حاتم الطائي
◄ إسرائيل كيان مُجرم وإرهابي مؤقت وزواله النهائي حتميٌ
◄ المنطقة مرّت بمرحلة عصيبة أكدت خطورة وجود إسرائيل في الشرق الأوسط
◄ إيران نجحت في تجاوز الخسائر التكتيكية وحققت النصر الاستراتيجي
كشفت “حرب الأيام الـ12” بين إيران وإسرائيل عن جُملة من الحقائق الدامغة والوقائع التي لا تقبل التشكيك، وبرهنت على أنَّ إسرائيل كيان مُؤقت وزواله حتميٌ، إلّا أنَّ لحظة الزوال التام لم تحِن بعد، لكننا شاهدنا “بروفة” إسقاطها ومن ثمَّ زوالها، في معركة خاطفة لم يستخدم كل طرفٍ فيها وبالأخص الإيراني جميع أسلحته؛ بل حتى لم يكشف عن كل استراتيجياته الهجومية والدفاعية، واكتفى باستراتيجية واحدة مُنظَّمة ومُمَنهَجة، عنوانها الاستنزاف الذي يقود للانهيار من الداخل.
لا شك أنَّ العالم استيقظ فزعًا في الساعات الأولى من يوم الأحد 22 يونيو 2025، على وقع البيان الذي تلاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأداء تمثيلي فج على طريقة البطل الأمريكي الخارق أمثال “بات مان” و”سوبر مان”، يُعلن فيه أنَّ القوات الأمريكية قصفت بالقنابل الخارقة للتحصينات المواقع النووية الإيرانية، زاعمًا أنَّه “دمّر بالكامل” منشأة “فوردو” النووية، إلى جانب تدمير كل من منشأتي نطنز وأصفهان، وهي المواقع النووية الثلاثة التي تمثل جوهر البرنامج النووي الإيراني. وقد جاءت الضربة الأمريكية للمواقع النووية الإيرانية، بعد أقل من 10 أيام على اندلاع الحرب الإيرانية الإسرائيلية، التي بدأتها إسرائيل بعدوان إرهابي داخل العمق الإيراني، تسبب في اغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين في إيران.
ولم يمر سوى يوم وبضع ساعات، حتى شنت إيران هجومًا بالصواريخ الباليستية على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، وشاهدنا لأوَّل مرة نيران الحرب الإقليمية تشتعل في سماء الخليج العربي، وباتت المنطقة وكأنها تحوم فوق فوهة بركان ثائر، تتطاير الحمم البركانية منه، ولا أحد يعلم أين ستسقط!
هذه اللحظات التاريخية التي مرَّت على منطقة الخليج، كفيلة بأن تبرهن مدى خطورة إسرائيل على أمننا القومي العربي والشرق أوسطي، وأنَّ هذا الكيان الذي يمارس الإرهاب ضد الدول وينتهك سيادتها، هو السبب الأول والرئيسي وراء أي عدم استقرار أو اضطرابات في منطقتنا. إسرائيل هي العدو الأوَّل منذ أن وطأت العصابات الصهيونية الشرق الأوسط، واحتلت أرض فلسطين، واغتصبتها، ومن قبل سعت لاحتلال دول أخرى، وهي الآن تحتل أراضي في لبنان وسوريا، ولا تُخفي رغبتها في احتلال مزيد من الأراضي العربية، وخرائطهم المنشورة في كل مكان تفضح مُخططاتهم؛ بل إنهم لا يتورعون عن الإفصاح عنها في كل محفل.
لكن في المُقابل، أكدت حرب الـ12 يومًا، مدى هشاشة إسرائيل من الداخل، فبعد أن تلقت درسًا قاسيًا في السابع من أكتوبر 2023 على أيدي أبطال المقاومة الفلسطينية، وما تلاه من عمليات المقاومة في غزة الصامدة والتي ما تزال حتى اللحظة تُكبِّد الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، جاءت الضربات الصاروخية الإيرانية لتُبرهن على أنَّ إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.
وهذه الحرب كشفت عن عدة جوانب يجب التوقف عندها كثيرًا:
أولًا: إيران على علمٍ ودراية كاملين بالمواقع العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية، ولديها إحداثيات هذه المواقع، وهو ما ساعد على توجيه الصواريخ الباليستية لتنفيذ ضربات دقيقة وناجحة. وهذه نقطة تنسف السردية الكاذبة بأن لا أحد يعلم شيئًا عن إسرائيل!
ثانيًا: لا ريب أنَّ لإيران جواسيس وعملاء على الأرض في إسرائيل، وهؤلاء يمدونها بالمعلومات وتحركات الجيش وتمركزات الدفاعات الجوية.
ثالثًا: نجحت إيران في إضعاف وإنهاك منظومات الدفاع الجوي بطبقاتها المختلفة (القبة الحديدية مقلاع دواود نظام أرو”السهم”)، وتمكّنت من إشغاله باستراتيجيات مختلفة، لضمان نجاح اختراق الصواريخ للعمق الإسرائيلي.
رابعًا: عاشت إسرائيل لأول مرة منذ تأسيسها، أقوى تهديد وجودي، وخاضت أخطر حرب على الإطلاق، وواجهت أعنف قصف على مدنها.
خامسًا: انهارت إسرائيل من الداخل في غضون 12 يومًا، وعاشت بلا مطار جوي وبلا ميناء بحري، وتعطلت الدولة من شمالها لجنوبها بالكامل.
سادسًا: اضطر المواطن الإسرائيلي للمبيت في الملاجئ تحت الأرض لأيام، ومن كان يعود إلى منزله، تُجبره الصواريخ الإيرانية على الهرب مرة ثانية للملاجئ في غضون سويعات قليلة.
سابعًا: إسرائيل دولة ديكتاتورية يحكمها نظام عسكري فاشي، وحكومة سياسية مستبدة، وأي حديث عن ديمقراطية وحريات فهو محض افتراء وهلاويس بصرية وسمعية. والدليل على ذلك حجم التعتيم الإعلامي المفروض حتى الآن على مدى الخسائر والأضرار التي تعرض لها جيش الاحتلال، أو حجم الدمار الذي أصاب منشآت عسكرية وبحثية واستراتيجية.
ثامنًا: إسرائيل تمارس الكذب والتضليل الإعلامي على الجميع، بدءًا من أمريكا وحتى المواطن الإسرائيلي، الذي لا يعرف حقيقة ما نجم عن الضربات الإيرانية، ولا يملك الحق في طلب المعرفة، وإلّا مصيره خلف أسوار السجن. ومن أجل التكتم على ما جرى في إسرائيل، فإنَّ معظم وسائل الإعلام الدولية ممنوعة من ممارسة عملها في إسرائيل، بما فيها وسائل إعلام أمريكية!
أما إذا تحدثنا عن المكسب والخسارة في هذه الحرب، فلا شك أنَّ الخسائر طالت الجميع، وهذا ديدن الحروب وطبيعتها، لكن المؤكد لنا أنَّ إيران نجحت في تجاوز هذه الخسائر وحققت نصرًا استراتيجيًا، بينما تقلبت إسرائيل في نيران الهزيمة، دون تحقيق أي هدف مما أعلنته، كما يلي:
أولًا: تجاوزت إيران صدمة اغتيال القيادات العسكرية من الصفين الأول والثاني، وتصفية العلماء النوويين، من خلال سرعة تعيين خلفاء لهم، فضلًا عن اتباع نظام مؤسسي يضمن الحفاظ على التكنولوجيا النووية الإيرانية، حتى لو مات العالِم أو الخبير النووي.
ثانيًا: ردَّت إيران لإسرائيل الصاع صاعين، ولم تهدأ الضربات الإيرانية طيلة 12 يومًا، ونجحت في تدمير العديد من المواقع العسكرية والإستراتيجية.
ثالثًا: تعرضت إسرائيل لهزيمة استراتيجية عنيفة، ستُحدث زلزالًا قريبًا في الأوساط السياسية، وتُضاعِف من عوامل رحيل مُجرم الحرب نتنياهو وحل حكومته الإرهابية، وستستمر توابع هذا الزلزال لسنوات طويلة.
رابعًا: على مدى 12 يومًا تجرّع المواطن الإسرائيلي كؤوس الهلع والخوف من أن يسقط صاروخ إيراني فوق منزله.
خامسًا: ما سُمح بنشره من صور ومقاطع مرئية عن حجم الدمار في البنايات والأبراج في تل أبيب وحيفا وبئر السبع وغيرها، يؤكد أن الضرب الإيراني كان ناجحًا للغاية.
سادسًا: فشلت إسرائيل في تحقيق أي من الأهداف المُعلنة: إسقاط النظام الإيراني، تدمير البرنامج النووي، تدمير البرنامج الصاروخي.
بينما في المقابل، ترسَّخت أقدام النظام الإيراني في ظل الدعم الشعبي غير المحدود، ما يُؤكد أن هذه الحرب عززت من توحيد الداخل الإيراني ورفعت من مستوى الوعي الشعبي في إيران، وقدرة المواطنين الإيرانيين على التفريق بين مصلحة الأمة الإيرانية، والخلافات السياسية الداخلية التقليدية والطبيعية.
وفشلت إسرائيل في تدمير البرنامج النووي، وسعت لجرّ أمريكا للحرب، بينما حتى اللحظة لم تقدم الولايات المتحدة ورئيسها ترامب أي دليل مادي على تدمير البرنامج النووي الإيراني، رغم مزاعم القصف العنيف بالقنابل الخارقة للتحصينات.
أما فيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي، فما شاهدناه من قصف للعمق الإسرائيلي، يؤكد أن إيران نجحت في تطوير منظومة صواريخ باليستية تتميز بدقة التصويب وقوة التدمير. وظلت إيران تقصف حتى الدقائق الأخيرة قبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ما يعني أنَّ منصات الإطلاق ما تزال تعمل بأعلى كفاءة؛ بل إنَّ الخسائر التي ألحقتها إيران بإسرائيل في هذه الدقائق الأخيرة من الحرب، كانت أشد وطأة عليها؛ إذ طالت قيادتي الجيش والمخابرات في بئر السبع جنوب إسرائيل.
ومن المُؤكد أنه بعد هذه الحرب، سيدخل الشرق الأوسط بأكمله في عملية إعادة تشكيل جذرية، وفق سيناريو أمريكي إسرائيلي، نستطيع أن نستشرفه ونحن نقرأ الأحداث وما بين السطور، ونتوقع ما يحدث فعليًا في الكواليس. لذلك نرى أن السيناريو المحتمل يعتمد على عدة نقاط:
أولًا: مساعٍ أمريكية حثيثة لوقف الحرب في غزة، في غضون أسبوع، كما صرح ترامب بنفسه، والهدف من وراء ذلك احتواء المقاومة الفلسطينية وتحديدًا حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام، والانتقال بعد ذلك إلى تنفيذ جزء من خطة إعمار غزة، على حساب دول خليجية، ولن يكون إعمارًا كاملًا؛ بل ما يمكن أن نصفه بـ”عملية تجميل” خفيفة، لإيهام الرأي العام بأنَّ ثمة تطور ما يحدث في غزة، وأن خطط التهجير لم يعد لها مكان!
ثانيًا: بعد أن تستقر الأوضاع نسبيًا في غضون 3 أشهر، وقبل انتهاء العام الجاري، يُفتح الباب أمام سكان غزة للانتقال إلى دول بعينها، مثل بعض العواصم الخليجية خصوصًا للنخب المهنية مثل الأطباء والمهندسين وغيرهم، أو إلى أمريكا وأستراليا وكندا، ويكون بذلك تهجيرا طوعيا لا قسريا.
ثالثًا: إنشاء ما نسميه “الدرع الإبراهيمي”، والذي سيكون تحالفًا عربيًا إسرائيليًا، يضم الدول المنضمة والتي ستنضم إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، على أن يتولى هذا التحالف توسيع علاقات التطبيع والشراكة مع إسرائيل؛ بهدف مُحاصرة إيران، خصوصًا وأنَّ الأنباء تُشير إلى قرب انضمام سوريا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، بجانب دول خليجية وعربية أخرى.
إن مثل هذا المخطط الاستراتيجي ينطوي على مخاطر غير مسبوقة على المنطقة العربية، وخاصة منطقة الخليج، لأننا سنكون في هذه المرحلة في عين الإعصار فعليًا، والذي يُنذر بدمار كبير. لذلك يجب الانتباه إلى ما يُحاك لهذه المنطقة من سيناريوهات تقودها إلى منعطفات بالغة الخطورة، هدفها الأساسي تدمير إيران بمختلف الطرق بعدما فشل العدوان العسكري الصهيوني الأمريكي، وأخفقت أعتى أجهزة الاستخبارات (الموساد وسي آي إيه) في إسقاط النظام الإيراني من داخله.
ولا شك أنَّ فصول هذا السيناريو ستتضح تدريجيًا خلال الأسابيع المُقبلة، لكن في المقابل نرى أنَّ إيران تعمل جاهدة على مُعالجة نقاط الضعف لديها، خاصةً أنظمة الدفاع الجوي والرصد، ونتوقع أن تلعب الصين دورًا حاسمًا في هذا الجانب، ولا نستبعد أن تكون سماء إيران مُحصَّنة بالكامل في غضون 6 أشهر إلى سنة. ولذلك ستعمل الولايات المتحدة وإسرائيل على تسريع الخطى نحو إغلاق ملف غزة من أجل التفرغ التام لملف إيران، التي يبدو أنها أصبحت أقرب من أي وقت مضى نحو تطوير قدراتها الدفاعية، بل والنووية، ولذلك ستسعى واشنطن وتل أبيب نحو “الضربة الاستباقية”، بكل الطرق. غير أنَّ سؤال المليون: هل ستنجح قوى الشر في تحقيق أهدافها الشيطانية؟
ويبقى القول.. إنِّه في ظل الهزيمة الاستراتيجية التي تكبدتها إسرائيل، فإنَّ الزوال المحتوم الذي نُؤكد عليه لم يعد مجرد آمال أو تطلُّعات؛ بل مسألة وقت، تعتمد على ما ستُسفر عنه المواجهات المُقبلة من خسائر أشد وأعنف على هذا الكيان الإرهابي.