– مارينا مرهج
ينتظر ما يقارب 4000 موفد خارج سوريا، منذ سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، صدور قرارات تنصفهم ليتمكنوا من العودة إلى سوريا، بعد أن استنكفوا عن العودة بسبب ظروف الحرب.
ورغم اختلاف الأسباب التي منعت هؤلاء الموفدين من العودة إلى سوريا، أو التي دفعتهم لمغادرتها بعد عودتهم من الإيفاد والالتحاق بالوظيفة، فإن السياسات والقوانين النافذة حينها شكّلت قاسمًا مشتركًا لخرق الشروط.
ومع سقوط النظام السابق، سارع الموفدون إلى تنظيم أنفسهم ضمن مجموعات تشاركية ومبادرات جماعية، للدفاع عن حقوقهم، والمطالبة بتسوية أوضاعهم، وتأمين رؤية عادلة لمطالبهم، وفتح قنوات تواصل مع الجهات الحكومية، لإزالة العقبات أمام عودتهم واندماجهم من جديد، للمساعدة في مرحلة بناء سوريا الجديدة.
الموفد هو الطالب الذي يتم إرساله من قبل وزارة التعليم العالي السورية أو جهة حكومية لإكمال دراسات عليا في الخارج، مع توقيع تعهد بالعودة إلى سوريا والعمل لمصلحة الجهة الموفِدة لمدة تعادل ضعف مدة الإيفاد.
تحدث موفدون عن تلاشي أحلامهم بعد صدور المرسوم الأول بحقهم، الذي لم يختلف عن المراسيم السابقة الصادرة عن النظام السابق، بل شكّل تكرارًا لها، وقد رفض الموفدون تسوية أوضاعهم وفق بنودها سابقًا.
تواصلت مع عدد من أعضاء المبادرات التي شكّلها الموفدون، عبر الانضمام إلى تجمعاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وإجراء اتصالات جماعية وفردية، للوقوف على أبرز المشكلات التي تعوق عودتهم، والمقترحات المقدمة من قبلهم إلى وزارة التعليم العالي، وردود الفعل التي تصادفهم في حراكهم.
مرسوم غير شامل
منح رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، الموفدين السوريين في الخارج، مهلة سنة لاستكمال إجراءات التعيين، في حال حصلوا على المؤهل العلمي المطلوب في قرار الإيفاد بعد تاريخ 15 من آذار 2011.
إلا أن المرسوم رقم “97” لعام 2025، الصادر في 26 من حزيران الماضي، لم يكن شاملًا لكل فئات الموفدين في الخارج، إذ تضمنت الحالات الفرعية المدرجة في المرسوم فقط:
- الموفد الذي لم يضع نفسه تحت التصرف خلال المدد التي حددها قانون البعثات العلمية.
- الموفد الذي تأخر في الحصول على المؤهل العلمي المطلوب بعد استنفاد المدد المحددة في قانون البعثات العلمية.
- الموفد الذي غيّر الجامعة أو المعهد الذي يدرس فيه.
- الموفد الذي غيّر اختصاصه بعد موافقة الجهة التي أوفد لحسابها.
بينما تتسع حالات الموفدين في سوريا إلى أكثر من ذلك، بحسب ما أورده أعضاء في المبادرات تواصلت معهم من خلال مكالمات جماعية أو فردية، وتضم الفئات غير المذكورة في القرار:
- الموفد الخارجي الذي أنهى إيفاده ولم يحصل على المؤهل العلمي.
- الموفد الخارجي الذي تم فصله تعسفيًا من الإيفاد.
- العائدون من الإيفاد الذين خدموا بصفة معيد عائد من الايفاد أو بصفة عضو هيئة تدريسية، ثم غادروا الوطن، وصدر بحقهم قرار بحكم المستقيل قبل أو بعد استكمال إجراءات التعيين.
- المعيدون غير الموفدين الذين اعتُبروا “بحكم المستقيلين”، أو الذين انتهت خدماتهم بسبب تجاوز مدة الإيفاد.
- الموفدون غير الراغبين بالعودة نتيجة ظروفهم والتزاماتهم في بلاد الإيفاد، والحاصلون على المؤهل المطلوب، لكن يرغبون بتسوية أوضاعهم.
إشكاليات تعوق الراغبين بالعودة
عقب صدور المرسوم، تحولت جهود أصحاب المبادرات لإيصال أصواتهم إلى المعنيين، قبل صدور التعليمات التنفيذية التي ترسم الأطر العامة لترتيب أعضاء الموفدين، من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي كما نصت عليه المادة الثالثة.
وانتقد الموفدون، خلال حديثهم ل، تأخر الوزارة في إجراء مسح بياني للموفدين خارج سوريا، لدراسة أوضاعهم وإصدار قرارات تتناسب مع مختلف فئاتهم كل منها على حدة.
ويعد غياب الصورة الواضحة والتصريحات عن الوضع العلمي والمالي للموفد الراغب والقادر على العودة خلال الفترة المحددة بالمرسوم، بعد أن حصل على مراكز متقدمة في ترتيبه العلمي خلال فترة وجوده خارج سوريا، واحدة من أبرز المشكلات التي تعوق اتخاذ القرار النهائي بالعودة، بالإضافة إلى قصر المدة الزمنية التي حددها المرسوم (سنة بعد صدوره)، والتي أجمع أغلبية الموفدين أنها “غير كافية” للعودة، وإنهاء جميع التزاماتهم في الدول المقيمين بها حاليًا والعودة إلى سوريا مع عائلاتهم.
كما يشكل الواقع الخدمي والمعيشي في سوريا عائقًا آخر أمام عودة الموفدين واستقرار معيشتهم، إذ إن قسمًا من الموفدين خسروا منازلهم وأملاكهم خلال فترة الحرب، وبعضهم ممن ليس لديه أملاك، وهذا ما يشكل عبئًا إضافيًا عليهم، خاصة في ظل ارتفاع الإيجارات في سوريا، وغلاء الأسعار، بالتزامن مع انخفاض أجور أعضاء الهيئة التدريسية والتفرغ العلمي، رغم الزيادة الأخيرة على الرواتب في سوريا.
وأشارت اللجنة المنتخبة عن المبادرة “التوافقية” إلى أن التسوية الإدارية التي يتضمنها المرسوم لا تراعي ظروف الموفدين أو تجذبهم للعودة.
اقتراحات مقدّمة للوزارة
لم تقف المبادرات مكتوفة اليدين بانتظار التعليمات التنفيذية، إذ وضعت نفسها بما يملكه أعضاؤها من خبرات وإمكانيات علمية وعملية بموقع المسؤولية في السعي لإيجاد حلول تساعد وزارة التعليم العالي، وقدمت عددًا من المقترحات للتسوية الإدارية والمالية ليتمكن الموفدون من العودة إلى سوريا، (اطلعت على نسختي المبادرتين “الوطنية التوافقية” و”الشاملة” لتسوية أوضاع الموفدين).
وبحسب اللجان المنتخبة عن المبادرات فإن الوزارة لم ترد على أي من المقترحات، ولم تحاول التواصل مع المبادرات وإجراء اجتماع مع ممثليها لمعرفة أهم المشكلات التي تعترضهم واقتراحاتهم.
واجتمعت أغلب بنود التسوية على تمديد الفترة الزمنية للعودة إلى أكثر من سنة وبما لا يتجاوز الأربع سنوات، وتسهيل وتسريع الإجراءات الإدارية مع إتاحة إمكانية البدء بهذه الإجراءات من بلد الإيفاد أو من خلال أحد الأقارب، ودراسة إمكانية حساب أقدميتهم في العمل من تاريخ حصولهم على المؤهل العلمي، وتخفيض مدة الالتزام مع الجهة الموفدة لتعادل عدد السنوات الإيفاد بدلًا من ضعفها.
