إسلام الغمري خاص اخبار تركيا

ليست هذه ضربة عادية، ولا ردًا عابرًا، ولا لحظة غبار تنقشع سريعًا.

نحن أمام تحوّل استراتيجي يتجاوز الصواريخ والمفاعلات، ليدخل المنطقة في عهد جديد تُعاد فيه صياغة قواعد اللعبة، وتُكسر فيه المسلمات القديمة.

إيران لم تكتفِ بالوعيد هذه المرة… بل ضربت قلب إسرائيل بصواريخ مباشرة، ثم رفعت الغطاء عن التهديد الأخطر:

“القواعد الأمريكية في مرمى النيران… وسنرد على أمريكا كما نرد على إسرائيل.”

وهكذا، تغيّرت ملامح المعركة.

فما عاد السؤال عن الرد الإيراني، بل عن حجمه… وطبيعته… وتوقيته… ومداه.

مع أول ضوء للصباح، كانت صافرات الإنذار تصرخ في حيفا وتل أبيب، فيما الملاجئ تمتلئ والموانئ تُغلق.
أطلقت إيران عشرات الصواريخ الباليستية، في أول رد مباشر على الهجوم الأمريكي الإسرائيلي المشترك الذي استهدف مفاعلاتها النووية قبل أيام.

لكن المفاجأة لم تكن في طبيعة الرد، بل في توازن الرسائل:

الضربة لم تكن شاملة… لكنها كانت رمزية وواضحة.

المدى كان محسوبًا… لكن الرسالة كانت بعيدة المدى.

والتوقيت كان مثاليًّا: بعد صمت قصير… يسبق العاصفة!

هكذا، بدا أن إيران تفتتح جولة جديدة، دون أن تعلن نهاية الجولة السابقة.

الضربة الحقيقية لم تكن تلك التي طالت مواقع إسرائيلية، بل في تصريح الحرس الثوري الإيراني الذي أخرج المعركة من ثنائية إيرانإسرائيل، وأدخل الولايات المتحدة رسميًا في قلب الصراع:

“سنردّ على أمريكا… وقواعدها في الخليج والعراق باتت أهدافًا مباشرة.”

بهذه الجملة، تكون قواعد العديد في قطر، والأسطول الخامس في البحرين، وقاعدة حرير في كردستان، ومعسكرات العراق… قد انتقلت من كونها رموزًا للهيمنة إلى خطوط جبهة حقيقية.

وأيّ طلقة من هناك… قد تُشعل فتيلًا لا ينطفئ.

لأول مرة منذ سنوات، تعلن إيران أنها سترد بنفسها، لا عبر وكلائها.

وهذا يعني أنّ “قواعد الاشتباك” القديمة التي كانت تُتيح للجميع اللعب تحت الطاولة لم تعد صالحة للبقاء.

لم تعد طهران تُرسل رسائلها من صنعاء وبغداد… بل من طهران نفسها.

لم تعد تعوّل على “الرد المؤجل” فقط… بل على “الرد المتدرج الحاضر”.

ولم تعد تعتبر أمريكا محصّنة… بل ترى في ضربها إعادة توازن.

وبذلك، يتحوّل الصراع من “حرب وكلاء” إلى “حرب مباشرة… بأدوات متعددة”.

إن كان الأمريكيون يظنون أن الضربة الجوية تنهي الخصم، فلعلهم نسوا مشاهد كابول، حين انسحبوا مذلولين بعد 20 عامًا من الحرب مع طالبان.

واليوم، إيران تملك ما هو أخطر من طالبان:

جيش عقائدي متماسك،

حلفاء عبر الإقليم،

قدرات صاروخية وذكية،

وتجربة حرب طويلة النفس.

وإذا أرادت، يمكنها أن تحوّل المنطقة إلى جبهات استنزاف مفتوحة، لا تهدأ ولا تُحسم، تُنهك أمريكا دون أن تُسقطها… كما فعلت طالبان تمامًا.

رغم التحديات الاقتصادية والغضب الشعبي المتزايد، إلا أن التهديد الخارجي في مثل هذه اللحظات لا يُسقط الأنظمة… بل يمنحها قبضة حديدية إضافية.

وهذا ما بدأ يظهر بالفعل:

عودة الخطاب الثوري إلى الواجهة،

مظاهرات منظمة ترفع شعار الثأر،

وتحركات حذرة لتجفيف أي صوت معارض في الداخل.

النظام الإيراني يُعيد تعريف نفسه مجددًا، لا كدولة فقط، بل كقوة مقاومة قائمة بذاتها.

الصواريخ أُطلقت… والقواعد الأمريكية وُضعت على خط النار،

لكن السؤال الأخطر لم يُجب عنه أحد بعد:

هل تملك أمريكا رفاهية الرد؟

وهل تستطيع إسرائيل تحمّل جبهة متعددة الأذرع؟

وهل الشعوب قادرة على مواجهة هذه المرحلة المفصلية؟

قد تكون الضربة التالية مختلفة،

وقد تكون أبعد من الخليج،

وقد تكون بلا إنذار.

لكن المؤكد أن إيران تغيّر قواعد الاشتباك…

وأن من لا يتغيّر معها، سيُحرق بنار المرحلة القادمة.

عن الكاتب


شاركها.