اكتشف علماء من جامعة نوتنجهام البريطانية آلية جزيئية سريعة في جذور النباتات، تعمل كمفتاح ذكي يمكّنها من استشعار التربة الجافة، وتوجيه نمو الجذور نحو مناطق تحتوي على مزيد من المياه.
من شأن هذه الخطوة أن تفتح آفاقاً جديدة لتطوير محاصيل مقاومة للجفاف أكثر، والمساهمة في مواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي.
وكشفت الدراسة، التي نُشرت في دورية Science (ساينس)، عن آلية دقيقة يستخدمها النبات لتعطيل مؤقت لتفرّع الجذور الجانبية عندما تفقد الجذور النامية اتصالها بالتربة الرطبة، وذلك كاستجابة ذكية تتيح للنبات توجيه نموه نحو مصادر المياه المتاحة.
تفاعل ذكي
عادةً ما تتفرع الجذور استجابة لرطوبة التربة أثناء بحثها عن المياه والعناصر الغذائية، لكن الباحثين أوضحوا أن فقدان الاتصال بمناطق التربة الرطبة يؤدي إلى توقف مؤقت في تكوين الجذور الجانبية، وهو ما يساعد النبات على إعادة توجيه جهوده نحو أماكن أكثر ملاءمة.
ويكمن جوهر هذا التفاعل الذكي في زيادة سريعة في مستويات مركبات الأكسجين التفاعلية، في أطراف الجذور. وتعمل هذه المركبات كإشارات ضغط بيئي، تنبه النبات إلى أنه دخل منطقة جافة، وتستحثه على تغيير مسار النمو.
تمكن العلماء من تحديد كيف تتفاعل هذه المركبات مع بروتين معيّن، وهرمون نباتي مسؤول عن تنظيم النمو والتطور، بحيث يعمل هذا البروتين كمفتاح جزيئي يدمج بين الإشارات البيئية المتعلقة بالجفاف، والتحكم الهرموني الداخلي للنبات لتشكيل بنية الجذر بطريقة تكيفية.
محاصيل مقاومة للجفاف
ويقول الباحثون إن البروتين المعروف باسم “عامل الاستجابة لهرمون الأوكسين رقم 7” يلعب دوراً محورياً في تنظيم نمو الجذور استجابة لذلك الهرمون النباتي، وهو المسؤول عن توجيه النمو في أجزاء مختلفة من النبات، وخاصة الجذور.
ففي الظروف العادية، حين تكون التربة رطبة، يُفعِّل هذا البروتين الجينات المسؤولة عن إنبات التفرعات الجذرية الجانبية. لكن عند دخول الجذور إلى منطقة جافة، يرتفع تركيز مركبات الأكسجين التفاعلي، مما يؤدي إلى تعطيل مؤقت لنشاط البروتين، وبالتالي يتوقف تكوين الجذور الجانبية، ويتجه النمو نحو مناطق تحتوي على ماء.
ويعمل هذا البروتين يعمل كحلقة وصل بين إحساس الجذر برطوبة التربة وبين القرار بالنمو، ويتحول إلى مفتاح يُفتَح أو يُغلَق حسب الظروف البيئية، ما يجعله هدفاً محورياً للعلماء الساعين لتطوير محاصيل أكثر قدرة على تحمّل الجفاف.
ويقول الباحثون إن هذه الآلية سريعة وفعالة، وتتيح للنباتات الإحساس بسرعة بضغط الجفاف، واتخاذ رد فعل شبه فوري، ما يمكنها من الحفاظ على مواردها وتوجيه النمو الجذري بكفاءة، بحسب ظروف البيئة المحيطة كما تٌظهر كيف يمكن لبروتين واحد فقط أن يعمل كمستشعر بالغ الحساسية، يربط بين استشعار الإجهاد البيئي وقرارات النمو لدى النبات، ويفتح بذلك آفاقاً واعدة في مجال تطوير محاصيل معدلة وراثياً تتحمل الجفاف.
ويكتسب هذا الاكتشاف أهمية متزايدة في ظل تفاقم موجات الجفاف بسبب التغير المناخي، حيث أصبحت الحاجة ملحة لفهم كيفية تفاعل الجذور مع نقص المياه لتصميم محاصيل قادرة على البقاء في بيئات زراعية أكثر قسوة.