في أول مقابلة له بعد الانتخابات التمهيدية، قال زهران ممداني، الفائز المرجح بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك، إنه استلهم جزءاً من استراتيجيته الانتخابية من تركيز الرئيس دونالد ترمب على أزمة غلاء المعيشة.

وقال ممداني في حديثه لصحيفة “نيويورك تايمز”: “لم أكن مستعداً إطلاقاً لحجم الدعم الذي تلقيناه”.

وبحسب الصحيفة، فإن الحملة غير التقليدية التي قادها ممداني، الساعي لأن يكون أول عمدة اشتراكي ديمقراطي للمدينة، بدأت بشكل لافت حين قرر تبني نهج غير متوقع، يتمثل في استكشاف المناطق التي صوتت لترمب لفهم دوافع سكانها. وكانت الإجابة واضحة وهي”أزمة القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة”.

وأوضح ممداني أن ترمب وعد بمعالجة أزمة الغلاء، وكان ذلك كافياً لإقناع العديد من الناخبين، لكنه أضاف أن الدرس الذي تعلمه هو أن المشكلة حقيقية، إلا أن ترمب لم يبدِ أي رغبة حقيقية في حلها.

وتابع: “كل من دونالد ترمب وحملتنا يدركان حالة الإحباط من السياسة، وعجز الكثيرين عن الاحتفاء بفتات لا يسد رمقهم ولا يوفر لقمة العيش لعائلاتهم”. لكنه استدرك: “الفرق أن ترمب يستغل هذا الشعور دون أي نية لمعالجته، بينما نحن نلتزم بمواجهته فعلاً”.

وسلطت الصحيفة الضوء على الصعود السريع لممداني من نائب في الجمعية التشريعية لا يعرفه كثيرون، إلى مرشح محتمل لمنصب عمدة نيويورك، مستنداً إلى رسالة واضحة ركزت على معالجة أزمة غلاء المعيشة.

وكانت شعارات حملته تدور حول وعود مثل إتاحة الحافلات مجاناً وتجميد الإيجارات وتوفير رعاية أطفال مجانية وشاملة، وهي رؤية “شعبوية” شكلت العمود الفقري لحملته التي اجتذبت حماس الناخبين الشباب، بفضل مزيج من الإبداع والبراعة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

ونجح ممداني في بناء تحالف انتخابي واسع تجاوز الحواجز العرقية والاقتصادية والدينية في مختلف أنحاء مدينة نيويورك، متمكناً من إزاحة الحاكم السابق أندرو كومو، وممهداً الطريق أمامه ليكون المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات العامة المقررة في نوفمبر المقبل.

وفي اليوم التالي لانتصاره المفاجئ، أخذ ممداني، البالغ من العمر 33 عاماً، قسطاً نادراً من الراحة بعد حملة انتخابية ماراثونية، مكتفياً بـ4 ساعات فقط من النوم.  

وتلقى ممداني في منزله بحي كوينز اتصالات تهنئة من شخصيات سياسية بارزة، من بينهم زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، بينما كان يراجع نتائج الانتخابات ويفكر في التحديات المقبلة.

“حالة من النهم السياسي”

وقال ممداني إن فوزه يعكس “حالة من النهم السياسي عبر مدينة نيويورك، في الأحياء التقدمية وغير التقدمية على حد سواء، نحو نوع مختلف من السياسة، وجيل جديد من القيادة، وديمقراطية يرى فيها سكان نيويورك أنفسهم وهمومهم ونضالاتهم”.

ورغم تقديره لحجم الإنجاز، أقر ممداني أنه كان يتوقع سباقاً أكثر تقارباً، إذ كان يظن أن يوم الأربعاء سيكون مخصصاً لتحليل توزيع الأصوات والاستعداد لجولات إعادة الترتيب في نظام التصويت التفضيلي الجديد نسبياً في المدينة.

وأضاف: “لم أكن مستعداً مطلقاً لهذا الحجم من الدعم الذي تلقيناه”.

وقبل عام واحد فقط، جلس ممداني في مقهى متواضع في كوينز، يحتسي كوباً من الشاي ويضع خطته الانتخابية. حينها، لم يكن يملك سوى التفاؤل.

وقال: “كنت أقدّر أن 1% فقط من سكان نيويورك يعرفون من أنا، وهذه تقديرات متفائلة جداً”.

