا أعتقد أن الأمر بلغ حد وصوله إلى الرئيس نفسه، وقيل لي إن المسألة قد حُلت”.

كما نفى الحليف ذاته، أن تكون جابارد “تفكر في الاستقالة بسبب انتقاد ترمب العلني لها، أو في حال تدخلت الولايات المتحدة مباشرة في الصراع بين إيران وإسرائيل”، مضيفاً: “الادعاءات المتداولة على الإنترنت بأنها ستستقيل إذا قرر الرئيس اتخاذ إجراء مباشر ضد إيران ليست صحيحة”.

مع ذلك، انتشر الفيديو بشكل واسع بين مساعدي الرئيس في البيت الأبيض، وأثار تساؤلات بشأن دوافع جابارد من اتخاذ هذا الموقف العلني في وقت تتصاعد فيه التوترات، ويبدو أن ترمب يتجه نحو مزيد من الانخراط.

وقال أحد الناشطين الجمهوريين المطلعين على تفكير الإدارة: “أعتقد أن وضعها العام (جابارد) لا يزال جيداً إلى حد ما”، مضيفاً: “في مثل هذه المواقف، يستغل أصحاب الآراء الجمهورية التقليدية والمحافظون الجدد الفرصة لتقليص نفوذها”.

شاركها.