تشهد “سوق دمشق للأوراق المالية” اختلالًا في توازن العرض والطلب، عقب التحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها سوريا، وذلك منذ إعادة افتتاحه مطلع حزيران الحالي، بعد توقف دام أكثر من ستة أشهر.

وزير المالية السوري، محمد يسر برنية، قال خلال فعالية إعادة افتتاح السوق في 2 من حزيران الحالي، إن إعادة الافتتاح رسالة بأن الاقتصاد السوري بدأ بالتحرك والانتعاش، معتبرًا أن السوق سيكون شركة خاصة ومركزًا حقيقيًا لتطوير الاقتصاد ومواكبة التطورات الرقمية.

أُسس سوق “دمشق للأوراق المالية” بموجب المرسوم التشريعي رقم “55” لعام 2006، ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المادي والإداري، وله بهذه الصفة، تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها، والقيام بجميع التصرفات القانونية لتحقيق أهدافه، وله حق التقاضي.

يهدف السوق إلى توفير المناخ المناسب لتسهيل استثمار الأموال وتوظيفها، وتأمين رؤوس الأموال اللازمة لتوسيع النشاط الاقتصادي، من خلال ترسيخ أسس التداول السليم والواضح والعادل للأوراق المالية.

عزوف عن البيع.. إقبال نحو الشراء

خلال الشهر الأول لإعادة افتتاحها شهدت “سوق دمشق للأوراق المالية” إقبالًا غير مسبوق من المستثمرين الأفراد نحو شراء الأسهم المدرجة، مدفوعين بتفاؤل كبير بمستقبل الشركات السورية وإعادة الإعمار، وفق ما قال الخبير المالي في أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار، رامي العطار.

وأشار الخبير المالي، عبر “فيسبوك”، إلى أن هذا الإقبال تزامن مع عزوف شبه تام من قبل المساهمين الحاليين عن البيع، مما أدى إلى جمود شبه كلي في التداولات اليومية، وارتفاع كبير في الطلب غير المنفذ، وهو ما يهدد باستمرار توقف السوق رغم توفر المشترين.

وتعاني السوق حاليًا من نقص حاد في أوامر البيع، وارتفاع في أوامر الشراء دون تنفيذ، وتوقف التداول اليومي الفعلي، وتضرر شركات الوساطة من ضعف العمولات، وإرباك في آلية تسعير الأسهم، بحسب تحليل الخبير المالي.

قبل سقوط نظام الأسد، تأثر أداء سوق “دمشق” بشكل كبير خلال السنوات الماضية لأسباب سياسية واقتصادية، فضلًا عن أن العقوبات الغربية التي فرضت على سوريا أثرت على التداول في البورصة لأسباب تنظيمية وتقنية.

كان غياب الشفافية من قبل الشركات والمصارف، واقتصار الاستثمار فيها على شركات وقطاعات محددة، وغياب ثقافة الاستثمار في الأسهم، وشح المعلومات عن هذا القطاع الاقتصادي، يؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن الاستثمار في بورصة دمشق.

حالة طبيعية

نائب المدير التنفيذي للسوق، الدكتور سليمان موصلّي، قال ل، إن ما يجري في “سوق دمشق” من اختلال في توازن العرض والطلب، يمكن النظر إليه من جانبين إما سلبي أو إيجابي.

يتمثل الجانب الإيجابي في وضع السوق خلال الشهر الأول من العودة للعمل، بوجود موجة تفاؤل لدى المستثمرين الأمر الذي ينذر بأداء اقتصادي جيد في المستقبل.

انعكس هذا التفاؤل برغبة كبيرة لدى الأفراد بالشراء، فيما يوجد عزوف تام عن البيع، وعليه فالنتيجة الطبيعية وجود أوامر بيع قليلة وشراء كثيرة وبالتالي عدد صفقات أقل من المتوقع، وفق الدكتور سليمان موصلّي.

ويتأمل نائب مدير “سوق دمشق” دخول شركات جديدة إلى السوق لتعود الصفقات الضخمة وتعود العجلة للدوران.

مجلس إدارة "سوق دمشق للأوراق المالية" يستقبل عدد من الإعلاميين السوريين بدمشق- 4 حزيران 2025 (سوق دمشق)

مجلس إدارة “سوق دمشق للأوراق المالية” يستقبل عدد من الإعلاميين السوريين بدمشق- 4 حزيران 2025 (سوق دمشق)

مقترحات وحلول

الخبير المالي في أسواق الأسهم وصناديق الاستثمار، رامي العطار، اقترح أن يتم وضع خطة عملية قابلة للتنفيذ تعالج الخلل الحاصل في “سوق دمشق”، وتعيد التوازن للسوق وتضمن استمرارية التداول المنتظم والفعّال.

