تشهد مدينة لاهاي الهولندية أجواءً متوترة وإجراءات أمنية “غير مسبوقة”، في إطار التحضيرات الجارية لاستضافة قمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، المقررة يومي 24 و25 يونيو الجاري، بحضور قادة الدول الأعضاء الـ32، وبينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتخضع لاهاي لـ”حصار أمني” واسع النطاق من خلال عملية عسكرية وشرطية ضخمة أُطلق عليها اسم “الدرع البرتقالي”، إذ تحوّلت أجزاء كبيرة من المدينة الهادئة إلى ما يُشبه “قلعة عسكرية محصّنة”، بعدما كانت مناطقها يمر بها الأمين العام الحالي للناتو، مارك روته، متوجهاً إلى عمله على دراجته الهوائية، عندما كان رئيساً لوزراء هولندا.

كما أغلقت السلطات مواقف السيارات بحواجز أمنية نُصبت حديثاً، وأُبلغ العاملون في المكاتب المحيطة بموقع القمة بالبقاء في منازلهم، كما تم تحويل مسارات خطوط النقل العام القريبة من مواقع انعقاد الاجتماعات، حسبما نقلت وكالة “أسوشيتد برس”.

وباتت المدينة، التي لطالما رُوّج لها باعتبارها مركزاً عالمياً للسلام والعدالة، نظراً لاستضافتها للعديد من المحاكم الدولية، إلى مدينة “تطغى عليها الإجراءات الأمنية والإزعاج”، بحسب الوكالة.

اختصار زمن القمة

وأفادت صحيفة “فاينانشيال تايمز” نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن الحلف قرر اختصار زمن القمة التي تستضيفها هولندا لأول مرة، لتقتصر على جلسة عمل واحدة فقط في محاولة لتجنب مغادرة الرئيس الأميركي مبكراً مثلما فعل في قمة مجموعة السبع التي استضافتها كندا مؤخراً.

وأضافت الصحيفة البريطانية، أن الحلف قلّص أيضاً خططه للقمة، التي كان من المفترض أن تستغرق 3 أيام، لتصبح جلسة عمل واحدة تستغرق ساعتين ونصف الساعة.

ونقلت الصحيفة عن 3 مسؤولين مطلعين على استعدادات القمة قولهم، إن القرار اتخذ لـ”ضمان عدم شعور ترمب بالملل ومغادرته مبكراً”.

وقال أحد المسؤولين: “الهدف هو أن نجعلها (القمة) صغيرة ومركزة قدر الإمكان. بأقل قدر ممكن من التعطيل”.

فيما قالت كلوديا ميجور، نائب الرئيس الأولى للأمن عبر الأطلسي في مؤسسة “صندوق مارشال الألماني”، وهي مؤسسة أبحاث غير حزبية أميركية: “لقد تحول الأمر من يومين إلى جلسة واحدة مدتها ساعتين.. لذا ينبغي أن يكون ذلك ممكناً، وآمل أن ينجح الأمر، وكنني تخليت عن محاولة التنبؤ بترمب”.

وتأتي القمة في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية على الصعيد العالمي، وتشتد فيه حدة الصراع في منطقة الشرق الأوسط.

ووفق الصحيفة، سيجتمع قادة التحالف العسكري عبر الأطلسي في لاهاي، الأربعاء، وسط شكوك بشأن استمرار دعم واشنطن للدفاع عن أوروبا، بعد أن هدد ترمب بوقف حماية الحلفاء الذين لا يلتزمون بإنفاق 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع.

تلقى الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، دعماً واسعاً لاقتراحه بزيادة الإنفاق العسكري الأساسي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، مقترناً بنسبة 1.5% في الاستثمار في المجالات المرتبطة بالأمن مثل الطرق والجسور والأمن السيبراني؛ لكن إسبانيا وعدد قليل من الأعضاء الآخرين لا يزالون متمسكين بهذا التعهد، حسبما قال المسؤولون.

أكبر عملية أمنية في تاريخ هولندا 

وبحسب “أسوشيتد برس”، فإن نحو نصف القوة الإجمالية للشرطة الهولندية ستكون في الخدمة خلال فترة انعقاد القمة، فيما وصفته السلطات بـ”أكبر عملية أمنية في تاريخ هولندا”، مع إغلاق أجزاء واسعة من المدينة، وفرض قيود على حركة السير، إضافة إلى فرض حظر على المجال الجوي.

وأضافت الوكالة أن الحواجز المؤقتة والأسوار المعدنية التي أُقيمت حول موقع انعقاد القمة لا تمثل سوى جزءاً بسيطاً من الإجراءات الأمنية، التي تمتد من وسط المدينة إلى ضواحيها.

ومن المقرر أن يتولى نحو 27 ألف عنصر من الشرطة، أي ما يقارب نصف إجمالي الشرطة الهولندية، مهام تأمين المدينة، إلى جانب أكثر من 10 آلاف عنصر من القوات المسلحة.

وستتولى الشرطة العسكرية مهام حماية وفود القادة، في حين ستقوم فرقاطات بدوريات في بحر الشمال، وستحلّق طائرات مقاتلة طراز F-35، ومروحيات أباتشي في الأجواء، مع وضع أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب، كما ستقوم وحدات متخصصة بتفكيك المتفجرات بتمشيط الموقع تحسباً لأي تهديد محتمل، حسبما أفادت الوكالة.

