يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوروبيون آخرون، لاستقطاب الأكاديميين من الولايات المتحدة بعدما أدت قرارات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى الحد من تمويل الأبحاث العلمية، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في مايو الماضي، عن إنشاء صندوق بنحو 575 مليون دولار لجعل أوروبا “مركزاً للباحثين”، كما قالت بريطانيا إنها ستنفق نحو 75 مليون دولار على مدى خمس سنوات لتغطية تكاليف انتقال العلماء والأكاديميين الأجانب وأبحاثهم إلى المملكة المتحدة.
وتعهد ماكرون هو الآخر، في مؤتمر باريس، بتقديم 115 مليون دولار أخرى لمساعدة الباحثين الأجانب على الانتقال إلى فرنسا. وقال ماكرون: “إذا كنتم تحبون الحرية، فتعالوا وساعدونا على البقاء أحراراً، وأجروا أبحاثاً هنا، وساعدونا على أن نصبح أفضل، واستثمروا في مستقبلنا”.
وطوال قرون، كانت أوروبا موطناً للاكتشافات العلمية، قبل أن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انتقل الأكاديميون الأوروبيون للعمل في مختبرات الجامعات الأميركية الغنية بالتمويل الفيدرالي.
ولا تزال الولايات المتحدة تنفق أكثر من أي دولة أخرى على البحث والتطوير. ولكن منذ عودته إلى السلطة، خفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو جمد بشكل كامل مليارات الدولارات من المنح البحثية التي كانت توفرها الحكومة الفيدرالية للجامعات، بدعوى إجراء تحقيقات في برامج التنوع ومعاداة السامية.
وتقول إدارة ترمب إنها تعمل على الحد من الهدر والاحتيال وإساءة استخدام التمويلات الفيدرالية للأبحاث.
ووفقاً للمتحدث باسم إدارة ترمب كوش ديساي. فإن الحكومة تتعهد “بتعزيز هيمنة أميركا في أحدث التقنيات، مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة واستكشاف الفضاء، مع معالجة الأمراض المزمنة”.
“الحرية الأكاديمية”
في غضون ذلك، تُقدم الجامعات في جميع أنحاء أوروبا منحاً ووعداً بـ”الحرية الأكاديمية” للباحثين الأميركيين.
وأعلنت جامعة إيكس مرسيليا في جنوب فرنسا تلقيها حوالي 300 طلب خلال ثلاثة أسابيع لبرنامجها “مكان آمن للعلوم”، من بينهم باحثون من جامعات هارفارد وييل وبرينستون وكولومبيا وستانفورد.
وتهدف جامعة بروكسل الحرة البلجيكية إلى دعم اثنا عشر باحثاً في مرحلة ما بعد الدكتوراه، وخاصةً من الولايات المتحدة، بزمالات تبلغ قيمتها حوالي 3 ملايين دولار لكل منهم. كما أنشأ مجلس البحوث النرويجي في أبريل صندوقاً بقيمة 10 ملايين دولار للعلماء الأميركيين.
وقال إيبو بروينز، وزير التعليم والثقافة والعلوم في هولندا، الذي اقترح إنفاق حوالي 30 مليون دولار لجذب عشرات العلماء من دول، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى الجامعات الهولندية: “هناك حرب على المواهب تدور عالمياً، وهي آخذة في التفاقم”.
وقال جيمس ويلسدون، أستاذ سياسات البحث في جامعة لندن، إن معظم البرامج صغيرة جداً أو قصيرة الأجل بحيث لا يمكنها إحداث تغيير جذري في القدرة التنافسية الأكاديمية لأوروبا. وأضاف: “ما يستجيب له العلم جيداً هو الاستقرار والقدرة على التنبؤ والتخطيط طويل الأجل”.
ويكسب الباحثون في أوروبا أقل بكثير مما يكسبونه في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، عند الانتقال إلى فرنسا، يجني الباحثون عادةً نصف أو حتى ثلث ما كانوا يجنونه في أميركا. لكن تكلفة المعيشة في معظم أنحاء أوروبا أقل، كما أن الحكومات تدفع أكثر للرعاية الصحية والتعليم.
“قيود”
قبلت راشيل بيتي ريدل، وهي دكتورة في العلوم السياسية في جامعة كورنيل تدرس الديمقراطية والاستبداد، وظيفة لمدة عام واحد في معهد الدراسات السياسية في فرنسا للبحث فيما تصفه بأنه تراجع عالمي للديمقراطية.
وأوضحت بيتي ريدل بأن إجراء البحوث أصبح أكثر تعقيداً منذ عودة ترمب إلى منصبه وتوجيهه الحكومة الفيدرالية بسحب الدعم عن البحوث في بعض المواضيع. وأضافت: “هذا يتخلل كل قرار يتخذه الأكاديميون بشأن ما يرغبون في قوله علناً وأنواع البحوث التي يرغبون في نشرها”.
وأفاد ثلاثة أرباع العلماء البالغ عددهم 1600 عالم والذين شاركوا في استطلاع رأي نشرته مجلة “نيتشر” في مارس الماضي، بأنهم يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة، وأن أوروبا كانت من بين خياراتهم الأولى للانتقال.
وقال بيرل روزنثال، أستاذ التاريخ، إن إدارة ترمب خلقت مناخاً من الخوف في الأوساط الأكاديمية الأميركية. وأضاف: “بصراحة، جميع قادة الجامعات في الولايات المتحدة يرتعدون خوفاً في الغالب”.
ويعمل بيرل روزنثال في باريس منذ عامين، حي يجري أبحاثاً على ما كان يعرف بـ”السفن الخاصة” – وهي السفن التي كانت تهاجم سفن العدو وتستولي عليها في عرض البحر بموجب إذن من حكومة دولة ما.
وتم إلغاء المنحة التي حصل عليها روزنثال من “الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية”، قبل أشهر من موعد عودته من إجازته إلى جامعة جنوب كاليفورنيا، التي انضم إليها منذ ما يقرب من 15 عاماً.
قال بيرل-روزنتال: “إن فهم كيفية العيش في بلد أجنبي أمرٌ صعب، ويتطلب سلسلةً طويلة من الجهود. سيحتاج الناس إلى الكثير من المساعدة لفهم هذه الأمور، وسيستغرق الأمر وقتاً”.