وأشار العطار جملة من المقترحات قابلة للتطبيق الفوري أو التدريجي، موصيًا بتشكيل لجنة مختصة من هيئة السوق وشركات الوساطة لمتابعة التنفيذ، مع مراجعة الأثر شهريًا لضمان تحقيق التوازن المستدام.

تتمثل المقترحات بما يلي:

  1. تفعيل نظام صانع السوق (Market Maker)، عبر ترخيص مؤسسات مالية أو شركات وساطة للقيام بدور صانع السوق، مع التزامهم بتوفير عروض بيع وشراء دائمة ضمن نطاقات سعرية محددة، وتقديم حوافز تنظيمية ومالية لهذه الجهات.
  2. تحفيز كبار المساهمين على البيع الجزئي المنظم، وذلك عبر التواصل مع المساهمين الرئيسيين (جهات حكومية، مصارف، شركات قابضة) لتوفير جزء من أسهمهم للتداول العام ضمن خطة تدريجية، مع توفير ضمانات بأن البيع لن يؤثر على سيطرتهم الإدارية.
  3. إطلاق آلية المزاد اليومي لتحديد الأسعار، عبر تنظيم جلسات مزاد في بداية أو نهاية كل يوم تداول لتحديد السعر العادل للأسهم من خلال التجميع المفتوح لأوامر الشراء والبيع، تشجع هذه الآلية البائعين على الانكشاف على السوق بناء على تحركات سعرية واقعية.
  4. تسهيل الصفقات المسبقة (Pre-Arranged Trades)، وذلك من خلال السماح للوسطاء بترتيب صفقات بيع وشراء متفاوض عليها مسبقًا بين الأطراف، ثم تسجيلها بشكل رسمي ضمن جلسات السوق.
  5. تعديل الحدود السعرية اليومية بشكل مؤقت و توسيع النطاق السعري المسموح به يوميًا (مثلًا ±10%) لتحفيز بعض المساهمين على البيع عند ارتفاع الأسعار.
  6. تنفيذ حملات توعية مالية موجهة للمساهمين، تهدف إلى تثقيف المستثمرين حول أهمية جني الأرباح، إعادة التوازن إلى المحافظ، وتنويع الاستثمارات، والتأكيد على أن البيع الجزئي لا يعني فقدان الثقة، بل هو سلوك استثماري رشيد.
  7. إطلاق صناديق مؤشرات (Index Funds أو ETFs)، أي إنشاء صناديق تتبع مؤشرات السوق تقوم بشراء وبيع الأسهم بشكل مستمر، ما يعزز التداول والسيولة.
من فعالية افتتاح "سوق دمشق للأوراق المالية"- 2 حزيران 2025 (سانا)من فعالية افتتاح "سوق دمشق للأوراق المالية"- 2 حزيران 2025 (سانا)

من فعالية افتتاح “سوق دمشق للأوراق المالية”- 2 حزيران 2025 (سانا)

تعويل على المال الأجنبي

من المرجّح أن يشهد سوق “دمشق للأوراق المالية” إقبالًا متزايدًا، وفق ما يرى عضو نقابة الاقتصاديين حسام أبو عمر، إلا أن هناك تحديات تتعلق بمستوى وعي المستثمرين المحليين وثقافتهم فيما يخص أهمية التداول في الأسواق المالية والعوائد المحتملة، لذلك، يُعوّل بشكل كبير على رأس المال الأجنبي، وكذلك على المستثمرين من أبناء الجالية السورية في الخارج، للمساهمة في تنشيط هذا السوق.

وأضاف حسام أبو عمر، في حديث سابق ل، أنه في الوقت الراهن يصعب تقديم تقديرات دقيقة لحجم الاستثمارات المتوقعة، خاصة على المدى القريب، إلا أن المؤشرات الأولية تعكس مناخًا واعدًا يستدعي العمل على رفع الوعي الاستثماري لدى المواطنين، وتوفير بيئة تنظيمية شفافة وآمنة لضمان استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

اقرأ أيضًا: خطوات لتجاوز البيروقراطية في سوق “دمشق للأوراق المالية”

المصدر: عنب بلدي

شاركها.