ووفق “أسوشيتد برس”، تنتقل مواكب القادة تحت حماية الشرطة العسكرية عبر طرق سريعة مغلقة من المطارات إلى مقار إقاماتهم، كما فرضت السلطات حظراً على استخدام الطائرات المسيّرة المدنية في المجال الجوي المحيط بمكان القمة وغيره من المواقع الرئيسية الأخرى، في حين ستقوم طائرات مسيرة تابعة للشرطة والجيش بمهام المراقبة الجوية في هذه الأماكن.

إلى جانب ذلك، ستنتشر قوات الشرطة، بما فيها وحدات مكافحة الشغب، للتعامل مع عدة احتجاجات أعلن عنها مسبقاً، تشمل محاولة متوقعة من متظاهرين لإغلاق طريق سريع رئيسي يؤدي إلى لاهاي.

ولفتت الوكالة إلى أن وجود إجراءات “غير ظاهرة” لا تقل أهمية عن التدابير الميدانية، تُتخذ لتوفير الأمن السيبراني، إلا أن رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في البلاد رفض الكشف عن تفاصيلها.

ملفات رئيسية

ومن المقرر أن يجتمع قادة الدول الأعضاء مع ملك هولندا، فيليم ألكسندر، على مأدبة عشاء في قصره الواقع بغابة في المدينة مساء الثلاثاء، قبل الاجتماع الرسمي في اليوم التالي، حيث من المتوقع أن يتفقوا على هدف جديد للإنفاق الدفاعي.

وبينما يجتمع القادة مع العائلة المالكة الهولندية، سيعقد وزراء الخارجية والدفاع في دول الناتو اجتماعات في مكان انعقاد القمة لمناقشة عدة قضايا، من بينها الحرب في أوكرانيا.

وقالت الوكالة إن رؤساء الدول سيسعون، الأربعاء، للتوصل إلى اتفاق بشأن زيادة الإنفاق العسكري، في ظل إصرار الرئيس الأميركي على أن الدول الأوروبية يجب أن تتحمّل مسؤولية أمنها، بينما تركز الولايات المتحدة على الصين وحدودها الخاصة.

وتُعقد فعاليات القمة في مركز مؤتمرات ومسرح يقع بالقرب من المبنى الذي كان يضم سابقاً المحكمة الجنائية الدولية ليوجوسلافيا السابقة، التي أدانت زعيم صرب البوسنة، رادوفان كارادزيتش، وقائد جيشه، راتكو ملاديتش، وآخرين بارتكاب “جرائم حرب”.

كما يقع الموقع على مقربة من المقر الرئيسي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، إلى جانب وكالات إنفاذ القانون والتعاون القضائي التابعة للاتحاد الأوروبي.

وعلى بُعد مسافة قصيرة يقع مقر المحكمة الجنائية الدولية، التي سبق أن فرضت عليها إدارة ترمب عقوبات استهدفت المدعي العام وأربعة من قضاتها، كما يوجد على مقربة منها محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، والتي يفصل قضاتها في النزاعات بين الدول.

أول قمة للناتو في هولندا

هذه هي المرة الأولى منذ تأسيس حلف “الناتو” في عام 1949، التي تستضيف فيها هولندا قمة للتحالف. والقرارات التي يتخذها أعضاء الناتو في هذه القمم مهمة للسلم والأمن الدوليين؛ لا سيما في هذه الأوقات التي تشهد العديد من الصراعات في العالم، مثل الحرب في أوكرانيا.

سيحضر القمة نحو 9 آلاف شخص، بينهم نحو 45 رئيس دولة وحكومة. وهم قادة الدول الـ32 الأعضاء، وقادة دول شريكة. كما سيحضر القمة أيضاً 45 وزير خارجية، و45 وزير دفاع. وسيكون هناك نحو 6 آلاف شخص يمثلون مختلف البلدان، و2000 صحفي هولندي وأجنبي، بحسب موقع الحكومة الهولندية.

ويشمل برنامج القمة:

  • الوصول ومراسم الترحيب.
  • التقاط صورة جماعية.
  • اجتماعات رؤساء الدول والحكومات.
  • اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع.
  • مناقشات بين الدول والمنظمات.
  • مؤتمرات صحافية.
  • حفلات العشاء.

تعزيز السلام والأمن

سيتخذ حلفاء الناتو في القمة قرارات بشأن الدفاع والأمن السيبراني والتهديدات الجديدة.

المنتدى العام

بالتزامن مع قمة الناتو، سيُعقد أيضاً منتدى الناتو العام. والهدف منه هو أن يفهم أكبر عدد ممكن من الناس ما تدور حوله قمة الناتو ولماذا يتخذ الناتو قرارات معينة. وسيشارك 500 من السياسيين والخبراء والصحافيين والشباب في المناقشات وحلقات النقاش والجلسات التفاعلية بشأن الموضوعات المدرجة في جدول أعمال القمة.

منتدى قمة الصناعات الدفاعية

يُعتبر منتدى الصناعة الدفاعية لقمة الناتو في 24 يونيو أهم اجتماع بين الناتو وقطاع الصناعات الدفاعية في أسبوع قمة الناتو. في هذا الاجتماع، سيتحدث قادة كل من الدول الأعضاء، وقادة قطاع الصناعات الدفاعية عن حالة التعاون عبر الأطلسي، كما سيناقشون فرص تعزيز هذا التعاون.

شاركها.