لا شك في أن التاريخ سيضع ثورة 30 يونيو 2013 ضمن المحطات المفصلية في تاريخ مصر لما حققته من تصحيح المسار السياسي وإعادة هيبة مؤسسات الدولة، والسير في مرحلة جديدة من البناء والتطوير.
وشهدت مصر خلال السنوات الـ12 الماضية، تحولات كبرى طالت البنية التحتية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي، كما شهدت تحولًا جذريًا في السياسات الداخلية والخارجية.
وتحاول «» خلال السطور التالية استعراض أبرز ما تم إنجازه على يد «دولة 30 يونيو» سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ12 للثورة.
تحول اقتصادي.. من الانهيار للنمو
واجهت مصر عقب ثورة 30 يونيو تحديات اقتصادية هائلة، تمثلت في عجز الموازنة وتراجع في الاحتياطي النقدي، وانهيار شبه كامل لقطاع السياحة، وتراجع كبير في الاستثمارات الأجنبية.
وتيقنت دولة 30 يونيو سريعا ضرورة إجراء إصلاح اقتصادي واسع لإنقاذ الأوضاع، لتطلق الحكومة في نوفمبر 2016 برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، والذي تضمن حزمة من الإجراءات الصعبة لكن الضرورية، مثل تحرير سعر الصرف، ورفع الدعم تدريجيًا عن الوقود والكهرباء، وإقرار ضريبة القيمة المضافة.
ورغم الصعوبات الاجتماعية التي صاحبت تلك الإجراءات، إلا أنها حققت نتائج ملموسة على المدى المتوسط، بعدما ارتفع الاحتياطي النقدي من 16.5 مليار دولار في 2016 إلى أكثر من 40 مليار دولار في 2024، وانخفض العجز الكلي للموازنة العامة للدولة بنحو 92 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو وحتى نهاية نوفمبر من العام المالي الحالي 20242025، ليصل إلى 560.6 مليار جنيه ما يعادل 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورغم معاناة المصريين سنوات طويلة من دفع فاتورة قاسية نتاج الإصلاح الاقتصادي، إلا أن الدولة حرصت على تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة لتشكيل قاطرة للتنمية وخلق فرص عمل للشباب، علاوة على إطلاق العديد من برامج الحماية الاجتماعية ومشروعات الإسكان الاجتماعي.
ووصل عدد برامج الحماية الاجتماعية إلى أكثر من 22 برنامجًا بتكلفة سنوية تتجاوز 635 مليار جنيه وعلى رأسها برنامج تكافل وكرامة الذي يشمل 4.7 مليون أسرة مستفيدة حسب الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء.
العاصمة الإدارية الجديدة
فاجأ الرئيس السيسي، المصريين في بداية حكمه بإعلانه العزم على إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة على بُعد 45 كيلومترا من وسط القاهرة بتكلفة تقدر بـ58 مليار دولار.
وأحدثت العاصمة الجديدة نقلة نوعية في مفهوم المدن الذكية، لتضم قصر رئاسي جديد، ومقر للبرلمان، ومقرات وزارية جديدة، وحيًا دبلوماسيًا على أعلى مستوى، وأطول برج في إفريقيا، ومدينة طبية متكاملة، ومسجدًا كبيرًا يتسع لعشرات الآلاف.
وبشكل فعلي انتقلت الوزارات للعمل بشكل فعلي داخل العاصمة الإدارية في مارس من عام 2023.
وبذلت الدولة جهودا كبيرا في تطوير البنية التحتية والطرق والكباري والمواصلات، لتنفذلتنفذ وزارة النقل خطة تطوير شاملة خلال الفترة من 2014 وحتى 2024، بتكلفة إجمالية 2 تريليون جنيه: «530 مليار جنيه الطرق والكباري 225 مليار جنيه السكك الحديدية 1100 مليار جنيه الأنفاق والجر الكهربائي 129 مليار جنيه الموانئ البحرية 15 مليار جنيه الموانئ البرية والجافة والمناطق اللوجيستية 4 مليارات جنيه النقل النهري».
وقال الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الصناعة والنقل، إنه خلال السنوات العشر الماضية تم التخطيط لإنشاء طرق جديدة بإجمالي أطوال 7000 كم بتكلفة 175 مليار جنيه وتم الإنتهاء من تنفيذ 6300 كم منها بتكلفة 155 مليار جنيه وجاري العمل في 700 كم، كما تم التخطيط لتطوير وازدواج ورفع كفاءة 10 آلاف كم من شبكة الطرق الحالية بتكلفة 130 مليار جنيه وتم الإنتهاء من تنفيذ 8400 كم منها.
وأضاف أنه تم التخطيط لإنشاء عدد 35 محور جديد على النيل ليصبح إجمالي عدد محاور وكباري النيل 73 محور وكوبري بدلًا من 38 محور وكوبري قبل يونيو 2014، علاوة على إنشاء 1000 كوبري ونفق بتكلفة 140 مليار جنيه ليصبح الإجمالي 2500 كوبري ونفق.
قناة السويس
وشهدت قناة السويس نقلة نوعية بفضل ثورة 30 يونيو لتتحول من مجرد ممر ملاحي إلى مركز اقتصادي واستثماري عالمي بامتياز.
ومثلت ثورة 30 يونيو 2013 نقطة تحول حاسمة في مسار تطوير القناة، حيث وضعت القيادة السياسية خطة طموحة لتعظيم الاستفادة من هذا المرفق الاستراتيجي الذي يعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية؛ لتقوم الدولة سريعا بإنجاز مشروع شق تفريعة موازية للقناة عام 2015 بطول 35 كيلو مترا بتكلفة وصلت لـ8.2 مليارات دولار لتقليل زمن التقاطر لـ11 ساعة بدلا من 18 ساعة.
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن إيرادات قناة السويس شهدت تطورًا ملحوظًا خلال العقد الماضي، حيث تجاوزت القيمة الإجمالية للإيرادات 59.7 مليار دولار.
ومرت هذه الإيرادات بمراحل متعددة، بدأت بتراجع طفيف في الأعوام الأولى بعد الثورة، حيث سجلت 5.37 مليار دولار عام 2013/2014، ثم 5.36 مليار دولار عام 2014/2015 بانخفاض نسبته 0.1%، تلاه انخفاض إلى 5.1 مليار دولار عام 2015/2016 بنسبة 4.5%.
لكن الصورة بدأت تتغير جذريًا مع تنفيذ المشروعات التطويرية الكبرى، حيث شهد العام المالي 2017/2018 قفزة كبيرة في الإيرادات بلغت 15.4% لتصل إلى 5.7 مليار دولار.
واستمر هذا المنحنى التصاعدي في السنوات التالية، مسجلًا 5.8 مليار دولار عام 2019/2020، ثم 5.9 مليار دولار عام 2020/2021.
وحققت القناة إنجازًا في العام المالي 20212022 عندما تجاوزت إيراداتها حاجز الـ7 مليارات دولار بنمو بلغ 18.4%، ثم قفزت إلى 8.8 مليار دولار في العام التالي 2022/2023 بمعدل نمو مذهل وصل إلى 25.2%، بل أخذت في التراجع أواخر عام 2024 بنسبة 61% لتسجل 3.99 مليار دولار، مقابل 10.25 مليار دولار في عام 2023، نتيجة التوترات الجيوسياسية وحرب غزة وتصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية.
المليون ونصف فدان.. حلم الاكتفاء
ولم تتوقف طموحات دولة 30 يونيو عند هذا الحد، بل سارت في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية وتقليل الفجوة بين الاستيراد والإنتاج والاستهلاك المحلي بإطلاق مشروع المليون ونصف فدان.
ويهدف المشروع لاستصلاح 1.5 مليون فدان وتكوين مجتمعات عمرانية زراعية متكاملة بتكلفة قدرت وقتها بـ8 مليارات جنيه؛ ليشهد المشروع جمع أول حصاد قمح من منطقة سهل بركة بواحة الفرافرة في مايو 2016.
وينطلق المشروع من 8 محافظات وهم «قنا أسوان المنيا الوادي الجديد مطروح جنوب سيناء الإسماعيلية الجيزة».
ويستهدف المشروع زيادة مساحة الرقعة الزراعية لـ9.5 مليون فدان بزيادة تصل لـ20%، والاستفادة من المياه الجوفية وزيادة صادرات مصر من المحاصيل الزراعية وإقامة صناعات مرتبطة بالنشاط الزراعي والثروة الحيوانية والصناعات الغذائية.
بدوره، أكد المهندس عمرو عبد الوهاب، رئيس شركة تنمية الريف المصري الجديد، بأن هذا المشروع العملاق يمثل مرحلة أولى ضمن خطة طموحة أوسع نطاقًا تهدف إلى استصلاح وتنمية ما يقارب أربعة ملايين فدان على مستوى الجمهورية، وفقًا لتوجيهات القيادة السياسية ورؤيتها المستقبلية لمصر.
وأوضح عبد الوهاب أن المشروع يسعى إلى تحقيق تحول جذري في الخريطة الزراعية والصناعية والسكانية لمصر، من خلال إنشاء مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة الخدمات، مزودة بأحدث البنى التحتية والمرافق العامة، مما سيسهم بشكل فعال في إعادة توزيع الكثافة السكانية وتخفيف الضغط عن مناطق الوادي والدلتا التقليدية.
إنهاء أزمة الإسكان
وتمكن صندوق الإسكان الاجتماعي، من تحقيق إنجازات عديدة كان من أبرزها استعادة ثقة المواطنين في مشروعات الدولة، بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في التخفيف من حدة أزمة السكن، خاصة بين الفئات محدودة الدخل.
ومن جانبها، قالت مي عبد الحميد، رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري، إنه تم إطلاق 18 إعلانًا ضمن المبادرة الرئاسية «سكن لكل المصريين» منذ عام 2014 وحتى الآن، والتي تستهدف المواطنين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط.
وأوضحت أن هذه الإعلانات شملت طرح 935 ألف وحدة سكنية، بالإضافة إلى 70 ألف وحدة أخرى قيد الطرح حاليًا.
