في ظل حرب الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل، التي كادت تفتح الباب لحرب شاملة بالمنطقة، كان لافتًا الغياب شبه الكامل من المعارضة الإيرانية عن المشهد، سياسيًا وإعلاميًا وميدانيًا، وفي الوقت الذي يتوقع فيه الرأي العام الداخلي والدولي أن تستغل قوى المعارضة هذه اللحظات المفصلية لإرباك النظام أو كسر هيبته، كانت الساحة الإيرانية الداخلية ساكنة، وشبكات المعارضة في الخارج تعيش على الهامش.
القراءة في هذا الغياب لا يمكن أن تنفصل عن طبيعة القوى المعارضة نفسها، ومدى استعدادها، وتماسكها، وكذلك حجم القمع الذي تتعرض له الشعوب غير الفارسية داخل الجغرافيا الإيرانية.
خريطة المعارضة الإيرانية
المعارضة الإيرانية ليست كيانًا موحدًا، بل فسيفساء من التيارات المتباينة في الأيديولوجيا والمصالح والرؤى.
وحول ذلك ويؤكد طاهر أبو نضال الأحوازي، عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات العربية في منظمة مجاهدي خلق، في حديث خاص لـ”ستيب نيوز” أن “غياب المعارضة في لحظة مصيرية كهذه لم يكن نتيجة خوف أو ارتباك فحسب، بل بسبب الانقسامات البنيوية العميقة التي تعاني منها”.
ويضيف: “لدينا قوى تعيش في الخارج، بعضها يفتقر للشرعية الجماهيرية، وبعضها يعيش في عزلة سياسية، وبعضها الآخر يتصرف كأنه الحكومة القادمة لإيران، دون أن يمتلك حتى التأثير في حيّ واحد داخل طهران أو الأحواز أو تبريز.”
أبرز التيارات المعارضة في إيران:
الملكيون: يتزعمهم رضا بهلوي، ويدعون إلى استعادة الملكية الدستورية. يتمتعون بدعم محدود داخل إيران، ونشاط إعلامي نشِط في الخارج، لكنهم يفتقرون إلى قاعدة شعبية حقيقية.
مجاهدو خلق: من أبرز وأقوى فصائل المعارضة تنظيمًا وتاريخًا، ينتهجون خطًا جمهوريًا راديكاليًا، ولديهم سجل طويل في مواجهة النظام، لكنهم محاصرون بسمعة إعلامية مشوهة محليًا بسبب الدعاية الإيرانية.
الحركات اليسارية: مثل حزب “توده” وفدائيي خلق، تأثّروا بقوة من قمع الثمانينات، وضعف تأثيرهم التنظيمي في العقدين الأخيرين.
القوميون والإثنيون: الأحوازيون، الكرد، البلوش، التركمان وغيرهم ممن يطالبون بالحكم الذاتي أو الانفصال. يعانون من تهميش مزدوج من النظام، ومن بعض أطياف المعارضة الفارسية المركزية.
الجيل الثائر الجديد: شبكات شبابية مستقلة ظهرت في احتجاجات 20222023، وعلى رأسها شعار “امرأة، حياة، حرية”، لكن تفتقر لهيكلة أو قيادة واضحة.
يؤكد الأحوازي: “لا يمكن الحديث عن معارضة موحدة في ظل هذا التنوع. فبين من يريد استعادة الملكية، ومن يسعى لجمهورية ديمقراطية، ومن يحلم بانفصال قومي، تصبح فكرة ‘الجبهة الوطنية الموحدة’ أقرب إلى شعار إعلامي منها إلى مشروع واقعي.”
القمع في الداخل: الأحواز مثالًا حيًّا على القمع المنهجي
يرى الأحوازيون أن الغياب الشعبي عن الاحتجاجات أثناء الحرب لم يكن ضعفًا في الإرادة، بل نتيجة طبيعية لآلة القمع الأمنية الهائلة التي نشرها النظام الإيراني، لا سيما في المناطق غير الفارسية.
