في ظل تسارع الحديث عن تفاوض سوري إسرائيلي غير معلن، وتباين الآراء حول طبيعته بين من يرى أنه قد ينتهي باتفاق سلام وآخرون يرون أنه سيصل إلى اتفاق أمني فقط، عادت قضية هضبة الجولان إلى واجهة النقاش مجددًا، فهي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 ثم أعلنت ضمها لاحقًا عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي رغم اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بها عام 2019، واليوم، تعتبرها إسرائيل جزءًا من سيادتها الكاملة، وهو ما أكده وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر حين قال مؤخرًا إن “الجولان خارج أي عملية تفاوضية”.

 

وبالنسبة للسوريين، الجولان هو ملف سيادي بامتياز لا يمكن شطبه من الذاكرة الوطنية، ورغم ذلك، تبدو الواقعية السياسية حاضرة، بعد طرح الإعلام العبري سيناريوهات جديدة لحل قضية الجولان.

 

هل السلام الشامل وارد الآن؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري ماجد عبد النور أن اتفاق سلام شامل بين سوريا وإسرائيل لا يبدو واردًا في هذه المرحلة.

ويقول: “مثل هذا المسار قد يكون ممكنًا فقط إذا انخرطت دمشق يومًا ضمن محور الاعتدال العربي وتبنت مشاريع التطبيع الإبراهيمي، لكن في الوقت الراهن تبدو الفكرة بعيدة تمامًا عن التنفيذ”.

 

عبد النور يوضح أن الحكومة السورية الحالية لن تجرؤ على اتخاذ خطوة من هذا النوع، إذ ستستفز الشارع السوري وتضعف شرعيتها داخليًا، فضلًا عن أن هكذا قرار يتطلب جهاز دولة قويًا، واستفتاء شعبيًا، ونقاشات برلمانية حقيقية، وهي جميعها عناصر يراها غائبة عن بنية الحكم الحالية في دمشق.

 

ولطالما كان السلام بين سوريا وإسرائيل معقدًا ومتعثرًا لأسباب تتجاوز ملف الجولان وحده، فغياب الثقة الاستراتيجية بين سوريا وتل أبيب، والوجود الإيراني الثقيل في سوريا، ونفوذ حزب الله الممتد إلى الجنوب، كلها عوامل جعلت أي اتفاق سلام شامل عملية شبه مستحيلة.

أما اليوم بعد التغييرات السياسية في سوريا فلاحت مظلة أمريكية قادرة على دفع هذا المسار نحو الأمام في الظروف الإقليمية الحالية، مع وساطات إماراتية والتركية نشطة مؤخرًا لفتح قنوات تفاوضية سرية بين الجانبين، على الأقل في الجانب الأمني.

 

سيناريوهات تقسيم الجولان.. بين الواقع والخيال

في المقابل، لا تتوقف بعض مراكز الدراسات والباحثين الأمريكيين والإسرائيليين عن طرح سيناريوهات متعددة، مثل تقسيم الجولان إلى ثلاثة أجزاء أو تحويله إلى منطقة سلام محايدة يتزلج فيها السوري إلى جانب الإسرائيلي.

عبد النور يصف هذه الطروحات بأنها “أشبه بالأحلام” البعيدة عن الواقع تمامًا. ويقول: “الجولان بات محسوماً لإسرائيل، وأي تفاوض مستقبلي قد يمنح السوريين بعض الامتيازات الاقتصادية أو السياحية في المنطقة، لكنه لن يصل إلى درجة إعادة الأرض إلى السيادة السورية إلا إذا تغيرت موازين القوى بشكل جذري”، وهو سيناريو لا يراه واردًا في المدى المنظور.

 

اتفاقيات أمنية بدلاً من سلام شامل

رغم استبعاد السلام، يرى عبد النور أن اتفاقيات أمنية بين دمشق وتل أبيب هي أمر ممكن جدًا، بل ويرجح حدوثه في الفترة المقبلة.

وبحسب ما كشفته تقارير Axios وynet وReuters، فإن المفاوضات الجارية بين الجانبين ليست سياسية بل أمنية بحتة، وتتم بوساطات إماراتية وأمريكية وتركية.

وهذه التفاهمات قد تركز على ضمان انسحاب جزئي إسرائيلي من بعض النقاط التي تقدمت إليها بعد سقوط النظام السوري، مقابل ضمانات واضحة تتعلق بخلو الجنوب السوري من الأسلحة الثقيلة والقواعد الإيرانية، إضافة إلى ترتيبات أمنية مشتركة أو وجود قوات متعددة الجنسيات لتأمين الحدود.

 

لبنان على طاولة التفاوض وسيناريو غريب

وكانت تقارير عبرية تحدثت عن سيناريو “غريب”، حيث يبدو أنه يشمل تغيير الحدود ليس فقط بين سوريا وإسرائيل بل يشمل لبنان، وحسب المعلومات فإن هناك أطروحة تتحدث عن إمكانية ضم مناطق من لبنان إلى سوريا مقابل التنازل الجزئي من سوريا عن الجولان.

من جانبه يوضح عبد النور أن أقصى ما يمكن أن تصل إليه المفاوضات مع لبنان هو حل ملف مزارع شبعا وترسيم الحدود، دون أي تغييرات جغرافية أو سياسية كبرى تتعلق بضم أراضٍ لبنانية أو إعادة رسم الحدود بعد سايكس بيكو.

لكنه يرى أن الوضع السياسي في لبنان نفسه قد يشهد تغييرات مستقبلية في حال ضعف حزب الله وتراجع النفوذ الإيراني، وهو ما قد يفتح المجال أمام تسويات سياسية جديدة دون مساس بالخرائط الحالية.

 

ورغم أن الخلاف الحدودي الأشهر بين لبنان وإسرائيل يتركز حول مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فإن لبنان وسوريا أيضًا بينهما خلافات حدودية لم تُحلّ منذ الاستقلال، حيث تعتبر مناطق عديدة على الحدود الشرقية والشمالية “متداخلة الهوية”.

ورغم توقيع عدة لجان مشتركة في العقود الماضية لرسم الحدود، لم يُستكمل أي اتفاق رسمي شامل بسبب اعتبارات سياسية وأمنية، أبرزها رفض دمشق الاعتراف بترسيم نهائي يعتبره كثيرون مقدمة لاعتراف ضمني بفصل لبنان عن سوريا بشكل كامل، وفق عقلية النظام البائد التي ظلت تعتبر لبنان امتدادًا جغرافيًا وسياسيًا واستراتيجيًا لها.

 

ولعل ملف ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان سيبقى عالقًا في المدى المنظور، رغم ضغوط دولية تطالب بيروت بحسمه، خاصة مع اتساع ملفات الغاز البحري والحدود البرية بالتزامن مع عودة الحديث عن تسويات إقليمية كبرى قد تشمل سوريا ولبنان معًا في المستقبل.

 

مناورة أم واقع تفاوضي جديد؟

يختم عبد النور تحليله بالإشارة إلى أن ما يجري اليوم ليس مجرد مناورة سياسية بين سوريا وإسرائيل، بل هو نتيجة مباشرة للضغوط الكبيرة التي تتعرض لها دمشق بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل خلال الأشهر الماضية، والتلويح بعصا العقوبات الأمريكية من جهة ثانية، وإعادة دمج سوريا بالعالم سياسيا واقتصاديا، وهذه التطورات دفعت الإمارات والسعودية وأذربيجان إلى دخول خط الوساطة لتهدئة التوتر وفتح قنوات تفاهم سرية، تتركز على ترتيبات أمنية تمنح إسرائيل ضمانات واضحة، خصوصًا فيما يتعلق بوجود الجيش السوري وانتشاره قرب الحدود وخفض قدراته الصاروخية الثقيلة.

 

ورغم كل السيناريوهات التي تطرح، يبقى الواقع وفق مصادر سياسية وخبراء تقض أن كل هذه المفاوضات محصورة ضمن الأطر الأمنية الضيقة، دون أن تلامس حتى الآن جوهر الصراع التاريخي بين الجانبين أو تفتح الطريق نحو سلام شامل يعيد صياغة خريطة المنطقة.

 

اقرأ أيضاً|| السلام بين سوريا وإسرائيل برعاية أمريكية.. هل اقترب الموعد وما هي الشروط؟

سيناريوهات تقسيم الجولان وضم طرابلس لسوريا.. ماذا يدور في فلك المفاوضات “السرية” بين دمشق وتل أبيب

https://www.youtube.com/watch?v=5Oegiz1XU

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.