وأكدت أن الصندوق قد انتهى من تنفيذ 694 ألف وحدة سكنية، تمثل ما نسبته 53% من إجمالي الوحدات السكنية الحكومية، بينما يجري العمل حاليًا على استكمال بناء 246 ألف وحدة أخرى.
توطين الصناعات
ومع تحقيق إنجازات ملموسة على مستوى الإصلاح الاقتصادي والبنية التحتية، خاضت الدولة الرحلة الأصعب في إعادة هندسة قطاع الصناعة أملا في توطين الصناعات وزيادة حجم الصادرات وتحويل مصر إلى مركز صناعي محوري في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
وخلال 12 عام من العمل الشاق، ارتفعت أعداد المناطق الصناعية في البلاد بنسبة 21.5% بـ147 منطقة مقابل 121 منطقة صناعة عام 2014، بتكلفة بلغت أكثر من 10 مليارات جنيه.
وتعمل وزارة الصناعة على توطين 23 صناعة ومنها «مكونات الطاقة الشمسية ألبان الأطفال صناعة البوليستر المحركات الكهربائية زجاج السيارات بطاريات التخزين صناعة إطارات السيارات المعدات»، مستهدفة زيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 20% عام 2030 بدلا من 14%، علاوة على توفير 8 ملايين فرصة عمل جديدة.
وفي هذا الصدد، قال الفريق كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، إن الخطة العاجلة للصناعة المصرية تهدف إلى تسريع وتيرة التطوير الصناعي وجذب الاستثمارات وتعزيز تنافسية المنتج المصري محليًا ودوليًا.
وأكد الوزير، أن الخطة تولي اهتمامًا خاصًا لدعم المصانع المتعثرة أو المتوقفة عن العمل أو غير المقننة، من خلال تقديم حلول متكاملة تشمل الدعم الفني والإداري والمالي لتمكينها من استئناف نشاطها بكفاءة، علاوة على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم الدعم الفني والتقني لدمجها في الاقتصاد الرسمي وسلاسل التوريد والإنتاج، مما يسهم في تعزيز مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي.
وقفزت مصر 11 مركزا في التصنيف العالمي بمؤشر تنوع القاعدة الصناعية المحلية، لتحتل المركز 34 في عام 2024، مقارنة بالمركز 45 الذي كانت تحتله في عام 2021، مما يعكس تحسنًا كبيرًا في تنوع الهيكل الإنتاجي حسب منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو).
وأبرز التقرير تحسنًا كبيرًا في أداء قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية، حيث ارتفع معدل النمو بنسبة 5.9 نقطة مئوية، وسجل القطاع نموًا بنسبة 7.1% خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2025، مقابل نسبة نمو متواضعة بلغت 1.2% فقط خلال الفترة المقابلة من عام 2013/2014
إعادة بناء الدولة
ما تحقق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي بفضل «رجال يونيو» لم يقل في أهميته عما جرى في السياسة المصرية، فبعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي، جاءت ثورة 30 يونيو لتعيد ترتيب البيت السياسي المصري، بإقرار دستور 2014 وتعديله في 2019، مع الحفاظ على مكتسبات الحريات العامة، بالإضافة إلى الدعوة في 2019 لمشاركة كافة الأحزاب والأطياف في حوار وطني واسع وإلقاء حجرا في المياه الراكدة استعدادا لانتخابات 2025 لمجلسي الشيوخ والنواب.
السياسة الخارجية المتوازنة
وتبنت مصر سياسة خارجية تقوم على التوازن، حيث عززت علاقاتها مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، كما تقوم بأدوارًا محورية في حل الأزمات الإقليمية في ظل تصاعد الصراعات بالمنطقة.
ولعبت «القاهرة» أدوارًا سياسية معقدة بنجاح كبير لتتحول المحروسة إلى مركز اللقاءات الدبلوماسية والمفاوضات عقب أحداث 7 أكتوبر والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة،ولم تترك بابًا إلا وطرقته لوقف نزيف الدم الفلسطيني ووقف إطلاق النار بشكل فوري في قطاع غزة، علاوة على إدخال المساعدات الإغاثية عبر معبر رفع.
ومع تصاعد الأحداث بين إيران وإسرائيل، رفضت مصر بشكل قاطع هذا العدوان على طهران، محذرة جميع الأطراف من خطورة تصاعد الأحداث وتحولها لحرب إقليمية واسعة.
مكافحة الإرهاب
ولا يمكن عند الحديث عن 30 يونيو، الانتهاء إلا بالإشارة إلى ما حققته الدولة في القضاء على الإرهاب، بعد موجة إرهابية عنيفة استهدفت مؤسسات الدولة، لتنجح القوات المسلحة والشرطة في القضاء على البؤر الإرهابية في سيناء عبر عمليات عسكرية منظمة، أبرزها عملية «سيناء 2018» التي أعادت الأمن والاستقرار إلى ربوع سيناء، وهو ما مهد الطريق لتحقيق كل ما سبق ذكره.