أما الذين لم يتمكنوا من الحصول على المؤهل العلمي المطلوب ويرغبون بالعودة، والالتحاق بعملهم، فطالبت المبادرة بالعمل على تسوية أوضاعهم، خاصة الذين حصلوا على مؤهل جزئي في بلدان الإيفاد، لاستكمال تحصيلهم العلمي داخل سوريا، بالتزامن مع عملهم، أو تعديل أوضاعهم وفقًا لأعلى شهادة علمية حصلوا عليها.
كما طالبت بتسهيل إجراءات عودة الموفدين الذين التحقوا بوظائفهم سابقًا، واضطروا لتركها لأسباب مختلفة، نتيجة سياسات النظام السابق، بعد استكمال إجراءات التعيين، ليتمكنوا من العودة إلى عملهم والسماح لهم باستكمال إجراءات التعيين من مكان إقامتهم في الخارج، وتشكيل لجنة مختصة لمتابعة الحالات الخاصة، مثل الموفدين المفصولين بسبب دعم الثورة في سورية، والموفدين الذين تم إيقاف رواتبهم.
كما قدمت المبادرات عددًا من المقترحات للتسوية المالية، تختلف باختلاف فئات الموفدين المنضمين للمبادرة وأوضاعهم العلمية والعملية وأسباب تخلفهم.
وطالبت بإمكانية تسديد المبلغ بشكل شهري أو على دفعات حسب قدرة كل موفد، وأكدت ضرورة أن يشمل أي مرسوم أو تسوية مالية جميع الموفدين الذين صدرت بحقهم أحكام قطعية نهائية في المحاكم المختصة بعد تسديد كامل المبالغ المستحقة.
معاناة الكفلاء
لم تغفل المقترحات المقدّمة من المبادرة “الوطنية التوافقية” معاناة كفلائهم وورثتهم، الذين تعرضوا للضرر الأكبر نتيجة عدم مقدرة الموفدين على العودة إلى سوريا، إذ اقترحت المبادرة:
- إلغاء منع السفر عن الكفلاء.
- اتخاذ إجراءات تسمح للموفد العائد بأن يكون كفيله مرتبه الوظيفي، أسوة بدول الجوار كالعراق.
- أن يتم إنهاء الكفالة بمجرد عودة الموفد واكمال الإجراءات ووضع نفسه بشكل فعلي تحت تصرف الجهة الموفدة، لقاء إيداع مبلغ في بنك سوريا المركزي، ويتم استرداد هذا المبلغ بمجرد انتهاء فترة الالتزام مع الجهة الموفدة.
- في حال وفاة الكفيل، الإعفاء الكامل لورثة الكفيل من المطالبة المالية واقتصارها على الموفد.
تصريحات حكومية
أوضح وزير التعليم العالي والبحث العلمي، مروان الحلبي، خلال مشاركته في مؤتمر اتحاد الأطباء والصيادلة السوريين بفرنسا، في 29 من حزيران الماضي، أن الانظمة والقوانين لا تسمح بتحديد فترة زمنية طويلة، إلا أن هذه الفترة يمكن تمديدها بقرار وزاري بحسب الظروف.
وبين أن الهدف الأساسي من المرسوم الصادر، هو استقطاب الكفاءات والخبرات العلمية السورية الموجودة في الخارج، لتغطية النقص الموجود في الجامعات الحكومية السورية.
وأشار الوزير إلى أنه في حال إصدار تسوية مالية، سيعمد الموفدون إلى اتخاذ هذا الإجراء بدلًا عن التسوية الإدارية والالتحاق بالعمل لدى جامعات خاصة، وهذا يعوق تحقيق الهدف المرجو من استقطاب الكفاءات.
ونوه إلى أن الوزارة تتخذ قراراتها تدريجيًا وفق مراحل، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من عودة الموفدين.
المصدر: عنب بلدي