ضمن جهد علمي مشترك، نشر باحثون من كلية «جونز هوبكنز» للصحة، و«مايو كلينك»، وجامعة نيويورك، وجامعة مينيسوتا، وجامعة نورث كارولاينا، دراستهم العلمية حول علاقة صحة الأوعية الدموية التي تغذي الدماغ باحتمالات الإصابة بالخَرَف. وكان ذلك ضمن عدد 2 يونيو (حزيران) من مجلة الجمعية الطبية الأميركية للأعصاب «JAMA Neurol»، بعنوان: «مساهمة تعديل عوامل الخطر الوعائية خلال منتصف العمر وأواخره في حدوث الخرف». وهو ما يُعرف بـ«الخَرَف الوعائي»، Vascular Dementia.

الخرف الوعائي

ويُعد الخَرَف الوعائي بشكل عام ثاني أعلى أنواع الخَرَف، بعد مرض ألزهايمر Alzheimer Disease، حيث يمثل 30 في المائة من حالات الخرف في أميركا الشمالية وأوروبا، مع تقديرات أعلى إلى حد 40 في المائة في آسيا والدول النامية. وتحديداً، يُشكل الخَرَف الوعائي في اليابان نسبة 50 في المائة من جميع حالات الخرف التي تصيب الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً.

وكان السؤال المطروح خلال البحث: هل الحفاظ على صحة الأوعية الدموية في حالة جيدة ومثالية بعد بلوغ الـ60 عاماً من العمر، بإمكانه أن يُقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف قبل سن الثمانين. وما نسبة حالات الخرف التي تُعزى إلى عوامل خطر وعائية قابلة للتعديل؟

وشملت الدراسة متابعة أكثر من 12 ألف شخص، وذلك بدءاً من بلوغهم سن 45 عاماً، ولمدة تصل إلى 33 عاماً (19872020) بعد ذلك.

وتبين للباحثين أن ما يصل إلى 44 في المائة من احتمالات خطر الإصابة بالخرف عند بلوغ سن الثمانين يُعزى حقيقةً إلى عوامل خطر ذات علاقة مباشرة بمدى سلامة الأوعية الدموية «Vascular Risk Factors» التي تُغذي الدماغ، خصوصاً لدى الإناث مقارنةً بالذكور. وأفاد الباحثون في نتائجهم بالقول: «تشير النتائج إلى أن الحفاظ على صحة الأوعية الدموية المثالية في أواخر العمر يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف قبل سن 80 عاماً».

عوامل خطر قابلة للتعديل

تأتي أهمية البحث في هذا الجانب الحيوي من حقيقة أن وجود عوامل خطر الإصابة بالأمراض الوعائية في منتصف العمر يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بالخرف. وأنها عوامل «قابلة للتعديل»، بخلاف العوامل المتسببة في مرض ألزهايمر.

كان الهدف من هذه الدراسة المشتركة فيما بين عدد من مراكز البحث العلمي بالولايات المتحدة، هو تحديد نسبة حالات الخرف المنسوبة إلى عوامل خطر الإصابة بالأمراض الوعائية القابلة للتعديل Modifiable Risk Factors، التي تم قياسها في منتصف العمر وأواخره. وتمت متابعتها لديهم خلال عدة مراحل زمنية (4554 عاماً، 5564 عاماً، و6574 عاماً). ومن بين ما شملت تلك العوامل كل من ارتفاع ضغط الدم (ضغط الدم الانقباضي ≥ 130 ملم زئبق، وضغط الدم الانبساطي ≥ 80 ملم زئبق، أو استخدام الشخص أدوية خفض ضغط الدم)، ومرض السكري (مستوى الغلوكوز في الدم خلال الصيام ≥ 126 ملغم/ديسيلتر، ومستوى الغلوكوز في الدم خلال غير الصيام ≥ 200 ملغم/ديسيلتر، وتشخيص الطبيب المُبلّغ عنه ذاتياً، أو استخدام أي دواء لمرض السكري)، والإبلاغ الذاتي عن التدخين الحالي.

ووفق ما يشير إليه باحثو «مايو كلينك»، فإن «الخَرَف الوعائي» يُعد مصطلحاً عامّاً يعبر عن المشكلات التي تصيب التفكير المنطقي والتنظيم وإصدار الأحكام والذاكرة وغيرها من عمليات التفكير، الناجمة عن تلف الدماغ الناتج عن ضعف تدفُّق الدم إليه. وقالوا: «العوامل التي تزيد من خطورة الإصابة بمرض القلب والسكتة الدماغية ومن ضمنها مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، والتدخين تزيد أيضاً من خطورة إصابتك بالخَرَف الوعائي.

إن تلف الأوعية الدموية وإعاقة الدورة الدموية يؤديان إلى حرمان دماغك من الأكسجين والعناصر المغذية الحيوية التي يحتاج إليها. ويسهم التحكم في عوامل الخطورة تلك في تقليل فرص إصابتك بالخَرَف الوعائي».

تشخيص طبي

وعلى الرغم من أن بإمكان الأطباء دائماً أن يُثبتوا إصابة شخص ما بالخرف، فإنه لا يُوجد اختبار محدد يؤكد أن لديه نوع «الخرف الوعائيّ». ولذا يصل الطبيب إلى ذلك التشخيص المحدد، أي «الخرف الوعائي»، استناداً إلى المعلومات المتعلقة بمدى وجود عوامل خطورة الإصابة باضطرابات القلب والأوعية الدموية، مثل نتائج اختبارات ضغط الدم والكوليسترول، وسكر الدم، وتخطيط القلب، والأشعة الصوتية للقلب، وتصوير شرايين الرقبة.

كما قد يطلب الطبيب أيضاً اختبارات إضافية لاستبعاد أسباب محتمَلة أخرى بفقدان الذاكرة والتشوش، مثل اضطرابات الغُدَّة الدرقية ونقص الفيتامينات. وقد يسهم الفحص بتصوير الدماغ في المساعدة على تشخيص الخرف الوعائي. وتحديداً، يعد تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي (MRI) الإجراء المفضَّل، لأنه يوفر تفاصيل أكثر دقة عن تأثيرات السكتات الدماغية، والسكتات الدماغية العابرة واضطرابات الأوعية الدموية، على الدماغ. وذلك مقارنةً باختبارات بالتصوير المقطعي المحوسب (CT Scan). كما قد تظهر الاختبارات العصبية النفسية في بعض الأحيان نتائج مُميزة للأشخاص المصابين بأنواع مختلفة من الخَرَف.

وعلى سبيل المثال، قد يقضي الأشخاص المصابون بالخَرَف الوعائي وقتاً صعباً في محاولة تحليل مشكلة وإيجاد حل فعال لها. بينما قد لا يعانون من مشكلة في تعلم معلومة جديدة والتذكُّر، مقارنةً بالمصابين بخَرَف ألزهايمر. ويقول أطباء «مايو كلينك»: «هناك تداخل بين الخرف الوعائي والخرف الناتج عن داء ألزهايمر. وفي حين ينصبّ كثير من التركيز على التمييز بين الخرف الناتج عن داء ألزهايمر والخرف الوعائي، يتبين وجود تداخل كبير في العادة بينهما. ويكون لدى أغلب الأشخاص الذين شُخصوا بالخرف الناتج عن داء ألزهايمر مكون وعائي، وبالمثل فأغلب الأشخاص المصابين بالخرف الوعائي لديهم قدر من التغييرات المخية المصاحبة لداء ألزهايمر».

وبشكل عام، تتطابق عوامل خطر الإصابة بـ«الخرف الوعائي» مع عوامل خطر الإصابة بـ«أمراض القلب والسكتة الدماغية». ويزداد خطر الإصابة بالخرف الوعائي مع التقدم في العمر. يندُر حدوث هذا الاضطراب قبل سن 65 عاماً، وتزيد احتمالية الإصابة به بشكل كبير عند بلوغ سن التسعين. كما أن الإصابة سابقاً بنوبة قلبية، قد يجعل المرء أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الأوعية الدموية في دماغه. وقد يؤدي تلف الدماغ الذي يحدث بسبب السكتة الدماغية Stroke أو السكتة الدماغية الصغيرة (النوبة الإقفارية العابرة TIA) إلى زيادة خطر الإصابة بالخرف. وعندما تتراكم رواسب الكوليسترول والمواد الأخرى (اللويحات) في الشرايين وتُضيق الأوعية الدموية، يحصل تصلّب الشرايين. ويمكن لتصلب الشرايين أن يزيد من خطر الإصابة بالخرف الوعائي بتقليله تدفق الدم الذي يغذي الدماغ. وارتفاع ضغط الدم يضع ضغطاً إضافياً على الأوعية الدموية في كل مكان في الجسم، بما في ذلك الدماغ. ويزيد هذا من خطر حدوث المشكلات الوعائية في الدماغ.

ومن الملاحظ جداً أن المستويات المرتفعة من الغلوكوز في الدم تُؤدي إلى تلف الأوعية الدموية في جميع أنحاء الجسم. وقد يؤدي تلف الأوعية الدموية في الدماغ إلى زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والخرف الوعائي. وتُعد زيادة الوزن أحد عوامل الخطر المعروفة لأمراض الأوعية الدموية بشكل عام، ومن ثم تزيد من خطر الإصابة المفترضة بالخرف الوعائي.

والتدخين يتلف الأوعية الدموية بشكل مباشر، مما يزيد من خطر الإصابة بتصلب الشرايين وغيرها من أمراض الدورة الدموية، بما في ذلك الخرف الوعائي. ويزيد الرجفان الأذيني (AF) من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية؛ لأنه يتسبب في تكوين جلطات دموية في القلب. وهذه الجلطات يمكن أن تتفكك وتنتقل إلى الأوعية الدموية في الدماغ. ولذا فإن العمل على خفض ضغط الدم، وتقليل مستوى الكوليسترول، ومنع الدم من التخثر، والحفاظ على الشرايين سالكة، والمساعدة في التحكم في سكر الدم، من أهم خطوات الوقاية من الخرف الوعائي.

شاركها.