يقول الأحوزاي لـ”ستيب نيوز”: “في الأحواز، شهدنا توسعًا غير مسبوق لنقاط التفتيش، وحملات اعتقال جماعية طالت المئات، واستدعاءات لمعتقلين سابقين ممن خرجوا بكفالات مالية أو عقارية. لم يُسمح بأي تحرك ميداني، لأن النظام استبق اللحظة، وعامل كل من يرفع صوته وكأنه خائن أو عميل.”
ويضيف: “السلطات الإيرانية لجأت إلى تهم جاهزة ومكررة ضد أبناء الأحواز، مثل البعثية، السلفية، والناصرية، ولاحقًا حتى التجسس لصالح إسرائيل، في محاولة لشرعنة الاعتقالات أمام الرأي العام.”
حرب الخارج.. مكسب للداخل الإيراني
على عكس ما كان يتمنى المعارضون، جاءت الحرب الأخيرة لتخدم النظام داخليًا، فوفقًا لطاهر الأحوازي، منحت الحرب طهران ذريعة لتعزيز القبضة الأمنية أكثر من أي وقت مضى.
ويقول: “النظام استخدم الحرب لتمرير خطاب القومية الفارسية، وشيطنة الشعوب غير الفارسية بوصفها أدوات أجنبية. حتى داخل المؤسسة الحاكمة، جرى الترويج لفكرة أن أي احتجاج داخلي يخدم أجندات إسرائيل وأميركا. إنها لحظة تم توظيفها بدقة لفرض الصمت الجماعي.”
ماذا بعد الحرب.. هل انتهى حلم النووي الإيراني؟
رغم ما تعرّض له المشروع النووي الإيراني من ضربات محدودة، إلا أن المفاعيل السياسية لا تشير إلى نهاية البرنامج، ويرى الأحوازي أن “الضربات لم تكن إستراتيجية، والمشروع لا يزال قائمًا بكل مكوناته، خصوصًا في ظل دعم حلفاء مثل روسيا وكوريا الشمالية.”
وتابع: “البرلمان الإيراني ذهب أبعد، حين أقر الانسحاب من منظمة الطاقة الذرية، في رسالة واضحة بأن لا نية للتراجع. الغرب يضغط لكن لا يملك إرادة للمواجهة، والمعارضة لا تملك أدوات الفعل داخل إيران، ما يفتح الباب لاستمرار سياسة حافة الهاوية.”
أزمة القيادة… والمعارضة أسيرة الماضي
من بين أبرز أسباب ضعف المعارضة الإيرانية، بحسب مراقبين، غياب القيادة المشتركة وتنافس الأجندات. وفي هذا السياق، يشدد الأحوازي على أن “أكبر مشكلات المعارضة اليوم أنها لم تغادر عقلية ما قبل 2009. لا يوجد مشروع وطني عابر للطوائف والعرقيات، ولا يوجد خطاب جامع يتجاوز المصالح الحزبية.”
ويضيف: “حتى اليوم، لم يتم الاعتراف رسميًا من المعارضة الفارسية بحقوق الشعوب غير الفارسية. لا الحديث عن فيدرالية، ولا عن العدالة في توزيع الثروات، ولا حتى في حماية الهويات القومية. المعارضة تطالب بالحرية لكنها تُقصي نصف الشعب الإيراني من مشروعها.”
مفترق طرق خطير
في ظل الوضع القائم، تبرز أسئلة حادة: إلى أين تتجه إيران؟ وأين تقف المعارضة؟ وما مصير الشعوب المضطهدة كالعرب الأحوازيين؟
يختصر طاهر الاحوازي الإجابة بالقول: “النظام خرج من الحرب أكثر تحديًا، والمعارضة أكثر انقسامًا، والشعوب غير الفارسية تُسحق تحت شعار الأمن القومي لدولة فارس المصطنعة. إذا لم تتحرك القوى الإقليمية والدولية لدعم هذه الشعوب، فإن النظام سيبقى رافعًا شعار ‘الحرب نعمة لنا’، ليواصل قمع الداخل والتوسع في الإقليم.”
اقرأ أيضاً|| من انتصر في حرب الـ12 يوماً؟.. خبراء يكشفون لماذا قُصفت قطر ومرحلة جديدة بالشرق الأوسط

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية