في إعلان مقتضب ودون نشر قرار رسمي، صرح رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السوري، أشهد الصليبي، بتغيير اسم “المؤسسة العامة للطيران المدني” في سوريا” ليصبح “الهيئة العامة للطيران المدني” وباتت تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، بعد أن كانت المؤسسة سابقًا تتبع لوزارة النقل.

الصليبي عزا تغيير المؤسسة إلى هيئة بأنه قرار يأتي ضمن خطة لإعادة هيكلة قطاع الطيران وتفعيل الرقابة والإشراف على عمل الشركات، وذلك في مقابلة تلفزيونية أجراها مع “الإخبارية السورية“، في 27 من حزيران الحالي.

أثار القرار، الذي لم توضح الحكومة السورية أسبابه، ردود فعل واسعة، إذ اعتبره البعض حصرًا للسلطة بيد الرئيس وبالتالي إحكام سيطرته على أبرز القطاعات التي توفر مصادر أموال خزينة الدولة، وذلك بعد أن سبق للرئاسة إحداث “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية” في نهاية كانون الأول 2024.

ووفق القرار حينها أحدثت هيئة عامة للمنافذ البرية والبحرية مرتبطة بالمجلس الوزاري، وتتمتع بالاستقلالية الإدارية والمادية، وتتولى عمليات الإشراف والتنظيم للدخول والخروج الإنساني والتجاري، والإشراف على شؤون الملاحة البحرية وأعمال النقل البحري وتملّك واستئجار السفن التجارية والعقارات اللازمة لأعمالها.

اللحظات الأولى لهبوط الطائرة السورية واستقبال المسافرين في مطار حلب الدولي في موعد افتتاحه 19 آذار 2025 (الهيئة العامة للطيران المدني)

اللحظات الأولى لهبوط الطائرة السورية واستقبال المسافرين في مطار حلب الدولي في موعد افتتاحه 19 آذار 2025 (الهيئة العامة للطيران المدني)

غير قانوني

تعد الهيئة العامة وكالة منشأة من قِبل الحكومة في سبيل تعزيز الاقتصاد لتحقيق أغراض عامة، ووفقًا لهذا المبدأ، تعمل الهيئة العامة خارج الإطار الحكومي المُعقّد في سبيل تحقيق موارد وخدمات جيدة وذات كفاءة تنعكس على المستفيدين خدميًا، وعلى الحكومة ماليًا، وعلى الاقتصاد من ناحية استحداث قطاعات جديدة.

المحامي السوري ميشيل شماس، اعتبر أن استبدال تسمية “مؤسسة الطيران” بـ”هيئة الطيران المدني” وإلحاقها برئاسة الجمهورية، قرارًا غير قانوني، إذ يجب أن يصدر بقانون أو مرسوم تشريعي، كون المؤسسة أنشئت بموجب القانون “25” لعام 1961، ولا يمكن تغيير تسميتها أو تبعيتها إلا بقانون.

وأضاف شماس، في منشور له عبر “فيس بوك”، أن قرار تبعية هيئة الطيران المدني لرئيس الجمهورية، يحمل بعدًا سياسيًا واضحًا يهدف إلى السيطرة الكاملة على قطاع استراتيجي، ويعكس غياب الثقة بالاستقلال المؤسسي، ويكشف بوضوح الجانب السلبي بتعيين أشخاص ليس لديهم فهم في القانون ولا دراية في كيف تدار مؤسسات الدولة، وفق تعبيره.

تجاوز بيروقراطية وسط مخاوف

الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” إياد حميد، قال في حديث إلى، إن ‎القانون السوري يُجيز تحويل تبعية مؤسسات من وزاراتها إلى هيئات مستقلة تتبع لرئاسة الجمهورية، بشرط أن يتم ذلك بمرسوم أو قانون وفقًا للأصول الدستورية.

هذا التحول يعكس توجهًا نحو تعزيز فعالية الأداء وتقليص البيروقراطية، وفق ما يرى الباحث إياد حميد، إلا أنه يثير تساؤلات حول مبدأ التوازن بين المركزية التنفيذية والاستقلال المؤسسي، خاصة في حال غياب آليات رقابة فعالة تضمن الشفافية والمساءلة.

ويعتقد إياد حميد، أنه في ظل الوضع في سوريا عقب سقوط النظام وسط ترهل المؤسسات الحكومية، قد يكون تحويل مؤسسة ما إلى هيئة مستقلة أمرًا ميسرًا لتجاوز العقبات البيروقراطية، لكن بالطبع يثير المخاوف من تمركز السلطة وخاصة في حالة غياب الشفافية والمساءلة.

مبررات مشروعة

بالنظر لتجارب دول عديدة في إنشاء هيئات مستقلة إداريًا، نلاحظ أن هناك مبررات مشروعة لإنشاء مثل هذه الهيئات، مثل التخصص التقني المتقدم، والمرونة الإدارية في سرعة اتخاذ القرار والابتعاد عن الروتين والبيروقراطية المستشرية في المؤسسات الحكومية، وفق ما يرى الباحث الاقتصادي، ملهم الجزماتي، في حديث إلى.

ويرى الجزماتي، أن مثل هذه الهيئات في بعض الأحيان يساعد البلدان على الامتثال للمعايير والمتطلبات الدولية، فمنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، على سبيل المثال، تشجع الدول على إنشاء هيئات طيران مدني مستقلة لضمان الامتثال للمعايير الدولية وتحسين مستوى السلامة والأمان.

أيضًا في قطاع الطيران المدني، يمكن للهيئة المستقلة أن تطور مصادر دخل متنوعة من خلال تحسين الخدمات، وتطوير خدمات جديدة، وتحسين كفاءة العمليات. بحسب ما يرى الباحث.

هذا قد يشمل تطوير الخدمات التجارية في المطارات، وتحسين خدمات الشحن، وتطوير برامج تدريب متخصصة.

تتيح الاستقلالية المالية أيضًا للهيئة إعادة استثمار أرباحها في تطوير البنية التحتية والخدمات، بدلًا من تحويلها إلى الخزينة العامة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى دورة إيجابية من التحسين المستمر والنمو المستدام.

وصول أول طائرة من شركة "فلاي دبي" للطيران لمطار دمشق - 1 من حزيران 2025 (الهيئة العامة للطيران المدني السوري)وصول أول طائرة من شركة "فلاي دبي" للطيران لمطار دمشق - 1 من حزيران 2025 (الهيئة العامة للطيران المدني السوري)

وصول أول طائرة من شركة “فلاي دبي” للطيران لمطار دمشق – 1 من حزيران 2025 (الهيئة العامة للطيران المدني السوري)

يحسن الأداء ويخفف الأعباء

حول أثر تحويل المؤسسات إلى هيئات مستقلة في الحالة السورية تحديدًا، يعتقد ملهم الجزماتي أنه من الناحية النظرية يفترض أن يخفف ذلك الأعباء المالية والإدارية على الوزارات المعنية.

هذا التخفيف يتجلى في عدة جوانب مهمة، منها تخفيف الأعباء التي تتحملها الوزارات لتشغيل المطارات مثلًا وكما هو معلوم في حالة خسارة حاليًا، أي أنه ليس لها إيراد مالي حقيقي يمكن أن تخسره هذه الوزارات.

وبالتالي، عندما تتحول مؤسسة الطيران المدني إلى هيئة مستقلة، تنتقل تكاليف تشغيلها من موازنة وزارة النقل إلى موازنة منفصلة، هذا يعني أن الوزارة لن تعود مسؤولة عن تمويل رواتب الموظفين، وتكاليف الصيانة، ونفقات التطوير، والاستثمارات الرأسمالية المطلوبة لتحديث المطارات والمعدات.

هذا التحول المالي يتيح للوزارة إعادة توجيه مواردها المحدودة نحو أولويات أخرى قد تكون أكثر إلحاحًا، وزارة النقل، على سبيل المثال، قد تستطيع التركيز أكثر على تطوير شبكة الطرق، أو تحسين النقل العام، أو تطوير البنية التحتية للنقل البحري، هذا التركيز المتزايد قد يؤدي إلى تحسين الأداء في هذه المجالات.

ولكن من ناحية أخرى، فإن إنشاء هيئة مستقلة يتطلب استثمارات كبيرة في البداية، تشمل تكاليف إنشاء الهيكل الإداري الجديد، وتطوير الأنظمة والإجراءات، وتدريب الموظفين، ونقل الأصول والمعدات، هذه التكاليف غالبًا سوف تقع على عاتق خزينة الدولة، بحسب ما يعتقد الجزماتي.

ويعتقد الباحث الاقتصادي ملهم الجزماتي أن هناك مبررات تقنية وإدارية لتحقيق نوع من الاستقلالية لبعض القطاعات الحيوية في البلاد، مثل المعابر الحدودية والطيران المدني ذات المردود المادي العالي، ولكن ما يثير القلق هو غياب نظام واضح للمساءلة والرقابة على هذه الهيئات، خاصة في مثل هذا التوقيت الذي يغيب فيه مجلس تشريعي ورقابي عن المشهد السياسي السوري.

واعتبر الجزماتي، أن تحويل المؤسسات الحكومية إلى هيئات مستقلة ليس حلًا سحريًا لمشاكل الإدارة العامة، كما أنه ليس بالضرورة مؤامرة لتركيز السلطة، “الحقيقة تقع في مكان ما بين هذين الطرفين، وتتطلب تحليلًا دقيقًا ومتوازنًا لكل حالة على حدة”، وفق تعبير الباحث.

كانت مسألة إحداث الهيئات العامة في سوريا معروفة منذ وقت بعيد، إلا أن النظام السابق كان قد اتخذ من إنشاء الهيئات العامة بين 2008 و2009 نهجًا إصلاحيًا لتحسين كفاءة القطاع العام في إدارة الاقتصاد السوري، مثل “الهيئة العامة للتمويل العقاري” و”هيئة تنمية البادية السورية”، و”الهيئة العامة للثروة السمكية” وغيرها من الهيئات، بحسب تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” في 2022.

فيما لجأ خلال السنوات الأخيرة قبل سقوطه إلى إنشاء أو تحويل المؤسسات إلى “هيئات مستقلة” كسياسة اتبعها للبحث عن آليات لتنويع مصادر الحكومة “في سبيل رد الدين المتراكم لحلفائه، وتعزيز قدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم أعمالها”، وفق التقرير.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.