“معركة حاسمة”

ومع ذلك، لا تزال أمامه معركة حاسمة. إذ سيواجه ممداني في نوفمبر المقبل العمدة الحالي إريك آدامز، الذي قرر الترشح كمستقل بعد ولاية أولى مضطربة شهدت اتهامات فيدرالية له بالرشوة والاحتيال، قبل أن تسقط وزارة العدل الأميركية تحت إدارة الرئيس ترمب القضية في وقت سابق من هذا العام.

وأبدى ممداني ثقته بقدرته على توحيد صفوف الديمقراطيين وتحقيق الفوز. وقال: “ما شهدناه الليلة الماضية مجرد لمحة عما يمكن أن يبدو عليه هذا التحالف”.

وفيما بدا أقل اهتماماً بإقناع رجال الأعمال لدعمه، قال ممداني: “ما أثبتناه في هذه الانتخابات التمهيدية هو قدرتنا على هزيمة نفس المليارديرات الذين قد يمولون حملة إعادة انتخاب آدامز، لأن قوتنا تأتي من سكان نيويورك في الأحياء الخمسة جميعها”.

وشدد على أن حملته تستند إلى رؤية مغايرة تماماً لتلك التي يمثلها كل من كومو وآدامز، منتقداً قرب آدامز من الرئيس ترمب، وأضاف: “آدامز يجسد بالضبط نوع الفساد وسوء الإدارة والارتهان لترمب الذي يريد سكان نيويورك أن يطووا صفحته”.

ولم يقف ترمب مكتوف اليدين، إذ وصف ممداني عبر منصة “تروث سوشيال” بأنه “شيوعي مجنون”، محذراً من أن صعوده وصعود النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، أبرز حلفائه التقدميين، سيؤدي إلى “تدمير البلاد”.

لكن قبل ذلك، يدرك ممداني أن عليه كسب أصوات الناخبين الذين أيدوا كومو في الانتخابات التمهيدية.

وقال: “لقد حققنا انتصاراً مع مجتمعات الطبقة العاملة من مختلف الخلفيات، سواء كانوا من الآسيويين أو اللاتينيين أو السود أو البيض، في أحياء مثل كينسينجتون وفلاشينج وإلمهورست وجامايكا هيلز وجاكسون هايتس وتشاينا تاون وسنست بارك”.

“مكافحة جرائم الكراهية”

وفي خطوة تهدف لتهدئة قلق الناخبين اليهود بشأن مواقفه من إسرائيل، أعلن ممداني عن حصوله على دعم عضو الكونجرس جيرولد نادلر، أحد أبرز القادة اليهود في المدينة، الذي كان قد دعم في الانتخابات التمهيدية المرشح سكوت سترينجر. وجاء ذلك في ظل استمرار الجدل حول رفض ممداني إدانة شعار “عولمة الانتفاضة”، واتهامه لإسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة، وتشكيكه في حقها في الوجود كدولة يهودية.

وأكد ممداني في المقابلة أنه ملتزم بحماية الجالية اليهودية في نيويورك، وأنه سيزيد التمويل المخصص لمكافحة جرائم الكراهية.  

وأضاف: “سأسعى خلال الفترة المقبلة لتوضيح أن موقفي السياسي يستند إلى التزام كامل بحقوق الإنسان العالمية”، معترفاً في الوقت نفسه بأن بعض سكان المدينة قد يختلفون معه.

وتابع: “مسؤوليتي كقائد لهذه المدينة أن أمد يدي أكثر لفهم هذه الخلافات، وأن أتعامل مع تعقيداتها، وأن أمثل كل شخص يعتبر هذه المدينة موطناً له”.

ودافع ممداني عن رؤيته الاقتصادية الشعبوية، معتبراً أن هامش الفوز القوي الذي حققه يمنحه تفويضاً شعبياً لتنفيذ السياسات التي طرحها في حملته، مثل إتاحة النقل العام مجاناً، وتجميد الإيجارات لمليون شقة خاضعة للرقابة، وإنشاء متاجر بقالة مملوكة للمدينة لتقليل الأسعار، وتطبيق نظام رعاية أطفال شامل ومجاني.

ورداً على منتقديه الذين يرون أن أهدافه طموحة للغاية، أو أن خبرته لا تكفي لتحقيقها، قال ممداني: “هم يستخفون بي”.  

وأضاف: “الأفكار لا قيمة لها ما لم تُطبق، والوعود التي قطعتها هي وعود سأفي بها. وما أثبتته الانتخابات الليلة الماضية هو أن هناك تفويضاً شعبياً من سكان نيويورك لبناء مدينة يستطيعون تحمل تكاليف العيش فيها”. 

شاركها.