في خطوة عسكرية مفاجئة، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نشر فرقة “جلعاد 96” على الحدود الشرقية مع الأردن، فيما اعتبرها مراقبون تحولًا استراتيجيًا في خارطة التهديدات المستقبلية، لا سيما مع استمرار الحديث الإسرائيلي عن خطط “الشرق الأوسط الجديد”.
لماذا نشرت إسرائيل فرقة جلعاد 96؟
بحسب بيان الجيش الإسرائيلي، فإن نشر الفرقة جاء بعد عملية أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعد” التي استهدفت إيران، بهدف تعزيز الانتشار العسكري على الحدود الشرقية، ورفع الجاهزية لأي طارئ في ضوء التصعيد الإقليمي الواسع، خاصة بعد أكثر من 20 شهرًا على الحرب في غزة والتصعيد مع حزب الله وإيران.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن فرقة جلعاد 96: تشكلت خلال 48 ساعة فقط، في خطوة عكست استجابة طارئة، وتضم قوات احتياط إضافية مع وحدات لواء وادي الأردن الإقليمي (417)، كما تعمل على إعادة تأهيل مواقع عسكرية مهجورة وبناء مدينة حدودية جديدة وتجهيز سياج أمني.
تحركات إيرانية وقلق إسرائيلي
أفادت تقارير عبرية أن القرار جاء ردًا على محاولات تهريب أسلحة وأموال من قبل شبكات مرتبطة بإيران نحو الضفة الغربية مرورًا بالأردن، بالتزامن مع التصعيد العسكري مع طهران.
واعتبرت المصادر العسكرية أن هذه الخطوة تهدف لردع إيران عن استخدام الساحة الأردنية كمنصة تهديد ضد إسرائيل عبر أذرعها أو حلفائها، كما جرى سابقًا في سوريا ولبنان.
وفي حديث خاص مع وكالة ستيب نيوز، قال الدكتور رامي أبو زبيدة، الباحث في الشأن الأمني والعسكري: “إن تجهيز فرقة جلعاد 96 جاء في توقيت يحمل دلالات استراتيجية مهمة في نظر الجيش الإسرائيلي تجاه مصادر التهديد المستقبلية. فبعد التصعيد مع إيران وغزة ولبنان، بدأت إسرائيل تشعر أن الحدود الشرقية مع الأردن لم تعد جبهة آمنة بالكامل كما كانت تاريخيًا”.
وأضاف: “هناك خشية إسرائيلية واضحة من تحول إيران أو قوى المقاومة الساحة الأردنية إلى منصة تهديد عبر دعم خلايا مسلحة أو تشكيل بنية تحتية عسكرية، وهو سيناريو مشابه لما جرى سابقًا في سوريا ولبنان.”
هل هناك تحرك محتمل باتجاه الضفة الغربية؟
يحذر أبو زبيدة من أن الضفة الغربية ستكون ساحة التصعيد المقبلة، موضحًا: “فعليًا، تكون الضفة دائمًا في عين العاصفة بعد أي تفاهمات أو تهدئة طويلة في غزة. تسعى إسرائيل إلى تفكيك شبكات المقاومة وتجفيف البيئة الحاضنة لأي تحرك مسلح قد يتطور، خاصة في مناطق مثل جنين ونابلس وطولكرم.”
ويؤكد أن نشر فرقة جلعاد يعكس حالة استنفار استباقية، ضمن الاستعدادات الإسرائيلية لأي توسع في المواجهة الإقليمية أو إعادة تعريف حدود الاشتباك.
هل نشر جلعاد تهديد مباشر للأردن؟
يرى أبو زبيدة أن التحشد الإسرائيلي يبعث برسائل استراتيجية خطيرة إلى الأردن، لكنه لا يمثل تهديدًا مباشرًا في هذه المرحلة.
ويشرح: “إسرائيل بدأت تتعامل مع الحدود الشرقية كجبهة محتملة للصراع، دون أن يكون هدفها إسقاط النظام الأردني، بل التلويح بوجودها العسكري للضغط سياسيًا أو استخباريًا إذا اقتضت مصالحها الإقليمية.”
