توصلت سويسرا، بعد أكثر من عقد من المفاوضات الشاقة، إلى اتفاق مع بروكسل يتيح لها الحفاظ على الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لكن الاتفاق الذي سيُطرح للاستفتاء، يشمل شروطاً صعبة، تتضمن تنازلات في مجالات الاقتصاد والهجرة والسلطة القضائية، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز”.

وتشير الصحيفة، إلى أن سويسرا تواجه خياراً سياسياً صعباً، إذ ستضطر لللتعامل مع شروط الاتحاد الأوروبي في قضايا شائكة، هي نفسها التي أفسدت العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

وفي حال الموافقة عليه، يُلزم الإطار الجديد، سويسرا، بمواكبة التغييرات في تشريعات الاتحاد الأوروبي في مجالات تشمل تنظيم السلع والهجرة والكهرباء والنقل، كما ستكون مُلزمة بالمساهمة بمبلغ 375 مليون يورو سنوياً في ميزانية الاتحاد الأوروبي.

ويشبه هذا الاتفاق، من نواحٍ عديدة، مسعى بريطانيا لتحقيق التوازن بين السيادة والوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي. وفي مايو الماضي اتفق التكتل الأوروبي وبريطانيا على عدد من التغييرات كجزء من “إعادة ضبط” العلاقات.

وقال مسؤول سويسري لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: “لقد شهدنا تزايداً في المشاركة والاهتمام من جانب البريطانيين بالمفاوضات التي نجريها مع بروكسل”.

وتأتي المفاوضات أيضاً في الوقت الذي تسعى فيه كل من لندن وبرن إلى تعميق علاقاتهما الدفاعية والأمنية مع الاتحاد الأوروبي، بعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بسحب الضمانات الأميركية التي دعمت أمن أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وقال أنطون سبيساك، الزميل المشارك في مركز الإصلاح الأوروبي: “لطالما كان الموقف العام للاتحاد الأوروبي هو أن المفاوضات السويسرية والبريطانية منفصلة، ​​ولكن عملياً، حرص مفاوضو الاتحاد الأوروبي على تجنب إرساء سوابق في إحدى المفاوضات قد تؤثر على الأخرى”.

استفتاء على شروط بروكسل

وسيتعين على سويسرا في المرحلة المقبلة، قبول أو رفض الصفقة، وهي عملية ستستغرق عدة سنوات.

وفي البداية، ستطرح الحكومة السويسرية مقترح الصفقة للتشاور حتى الخريف، ثم سيتم تسليم النص، الذي قد يشهد بعض التعديلات، إلى البرلمان لبدء مناقشته العام المقبل.

وتسعى الحكومة السويسرية إلى إجراء استفتاء بحلول يونيو 2027، وإذا تعذر ذلك، فقد يتم تأجيله إلى عام 2028، وذلك بسبب الانتخابات الوطنية المقررة في نفس الفترة.

ويشمل “التوافق الديناميكي”، أي التبني التلقائي للتغييرات التي تطرأ على قوانين الاتحاد الأوروبي، ستة مجالات رئيسية: الاعتراف المتبادل بمعايير السلع، والكهرباء، وسلامة الغذاء، والنقل الجوي والبري، وحرية التنقل. يمكن لبرن الضغط على بروكسل وأعضاء الاتحاد الأوروبي عند العمل على تحديثات تلك القواعد، لكن ليس لها رأي في النتيجة النهائية، وتواجه عقوبات إذا لم تطبق التغييرات.

وتقول الصحيفة، إن هذه النقطة ستزعج العديد من السويسريين، نظراً لتعودهم على النظام الديمقراطي المباشر. وقال خبير مالي مقيم في زيورخ للصحيفة: “لطالما اتبع السويسريون هذه القواعد. لكنهم يريدون أن تكون لديهم القدرة على الاختيار. هذا هو الفرق الرئيسي بالنسبة لنا”.

وتتضمن الاتفاقيات بنداً للتحكيم يضمن حل النزاعات من قبل لجنة مستقلة، بدلاً من محاكم الاتحاد الأوروبي، لمعالجة المخاوف السويسرية بشأن السيادة والاستقلال القانوني. ولكن عندما تتعلق القضية بقانون الاتحاد الأوروبي، يتعين على هيئة التحكيم أن تطلب من محكمة العدل الأوروبية، أعلى محكمة في الاتحاد، تفسيراً ملزماً.

وجادل كارل بودنباخر، المحامي والخبير في قانون الأعمال الدولي، بأن محكمة العدل الأوروبية ستكون السلطة القانونية الحقيقية وراء الكواليس. وقال: “المتقاضون ملزمون قانوناً بطلب رأي محكمة العدل الأوروبية في أهم القضايا، والحكم ملزم قانوناً لهيئة التحكيم. إنه في جوهره تمويه”.

معارضة داخلية

وكما هو الحال في بريطانيا، أصبحت ولاية محكمة العدل الأوروبية والتبني “الديناميكي” لقوانين الاتحاد الأوروبي، واحدة من أبرز النقاط التي يثيرها منتقدو هذه الصفقة في سويسرا.

وقال فيليب إرزينجر، الرئيس التنفيذي لمجموعة “كومباس/يوروبا” للصحيفة إن “التبني الديناميكي لقوانين الاتحاد الأوروبي وأحكام محكمة العدل الأوروبية يُغير في نهاية المطاف نظام الديمقراطية المباشرة في سويسرا. إنه يُضعف قدرتنا التنافسية”. 

وتجمع المجموعة المناهضة للاتحاد الأوروبي، التي أسسها مليارديرات في مجال الاستثمار الخاص ورواد أعمال آخرون، توقيعات لإطلاق مبادرة للتصويت العام على هذه المسألة.

ويعارض حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف هذه الاتفاقية، على الرغم من أنه حظي بدعم من اليسار. ولم تُصدر أحزاب الوسط، مثل الليبراليين، موقفاً بعد.

وهناك أيضاً مسألة معاقبة سويسرا في حال صوّتت بالرفض. ففي عام 2021، عندما انسحبت سويسرا من المحادثات، ردّ الاتحاد الأوروبي بتخفيض مستوى مشاركة سويسرا في مبادرة “أفق أوروبا”. وتقول “فاينانشيال تايمز” إن ذلك قد يتكرر ذلك إذا لم تتم المصادقة على الاتفاقية بنهاية عام 2028.

ورفض مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش، التعليق على أي إجراء محتمل. لكن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي صرّحوا لصحيفة “فاينانشال تايمز” بأن الإبقاء على الوضع الراهن ليس خياراً مطروحاً.

مع ذلك، يرى آخرون أن الوقت قد حان لإبرام اتفاقية مع أكبر شريك تجاري لسويسرا.

وقال جان كيلر، رئيس شركة إدارة الصناديق “كوايرو كابيتال” ومقرها جنيف: “نعيش هذه الأزمة منذ تسعينيات القرن الماضي. أوروبا هي أكبر شريك تجاري لنا، وعلينا حل المشكلة مؤسسياً بدلاً من حلها قطاعياً”.

وأضاف: “نعم، نحن بحاجة إلى التأكد من حماية أشياء مثل حقوق العمال، ولكن في النهاية فإن العثور على إطار عمل دائم لنا لممارسة الأعمال التجارية في أوروبا أمر ضروري”.

وسويسرا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وكانت قد رفضت في عام 1992 الانضمام للمنطقة الاقتصادية الأوروبية (EEA) بعد إجراء استفتاء شعبي. لكن رغم ذلك، ترتبط البلاد بأكثر من 100 اتفاقية ثنائية مع التكتل تهم مختلف المجالات مثل حرية تنقل الأفراد، والولوج للسوق الأوروبية الموحدة، والحدود المفتوحة (شينجن)، كما تجمع الطرفين اتفاقية للتبادل الحر.

شاركها.