– سدرة الحريري

قلعة “صلخد” ليست مجرد بقايا حجرية قديمة، بل هي شاهد حي على تاريخ عميق وحضارة متجذرة، وتُعدّ أول موقع رُفع فيه علم الثورة العربية على الأراضي السورية قبيل دخول جيش الملك فيصل، ما يمنحها رمزية وطنية وثقافية.

على مدى قرون، وقفت القلعة كحارس أمين على بوابة دمشق وبصرى الشام، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي المرتفع الذي يطل على مساحات شاسعة، لتكون نقطة دفاع حاسمة صدّت خلالها العديد من الهجمات، لعل أبرزها حملات الصليبيين، ولم تكن هذه الحصون مجرد معاقل عسكرية، بل كانت رموزًا للصمود والمقاومة، حيث حرصت الدول الإسلامية، من الأيوبيين إلى المماليك، على تعزيز تحصيناتها وضمان بقائها صامدة أمام التهديدات.

لكن رغم مكانتها التاريخية، واجهت القلعة واقعًا من الإهمال والتهميش، خصوصًا خلال سنوات الثورة السورية، حيث تحولت إلى ثكنة عسكرية مغلقة، وضُبطت فوقها أجهزة رصد ومعدات أمنية، ما حرم المدنيين من الاقتراب منها وجعلها بعيدة عن الأنظار.

هذا الاستخدام العسكري أطفأ نجم القلعة كمعلم ثقافي وطني، وقطع صلتها بالمجتمع وبذاكرتها الجمعية، لتبقى رمزية الصمود التي حملتها قرونًا محاصرة بين جدرانها المهملة، وسط غياب تام لأي جهود جادة للحفاظ عليها أو ترميمها، في معاناة تعكس جزءًا من مأساة الإرث الثقافي السوري الذي ينتظر من يعيد له الحياة والاعتبار.

 تاريخ من الإهمال والعسكرة

منذ بدء الثورة السورية، تعرضت قلعة “صلخد” لموجة من الإهمال والاستخدام العسكري الذي أضر بها، إذ استولى عليها جيش النظام السابق، وجعلها نقطة رصد عسكرية تابعة لوزارة الدفاع، بحسب ما أوضحه مدير مجلس مدينة صلخد، زياد سالم الريشاني.

وأضاف أن دخول بعض مناطق القلعة وتصويرها كان ممنوعًا، تحت ذريعة “الأسباب العسكرية”، ما حرم الموقع من أي تواصل مدني أو ترميم.

ولم يقتصر الأمر على الإغلاق، بل أدت الاستخدامات العسكرية إلى تخريب واضح في القلعة، إذ استُخدمت مرافق أثرية لسكن العسكريين وتخزين الأسلحة، مع إعادة تأهيل بدائية استخدمت فيها مواد غير مناسبة ولا تتماشى مع الطابع الأثري للموقع، ما أثر سلبًا على جمالية القلعة وقيمتها التاريخية.

على الصعيد ذاته، تسبب هذا الاستخدام في إهمال الصيانة والترميم، ما أدى إلى انهيارات في أجزاء من أسوار القلعة، كان أبرزها انهيار الجزء الشرقي منها، كما تضررت العديد من الأبنية الفرنسية والبيوت التقليدية (الخانات) والمغارات داخل القلعة خلال السنوات الماضية.

وحاولت مديرية الآثار سابقًا تنفيذ مشروع ترميم، إلا أنه لم يُنجز بالكامل، ما ترك الحجارة معرضة للسرقة والتخريب والعبث، إذ وصف الريشاني تلك المحاولة بأنها “مشروع فاشل وغير فعال عمليًا”، يعكس نقص الدعم والاهتمام اللازمين للحفاظ على هذا الإرث التاريخي المهم.

سرقة وتخريب يهددان قلعة “صلخد”

رغم تاريخها العريق وغناها الثقافي، تُعد قلعة “صلخد” من القلاع السورية التي لم تُدرج على قوائم “يونسكو” للتراث، ما حرمها من الاهتمام والترميم المستمر الذي تحظى به قلعتا “حلب” و”دمشق”.

وأوضح المسؤول الإعلامي في مجلس صلخد والعامل في المركز الثقافي، مزيد صبح، أن السبب الرئيس يعود إلى استمرار ملكية الموقع لوزارة الدفاع، ورفض نقلها إلى وزارة الآثار أو السياحة، ما عاق جهود الترميم والاستثمار السياحي على مدى عقود.

وقال صبح، إن المجتمع المحلي وجه العديد من المطالبات بإدراج القلعة كمعلم أثري وسياحي، لما لذلك من فوائد اقتصادية واجتماعية للمدينة، وللحفاظ على ما تبقى من آثارها، إلا أن كل هذه المحاولات اصطدمت بواقع ملكية وزارة الدفاع.

تفاقم الوضع بسبب غياب الرقابة وحماية الآثار، حيث يتعرض الموقع لسرقات متواصلة لحجارته الأثرية التي تعود لمئات السنين وتحمل تاريخًا حضاريًا غنيًا، وأشار صبح إلى أن السرقة مستمرة منذ عقود، لا سيما في فترة النظام السابق، إذ أُزيلت العديد من الحجارة المنقوشة ذات القيمة الكبيرة، ولم يبقَ منها سوى القليل.

وأعرب عن خشيته من تزايد العبث في ظل غياب القوانين أو الجهات التي تمنع هذه التجاوزات، مشيرًا إلى استمرار التنقيب غير المشروع داخل حرم القلعة ومرافقها بشكل واضح.

في السياق نفسه، أكد وضاح الحجلي، الناشط في مجال التراث والآثار، أن سرقة الحجارة ليست ظاهرة جديدة بل تمتد لسنوات طويلة، ويرجع ذلك إلى قلة وعي المجتمع المحلي بأهمية القلعة الثقافية والتاريخية.

وأشار إلى أن عمليات التنقيب غير الشرعي لا تزال مستمرة حتى الآن، وعزا تدهور قيمة القلعة إلى سنوات الإهمال التي شهدتها خلال حكم النظام السابق.

الطبيعة العقارية تعوق حماية القلعة

تواجه قلعة “صلخد” مشكلة قانونية وعقارية إضافية، حيث لا تُسجل في سجلات المصالح العقارية على أنها أرض أثرية تحتوي على موقع تاريخي، بحسب ما أوضحه المسؤول الإعلامي في مجلس المدينة والعامل في المركز الثقافي، مزيد صبح.

بدورها، أكدت مديرية آثار السويداء ل أن القلعة كاملة مع السفح، مسجلة كملك لوزارة الدفاع، ومصنفة في مخطط مدينة صلخد ضمن “منطقة الحماية الأولى”، وهي منطقة يمنع فيها البناء بشكل كامل حفاظًا على المظهر الأثري.

وأوضحت المديرية أن هناك إمكانية مستقبلية لتعديل هذا التصنيف، بحيث يُسمح بإنشاءات قابلة للإزالة مثل الهياكل الحديدية، لا تؤثر على الطابع العام للقلعة وتضمن عدم الإضرار بمظهرها التاريخي.

هذه القيود العقارية مجتمعة مع غياب الحماية والرقابة، أدت إلى تدهور حالة القلعة، التي باتت مهددة بالإهمال ومحرومة من أي فرص ترميم أو استثمار سياحي يعيد إليها الحياة، وسط مطالب متكررة من المجتمع المحلي والجهات الرسمية بنقل ملكيتها إلى وزارة الثقافة والتنسيق مع وزارة السياحة لإعادة تأهيلها وتنشيطها ثقافيًا وسياحيًا.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.