البحث الذي نُشر مؤخرًا في مجلة Trends in Cognitive Sciences يقترح أن تعلّم اللغة لدى الأطفال عملية نشطة ومتجسدة، تعتمد على التفاعل الحسي والاجتماعي، مدفوعة بالفضول والاستكشاف الذاتي، وهو ما يميزها عن النماذج الحاسوبية التي تكتفي باستهلاك نصوص مكتوبة بشكل سلبي.

آليات متعددة الحواس وبيئة ديناميكية

تشير الدراسة إلى أن الأطفال لا يتعلمون اللغة في عزلة أو من نصوص جامدة، بل يبنون معرفتهم من خلال حركاتهم، واستكشافهم المحيط عبر الحواس، كالرؤية، واللمس، والسمع، وحتى التذوق والشم. هذه البيئات الحسية المتزامنة تمنحهم إشارات غنية تسهّل الربط بين الكلمات ومعانيها.

البروفيسورة كارولين رولاند، التي شاركت في إعداد الإطار البحثي، توضح: “الأنظمة الذكية تعالج البيانات… أما الأطفال فيعيشونها”. وتضيف: “هم لا ينتظرون أن تُلقّن لهم اللغة، بل يصنعون لحظات التعلّم بأنفسهم: يزحفون نحو أشياء مثيرة، يشيرون إليها، أو يضعونها في أفواههم… كل ذلك يعزز استيعابهم البنيوي للغة”.

تجربة لا تتكرر أمام الشاشات

الدراسة توضح أن الأطفال لا يمرون بتجربة تعلم خطية، بل يتفاعلون بشكل دائم مع المحيطين بهم، ويتكيفون مع الثقافات واللغات المختلفة من خلال الملاحظة والتجربة والمشاركة. وهذا ما تفتقر إليه النماذج اللغوية مثل ChatGPT، التي تتعلم من بيانات نصية مجردة تفتقد إلى السياق الحي والمتغير.

ولو حاول إنسان أن يتعلم اللغة بنفس سرعة النماذج الحاسوبية الحالية، وفق الباحثين، لاستغرق ذلك ما يعادل 92 ألف سنة.

فرص جديدة لتطوير الذكاء الاصطناعي

يقترح الإطار الجديد أن تصميم أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر شبهًا بالبشر يتطلب إعادة التفكير في كيفية بنائها منذ الأساس. ويقول الباحثون إن التقدم في أدوات المراقبة مثل تتبّع العين والتعرف الصوتي عبر الذكاء الاصطناعي، أتاح فهمًا غير مسبوق لتفاعلات الأطفال مع بيئاتهم، مما يوفّر أدلة قد تساهم في تطوير ذكاء اصطناعي “متجسد” و”فضولي” يشبه في بنيته عملية التعلم الطبيعي.

وتختم رولاند بالقول: “إذا أردنا أن تتعلم الآلات كما يتعلم البشر، ربما علينا أن نبدأ بتقليد الأطفال”.

شاركها.