ويضيف: ” أن أي خلاف مع الأردن قد لا يكون عسكريًا مباشرًا، بل ربما يأخذ أشكالًا استخبارية أو اقتصادية أو سيادية سياسية، بهدف إعادة ضبط بوصلته في ملفات مثل القضية الفلسطينية أو محور المقاومة أو العلاقة مع إيران”.
وحذر من أن الأردن قد يجد نفسه داخل حسابات صراع لا يرغب بها، خصوصًا في ظل تفاقم الأزمة الإقليمية واحتمالات التصعيد مع إيران أو أطراف أخرى.
توتر متصاعد في العلاقات الأردنية الإسرائيلية
تشهد العلاقات بين الأردن وإسرائيل توترًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، انعكس في تصريحات سياسية وتحركات ميدانية متسارعة. فقد برز الخلاف بشكل حاد عقب العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، حيث دانت عمان بشدة ما وصفته بـ”الانتهاكات والجرائم بحق الشعب الفلسطيني”، معتبرة أن هذه السياسات تهدد الأمن الإقليمي برمته.
كما توترت العلاقات بسبب اقتحامات المسجد الأقصى المتكررة من قبل المتطرفين اليهود تحت حماية شرطة الاحتلال، وهو ما تعتبره الأردن مساسًا مباشرًا بـ وصايتها الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وقد حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مرارًا من أن استمرار الانتهاكات قد يقود إلى انفجار كبير في المنطقة.
هل يرتبط التحرك بالنظرية الإسرائيلية للشرق الأوسط الجديد؟
يؤكد أبو زبيدة أن إسرائيل تنظر للأردن كدولة محورية في الصراع الإقليمي، لكنها ترى أن دوره كحاجز استقرار بدأ يتآكل، ما يدفعها للتفكير بخيارات بديلة ضمن ما تسميه “إعادة صياغة الشرق الأوسط”.
ويقول: “ليس من المستبعد أن تلجأ إسرائيل لافتعال أزمات أمنية أو استخبارية عند الحدود لتبرير تدخلات مستقبلية أو فرض معادلات جديدة، كما تفعل في لبنان وسوريا. لكنها تدرك في الوقت نفسه أن إضعاف الأردن أو انهياره لا يخدم مصالحها المباشرة، لذا تتحرك ضمن هامش دقيق: تهديد وضغط سياسي دون إسقاط النظام القائم.”
ويختتم أبو زبيدة حديثه بالتأكيد على أن حماية الأردن وسيادته تتطلب: “تعزيز التنسيق الاستخباري والعسكري مع الأطراف الإقليمية الفاعلة، ورفض أي تدخل أو عدوان إسرائيلي في المحافل الدولية، وامتلاك زمام المبادرة وعدم الاكتفاء بالمراقبة السلبية”، ويشدد على أن حماية الأردن وسيادته تبقى بيد الأردنيين، الذين يجب أن يمتلكوا زمام المبادرة.
ويرتبط الأردن مع إسرائيل بحدود تبلغ 238 كيلومترا، وزادت إسرائيل حضورها على هذه الحدود بالتزامن مع بدء عدوانها على قطاع غزة، حيث تعتمد تل أبيب على تقنيات الذكاء الاصطناعي والطيران المسيّر والمستشعرات الليلية والنهارية في مراقبتها، وفق وسائل إعلام عبرية.
وحسب الخبير الأمني والعسكري فإن نشر إسرائيل لفرقة “جلعاد 96” على حدودها الشرقية يمثل رسالة ردع موجهة لإيران ووكلائها، ويعكس تحسبًا لأي اختراق أمني عبر الأردن، في ظل مرحلة وصفها مسؤولون عسكريون إسرائيليون بأنها إعادة رسم لحدود الاشتباك الإقليمي بأكمله.
اقرأ أيضاً|| تفاصيل اتفاق وشيك في غزة.. خبراء يكشفون بنوداً وتحولات استراتيجية كبرى في المنطقة
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية