موفق الخوجة | أمير حقوق | مارينا مرهج

مضى نحو 100 يوم على تشكيل أول حكومة سورية، أعقبت سقوط النظام السوري السابق، وورثت بلادًا منهكة، وآمالًا معلّقة من السوريين بحلحلة الوضع المتأزم منذ سنوات.

الحرب السورية التي امتدت 14 عامًا، وسياسة النظام السابق، خلفتا دمارًا في البنيان والبنية التحتية والاقتصاد وصولًا إلى التركيبة المجتمعية، ما يستدعي حلولًا إسعافية، ترافقها خطط طويلة الأمد لإنقاذ البلد المدمر.

100 يوم لا تعتبر مدة زمنية كافية لتقييم حكومة واستعراض إنجازاتها وأخطائها، إلا أنها معيار لرؤية كل وزارة وما ترنو إليه خلال الفترة الانتقالية التي ستطول سنوات أخرى، وما تقدمه من سياسات حوكمية.

الحكومة الحالية اختلفت بأدائها بين وزارة وأخرى، مع اختلاف الشخصيات الممسكة بها وخلفياتهم ورؤاهم، فتقدمت وزارة على نظيراتها بالأداء، بينما بقيت وزارات أخرى خالية من أي إنجاز ترك أثرًا واضحًا على الأرض، ما يشير إلى خلل في بنيتها التنظيمية، وغياب التناغم بينها، رغم اللقاءات الدورية بين أفراد الوزارات.

تسلّط في هذا الملف الضوء على أداء الحكومة السورية خلال الـ100 يوم الماضية، وتشير فيه إلى مواضع الخلل والإنجاز، وتناقش السلبيات والإيجابيات مع باحثين وخبراء.

دخلت فصائل “ردع العدوان” فجر 8 من كانون الأول 2024 إلى العاصمة السورية دمشق، معلنة سقوط النظام السوري السابق، وإنهاء حقبة الحكم الشمولي التي قادها حافظ الأسد وابنه بشار الأسد، وانتهت بهروب الأخير إلى العاصمة الروسية موسكو، حليفته السابقة، تاركًا خلفه بلدًا يعاني من مشكلات في كل القطاعات.

بدأت ما سمّيت حينها “إدارة العمليات العسكرية”، وهي المظلة التي جمعت الفصائل التي أطاحت بحكم الأسد، بالإمساك بزمام الأمور الخدمية والأمنية، ونقلت حكومة “الإنقاذ” التي عملت في إدلب شمالي سوريا إلى العاصمة دمشق، لتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.

عملت الحكومة المؤقتة لنحو أربعة أشهر حتى أعلن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن أول حكومة بعد سقوط النظام، في 29 من آذار الماضي، بعد أحداث أربكت الوضع الأمني والاجتماعي عُرفت بأحداث الساحل السوري وما تبعها من أعمال ذات طابع طائفي وانتقامي.

الحكومة ذات الـ23 وزيرًا، طغى عليها طابع “التكنوقراط” واعتبرت جامعة للسوريين، باعتبارها ضمّت أشخاصًا من مختلف المكونات والطوائف، وحازت إشادة ومباركة دولية وأممية، وبالمقابل تلقت انتقادات من أطراف داخلية، أبرزها “الإدارة الذاتية” الذراع الحوكمية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

واحتفظت الحكومة بالحقائب السيادية، مثل الدفاع والخارجية والداخلية، التي تسلمتها شخصيات قدمت من “هيئة تحرير الشام” ومظلتها الحوكمية “الإنقاذ” بينما تسلّمت شخصيات أخرى من أصحاب الكفاءات والخبرات، وزارات ذات طابع عملي أكثر، مثل الاقتصاد والمالية والاتصالات وغيرها.

وفي حين دمجت وزارات في وزارة واحدة، مثل الطاقة، التي ضمت الكهرباء والنفط والمياه، ألغيت وزارات، واستحدثت أخرى جديدة، مثل الرياضة والشباب، ووزارة الطوارئ والكوارث.

هل تكفي 100 يوم للتقييم

استعرض الوزراء خططهم ورؤاهم خلال حفل التنصيب الذي جرى في قصر “الشعب”، واعدين بتحسين الوضع المعيشي على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، دون تقديم جداول زمنية أو خطط واضحة الملامح.

وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على تسلّمها، تثار التساؤلات حول أدائها، وتسلّط الأضواء حول إنجازاتها وإخفاقاتها، وسط بقاء الوضع المعيشي والاقتصادي في ركوده، رغم الإنجازات السياسية على المستوى الخارجي، والتي تمثلت بفكّ العزلة عن سوريا، ورفع العقوبات المفروضة منذ عشرات السنوات.

خبير الإدارة والحوكمة، ومدير “المعهد الأوروبي للمبادرات السياسية والتحليل الاستراتيجي”، باسم حتاحت، يرى في حديث إلى، أنه لا يمكن تقييم 100 يوم من عمل الحكومة السورية بالوضع الراهن، إذ من الأجدر أن يتم وضع منهجية، لتبدأ عملها في مناخ صحي وقابل للقياس والمحاسبة والتطوير، كأن تتضمن المنهجية:

  •  100 يوم لعمل الحوكمة وبناء استراتيجية متكاملة (بالتوازي تعمل الوزارات والمؤسسات بالموجود القائم من خدمات).
  • 100 يوم لإعداد اللجان وتدريبهم وبناء قواعد العمل الحكومي على كامل الأراضي السورية.
  • 100 يوم لتنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية.
قسم الشحن في مصفاة بانياس يزود  القطاعات بمادة الفيول عن طريق الصهاريج البرية والقطار - 28 نيسان 2025 (وزارة الطاقة)

قسم الشحن في مصفاة بانياس يزود القطاعات بمادة الفيول عن طريق الصهاريج البرية والقطار – 28 نيسان 2025 (وزارة الطاقة)

الاقتصاد تحدد أولوياتها

سارعت الوزارات المعنية كالاقتصاد والصناعة والمالية والطاقة وغيرها، إلى تحديد أولويات عمل كل منها، وذلك عند تسلم الوزراء مهامهم.

بدأت وزارة الاقتصاد بتعيين مستشارين اقتصادين، وبعدها بدأت بتوطيد علاقاتها الاقتصادية مع عدة دول عربية وأجنبية، كدول الخليج العربي والأردن وأذربيجان وإيطاليا وفرنسا والنمسا والصين وغيرها.

كذلك أعلن وزير الاقتصاد، محمد نضال الشعار، العمل على نموذج اقتصادي يلائم سوريا، وإعلان الوزارة نظام الاستثمار في المدن الصناعية، وتوليها دعم الصناعة المحلية، وزيادة الاستثمار من خلال توقيعها عدة مذكرات تفاهم استثمارية.

وأيضًا رعايتها عدة معارض بهدف زيادة تصدير المنتجات المحلية وزيادة الاستثمار، إلا أن الاقتصاد السوري ما زال ضعيفًا ولم يلحظ أي تحسن بتعافيه، الأمر الذي يؤثر على الوضع المعيشي للأفراد الذي لم يشهد أي تحسن، رغم زيادة الرواتب بنسبة 200%.

مساعٍ دون نتائج ملموسة

حاولت وزارة المالية العمل على تحسين آلية عمل البنوك والمصارف، وتعزيز قيمة الليرة السورية، وبدأت بالعمل على وضع قوانين ضريبية ومالية للدولة، ورغم مساعيها بالاستفادة من رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، ودخولها نظام “سويفت”، ونيتها بالتوجه لطباعة فئات نقدية جديدة، لم يلحظ أي تحسن مالي بالشكل المطلوب، مع وجود تحولات لافتة، كاستقرار سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي في نشرات مصرف سوريا المركزي، ولكن الأمر لم ينعكس إيجابًا على سعر الصرف بالسوق السوداء، وأيضًا لم تتحسن الثقة المالية وخاصة بالبنوك والمصارف.

وزارة الطاقة، مع عجز التفاهم مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على أهم الآبار النفطية في سوريا، بدأت بالاتجاه للدعم العربي والأجنبي في قطاع الطاقة، وأهمها اتفاقيتها مع كل من قطر وتركيا بتأمين الغاز والكهرباء، ولكن لم تنعكس هذه الاتفاقيات حتى الآن على الواقع الصناعي والاستثماري.

مرحلة “العمل الفردي”

الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” والخبير الاقتصادي، الدكتور مجدي الجاموس، قال ل، إنه بعد مضي حوالي 100 يوم على تسلم الحكومة الانتقالية، يمكن توصيف هذه المدة بأنها مرحلة “العمل الفردي”.

واعتبر أن الحكومة الحالية تعمل بنظام حكومة “تسيير الأعمال”، إذ تعمل بشكل ارتجالي، دون العمل على هيكلة مشروع وطني متكامل، تعمل من خلاله جميع الوزارات، لبناء المؤسسات الوطنية، فما زالت بنيتها التحتية بحدها الأدنى، ولم يطرأ عليها أي تحسن، وهذا نتيجة الإرث الكبير من الضعف والوهن من الاقتصاد السوري.

 

الحكومة الانتقالية تعمل بنظام حكومة “تسيير الأعمال”، إذ تعمل بشكل ارتجالي، دون العمل على هيكلة مشروع وطني متكامل، تعمل من خلاله جميع الوزارات، لبناء المؤسسات الوطنية.

الدكتور مجدي الجاموس

أستاذ جامعي وخبير اقتصادي

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن عدم التنسيق بين الوزارات يولّد مشروعات وتراخيص مبدئية، وبالتالي أغلبية قراراتها منفردة، “فلذلك لم نرَ أي تحسن أو إنعاش بقطاع الصناعة رغم وجود عدد كبير من التراخيص بالسجلات التجارية، ولم نلمس أي تحسن في قطاع السياحة والتعليم والعقاري، وحتى حركتي الاستيراد والتصدير فما زالت قراراتها “انفلاتية”، وفق وصفه، وبنيت على قرارات متضاربة.

تحديات الوضع المعيشي.. لا حلحلة

عميد كلية العلوم الإدارية في جامعة “إيبلا” الخاصة، الدكتور صبري حسن، يرى أن الحكومة أصدرت جميع القوانين اللازمة لتحسين الاقتصاد وتوفير الخدمات الأساسية، لكن الواقع المعيشي في سوريا يعيش تحديات كبيرة نتيجة الأزمة المستمرة منذ عام 2011.

ويعتقد أن الوضع الاقتصادي المتردي انعكس على زيادة معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وبالرغم من كل الجهود الحكومية المبذولة، لم تستطع التقدم بخطوات ملموسة على صعيد حلحلة أي من تحديات الوضع المعيشي.

وبما أن الحكومة لم تستطع التقدم فعليًا في الملف الاقتصادي وخاصة الملف الاستثماري، فإنه لا يمكنها تحقيق أي تقدم يُذكر في ملف معالجة البطالة، فهي ليست مجرد أرقام في سوريا، بل “كارثة إنسانية مركبة” تتطلب حلًا سياسيًا شاملًا، وإعادة إعمار ضخمة، ودون ذلك، ستستمر المعاناة كحلقة مفرغة، بحسب حسن.

وتعاني سوريا من ارتفاع بمعدلات البطالة منذ بداية احتدام الصراع العسكري بعد الثورة السورية، حتى تجاوز سقف الـ55% بين عامي 2014 و2015.

وتشير الإحصائيات في السنوات الأخيرة إلى تجاوزها حاجز الـ20% على أقل تقدير، كما يبلغ معدل الفقر في سوريا أكثر من 90% بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

الثقة مفقودة بالقطاع المالي

يرى الدكتور مجدي الجاموس، أن القطاع المالي ما زال في حده الأدنى، رغم عمل مصرف سوريا المركزي، ولكن الأمر مرتبط بالثقة، وحتى اليوم الثقة مفقودة في القطاع المالي، والحكومة لم تجرِ أي تعديلات، نتيجة ضعف الاحتياط النقدي بالعملات السورية والأجنبية.

ولم يتم طباعة أي نوع من الأوراق المالية ذات فئات مرتفعة، التي يمكن أن تخفف من حدة مسألة السيولة وعملية التخزين، وأيضًا لم تضع أي قانون مالي يوضح عمل الشركات واستثمارها.

وتوقّع أنه بعد قرار رفع العقوبات وإدخال سوريا لمنظومة “سويفت”، أن تزيد المساعدات الخارجية في عملية تحسين مستوى الاحتياط النقدي بالعملة الأجنبية، مما يعطي للمصرف المركزي أدواته للتدخل في السوق، وأن يكون فاعلًا في عملية ضبط سعر الصرف، وضخ السيولة للبنوك لتحسين الثقة بالقطاع المالي.

ولفت إلى أنه لم تشهد الفترة الماضية أي تحسن في البنوك المستثمرة، أو فتح بنوك جديدة، وغياب استقطاب شركات الحوالة العالمية، بسبب تضارب تراخيصها.

عراقيل أمام عمل البنوك

من جانبه، قال الدكتور صبري حسن، إن البنوك وآليات التعامل معها، واحدة من أهم مرتكزات وأدوات التعافي الاقتصادي السوري، إلا أن الحكومة ممثلة بالبنك المركزي وضعت الكثير من العراقيل أمام عمل البنوك، ومن أهمها على الإطلاق عدم توفر السيولة الكافية (آلية حبس السيولة)، والتي شكلت أكبر عقبة أمام البنوك والجمهور على حد سواء.

وأشار إلى أن زيادة الرواتب تنعكس إيجابًا على القدرة الشرائية للجمهور، وبالتالي زيادة الطلب تؤثر على العرض، وزيادة في الاستثمار على المدى المتوسط والبعيد.

واشترط ألا تترافق زيادة الرواتب هذه مع زيادة في المستوى العام للأسعار، لذلك يجب العمل على تخفيض المستوى العام للأسعار.

وأكد أنه بخصوص آلية “شام كاش”، لم تستطع تقديم المطلوب والمرجو منها، وخاصة في مجال تأمين كامل الرواتب وتوفير السيولة، مشيرًا إلى أن الآلية المنطقية والسليمة ليست بالبحث عن طرق كـ”شام كاش”، وإنما تفعيل البنوك والبرامج والتطبيقات التي تخص تسهيل حركة الرواتب والدفع الإلكترونية.

 

في منتصف نيسان الماضي، قررت وزارة المالية السورية إيداع كل رواتب العاملين في القطاع العام عبر تطبيق “شام كاش” الإلكتروني، على أن يتم اعتماده كوسيله رسمية لصرف الرواتب، بسبب ثقة الحكومة بهذا التطبيق، نتيجة استخدامه الفعال في مدينة إدلب قبل سقوط النظام السوري السابق، والهدف منه التحول من التعامل النقدي التقليدي إلى التعاملات النقدية الإلكترونية.

وفيما يتعلق بالقطاع الاستثماري، يرى أنه رغم جهود الحكومة، فإن الاستثمار في سوريا اليوم مغامرة عالية المخاطر، بسبب تشابك الأزمات الأمنية والاقتصادية والقانونية، ولا يُوصى به إلا في حالات محدودة جدًا.

وتعاني الحركة الصناعية والتجارية من صعوبات كبيرة جدًا، وخاصة من ناحية السيولة، التي تعتبر من أكبر العقبات أمام تحقيق أي نمو حقيقي في الصناعة والتجارة السورية، بالإضافة إلى العوائق القانونية والإدارية التي لم تحقق المطلوب وفق آلية اقتصاد السوق الحر، التي اعتمدتها الحكومة السورية، بحسب الدكتور حسن.

اقتراحات ورؤى

اقترح الدكتور مجدي الجاموس سياسات اقتصادية يجب على الحكومة العمل بها، وتتمثل في:

  • العمل على تحسين وإنعاش القطاع المالي، لأن الاقتصاد السوري قائم عليه.
  • تشجيع شركات إعادة الإعمار على الاستثمار، من خلال الإعفاءات الضريبية والمالية، لتحفيز العمل بالقطاع العقاري.
  • دعم وتحفيز المناطق الصناعية، لأن واقعها سيئ، وعدم اتخاذ قرارات حالمة لا يمكن العمل بها.

الدكتور صبري حسن، لفت إلى أنه يجب على الحكومة اليوم العمل بعدة محاور أساسية، وهي:

  • إعادة إعمار البنية التحتية الحيوية (الطاقة، المياه والصرف الصحي، النقل والمواصلات).
  • استقرار القطاع النقدي والمالي (مكافحة التضخم الجامح، إصلاح النظام المصرفي، إصلاح النظام الضريبي).
  • تحفيز الإنتاج المحلي وتنويع الاقتصاد (دعم الزراعة، إعادة إحياء الصناعة، تنمية القطاع الخاص، الاستفادة من الموارد الطبيعية).
  • جذب الاستثمار الخارجي والدعم الدولي (خلق إطار قانوني واستثماري آمن، الاستفادة من قرارات إعادة الإعمار، تشجيع المغتربين السوريين على الاستثمار).
  • الإصلاح المؤسسي ومكافحة الفساد (تعزيز الشفافية، الحوكمة، إصلاح الإدارة العامة، تفعيل أجهزة الرقابة ومكافحة الفساد).
  • الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر ضعفًا (تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، دعم سوق العمل، تحسين الخدمات الأساسية).

 

يرى الدكتور صبري حسن، أن تحقيق ما سبق يتطلب اعتماد الحكومة على الحوكمة والشفافية، وخاصة في مجال لم شمل جميع السوريين وبمختلف أعراقهم وأديانهم وأطيافهم، وضمان مشاركتهم الفعالة في صناعات كل القرارات، لأن أهم متطلبات النجاح هو وحدة الصف الوطني وتعزيز المصالحة والمصلحة المشتركة.

وكانت الأمم المتحدة أعلنت، في 4 من حزيران الماضي، أنها تقدم مع شركائها مساعدات إنسانية لما يقرب من 2.5 مليون شخص في أنحاء سوريا شهريًا.

التشكيلة الوزارية السورية - 29 أذار 2025 (رئاسة الجمهورية)التشكيلة الوزارية السورية - 29 أذار 2025 (رئاسة الجمهورية)

التشكيلة الوزارية السورية – 29 أذار 2025 (رئاسة الجمهورية)

برزت تفاوتات واضحة في أداء الوزارات المتعلقة في القطاعات الخدمية، ففي حين أظهرت بعض الوزارات تحركات ملموسة على أرض الواقع، بقيت أخرى محكومة بإيقاع البطء أو التحديات المتراكمة.

النقل متقدم

تصدرت وزارة النقل المشهد ضمن القطاع الخدمي في سوريا، إذ برز توجه واضح نحو إعادة هيكلة الوزارة وتوحيد المرجعيات الإدارية، في خطوة تهدف إلى التحول الرقمي وتقليص البيروقراطية وتسهيل الإجراءات، والارتقاء بخدمات النقل ضمن وبين المحافظات السورية، واستعادة الربط الشبكي مع دول الجوار.

وأحرزت الوزارة تقدمًا في العلاقات الإقليمية والدولية، من خلال لقاءات واتفاقيات بينها وبين وفود دول ومنظمات في سبيل الارتقاء بواقع النقل، كان أبرزها الاجتماع مع الوفود الأردنية والتركية، وإعادة الربط السككي والطرقي، وتذليل العقبات والصعوبات أمام انسيابية حركة البضائع والأفراد، وتوحيد رسوم العبور مع الأردن، والاتفاق على خطة تنفيذية لصيانة 37 جسرًا بالتعاون مع شركة “ماتيير” الفرنسية.

الصحة تعتمد على المنظمات

فيما يتعلق بالقطاع الصحي، فبالرغم من الوعود بالعمل على تأمين الخدمات الصحية للمواطنين وإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير الأدوية، ما زال القطاع الصحي في سوريا يعاني من نقص في الكادر الطبي، وسوء في الخدمات، خاصة في المستشفيات الحكومية، وتهالك في البنى التحتية، بالتزامن مع اكتظاظ المرضى، والنقص الحاد في الأدوية والمعدات الطبية، خاصة أدوية الأمراض السرطانية والعلاجات الكيماوية.
واقتصر نشاط وزارة الصحة على الاستمرار بحملات التطعيم للأطفال، والتعاون مع منظمات دولية لإطلاق حملات تقدم الرعاية الطبية والجراحية المجانية.

كما عملت على عقد لقاءات مع منظمات ووفود دولية، وممثلين عن منظمات، لبحث الواقع الصحي وتأمين احتياجاته، كان أبرز مخرجاتها الاتفاق على عدد من المشاريع المستقبلية التي ترتقي بالواقع الصحي، مع كل من تركيا وقطر، واستثناء سوريا من أي خفض في الدعم الصحي المقدم عبر البرامج الدولية.

محطة تحويل كهرباء في ريف دمشق - 4 تموز 2025 (وزارة الطاقة السورية)محطة تحويل كهرباء في ريف دمشق - 4 تموز 2025 (وزارة الطاقة السورية)

محطة تحويل كهرباء في ريف دمشق – 4 تموز 2025 (وزارة الطاقة السورية)

الاتصالات.. طموحات عالية وخدمات متردية

وزارة الاتصالات أعلنت عن مشاريع “طموحة”، خلال الفترة الماضية، إلا أنها ما زالت في مرحلة التأسيس، إذ تستمر معاناة السوريين مع سوء شبكات الاتصال والانترنت، سواء شبكات الـ”4G” وشبكات الـ”ADSL”، بالإضافة إلى غلاء باقات الإنترنت المتوفرة عبر شركتي الاتصال في سوريا “سيريتل” و”MTN” بالتزامن مع ضعف خدماتها.

ومن أبرز ما أعلنته الوزارة خلال هذه الفترة، مشروع “SilkLink”، وهو شراكة قيد التفاوض مع مشغّلين خليجيين، مثل “STC” و”زين” و”أوريدو” لإنشاء شبكة ألياف ضوئية استراتيجية بتمويل يُقدَّر بـ300 مليون دولار، بهدف جعل سوريا عقدة رقمية بين آسيا وأوروبا.

وأعلنت الوزارة تجربة إطلاق خدمة الجيل الخامس (5G) في دمشق، خلال مؤتمر “AI–SYRIA 2025” الذي عُقد في أيار الماضي، إلا أن هذه الخدمة بقيت محصورة في نطاق تجريبي محدود، دون إعلان رسمي عن توفرها للمستخدمين العاديين أو تحديد خطة زمنية لتوسيعها

خطط للارتقاء بالتعليم.. اللاجئون وتعديل المنهاج خارجها

وفي الميدان التعليمي، وضعت وزارة التربية والتعليم خطتين للارتقاء بالواقع التعليمي، إحداهما تتعلق بالاستجابة الطارئة وأخرى استراتيجية للارتقاء بالتعليم.

وتركزت نشاطات الوزارة ضمن خطة الاستجابة الطارئة، على إعادة ترميم وتأهيل وافتتاح عدد من المدارس في محافظات مختلفة بالتعاون مع منظمات دولية، واستنفار كوادر الوزارة استعدادًا لامتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، إذ سيطرت الاجتماعات الوزارية المتعلقة بالتحضير للامتحانات على طوال مدة الـ100 يوم.

كما تبنت وزارة التربية والتعليم السورية مبدأ “اللامركزية” من خلال توزيع الصلاحيات بين المحافظين ومديري التربية والتعليم في المحافظات، لتحقيق السرعة في اتخاذ القرارات المناسبة للواقع المدرسي بما يتماشى مع متطلبات الواقع للبنية التحتية والأدوات اللوجستية، التي تختلف من محافظة إلى أخرى.

في حين افتقدت بنود خطة الاستجابة الطارئة المتعلقة بتعديل المناهج وعودة الطلاب المتسربين إلى المدارس لأي إجراءات تنفيذية ملموسة، ما يعكس البطء في تنفيذ هذه الخطوات رغم وعود بالبدء بتنفيذها عقب انتهاء العام الدراسي.

ومع اقتراب العام الدراسي الجديد، لم تتخذ الوزارة أي خطوات جادة لتأمين تعليم اللاجئين السوريين العائدين.

وعلى مستوى التعليم العالي، اتخذت وزارة التعليم العالي سلسلة من القرارات النوعية التي تمسّ شؤون الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية والفنية في الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد التقانية، كان أبرزها اعتماد النظام السنوي للتدريس في الدراسات العليا (درجة الماجستير) ودراسات التأهيل والتخصص بدلًا من النظام الفصلي، وقرار إلغاء الامتحان الوطني المشروط للتخرج في كليات طب الأسنان والصيدلة والعمارة والمعلوماتية والتمريض، في الجامعات السورية الحكومية والخاصة.

كما تمت إعادة طلاب جامعة “حلب” فرع “إدلب” المستضافين في الجامعات الأخرى إلى الجامعة الأم (حلب) بعد أن تم إلغاء الفرع، وتشكيل لجنة لدمج أو تحويل جامعة “حلب المحررة” إلى جامعة “حلب”.

وكذلك دمج جامعة “حلب الشهباء” مع جامعة “إدلب”، بما يضمن وحدة الشهادات والمسارات التعليمية.

ولم تتطرق وزارة التعليم خلال الفترة الماضية إلى قضية تعديل المناهج الدراسية في الجامعات وتطويرها، إلا من خلال وعود وتصريحات وزير التعليم خلال لقاءاته، دون وجود لأي تحرك فعلي في سبيل البدء بهذه الخطوة.

كما لم تصدر الوزارة التعليمات التنفيذية الخاصة بمرسوم عودة الموفدين إلى سوريا رقم “97” للعام الحالي، ما يعوق اتخاذ القرار من قبل للموفدين المشمولين بالقرار.

 

ينص المرسوم رقم “97” لعام 2025، على منح الموفد مدة سنة، من أجل استكمال إجراءات تعيينه، إذا حصل على المؤهل العلمي المطلوب منه في قرار إيفاده بعد تاريخ 15 من آذار 2011 في الحالات الآتية:

  • الموفد الذي لم يضع نفسه تحت التصرف خلال المدد التي حددها قانون البعثات العلمية.

  • الموفد الذي تأخر في الحصول على المؤهل العلمي المطلوب بعد استنفاد المدد المحددة في قانون البعثات العلمية.

  • الموفد الذي غيّر الجامعة أو المعهد الذي يدرس فيه.

الموفد الذي غيّر اختصاصه بعد موافقة الجهة التي أوفد لحسابها.

وزير التربية ومعاون وزير الداخلية يتفقدان امتحانات الشهادة الإعدادية في الدويلعة - ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة التربية)وزير التربية ومعاون وزير الداخلية يتفقدان امتحانات الشهادة الإعدادية في الدويلعة - ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة التربية)

وزير التربية ومعاون وزير الداخلية يتفقدان امتحانات الشهادة الإعدادية في الدويلعة – ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة التربية)

“الدفاع” تحاول تجاوز العقبات

في الشق العسكري، تسير وزارة الدفاع في خطوات لا تخلو من عقبات تحاول تجاوزها، أبرزها اندماج الفصائل، وتحديد الهيكلية، وقضية شمال شرقي سوريا وجنوبها.

فيما يتعلق باندماج الفصائل، تحقق الوزارة تقدمًا ملحوظًا تجاه دمج التشكيلات التي عملت شمال غربي سوريا، فضلًا عما كان يسمى بـ”غرفة عمليات الفتح المبين” التي كانت “هيئة تحرير الشام” رأس حربة فيها.

وفي حين تشير المعطيات إلى تفاهم جزئي مع الفصائل العاملة في السويداء، يبقى الوضع في شمال شرقي سوريا، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عالقًا، بين مفاوضات تسير ببطء واستنفار وترقب حذر بين الجانبين.

أما على صعيد الهيكلية، فما زالت الوزارة تؤسس لجيش جديد، مع وعود من دول خارجية، للمشاركة في التدريبات ووضع الأسس والخطط، يقابل ذلك تخريج دفعات من فرق وفيالق تحدد أسماءها بأرقام، دون أن تعلن حتى اللحظة، عن خارطتها العسكرية.

“الداخلية”.. وعود في القطاع الخدمي

يتعلق عمل وزارة الداخلية بشقّين، الأول أمني والثاني خدمي، يرتبط بالشؤون المدنية والنفوس وتسجيل الواقعات وإدارة الهجرة والجوازات.

وركّز الوزير، في كلمته حين تسلّم الحقيبة على الملف الخدمي بداية، واعدًا بتحسين القطاع إلا أن بعض الخدمات ما زالت معطّلة في بعض المناطق، خاصة تسجيل الواقعات الجديدة، يعود بعضها إلى البنية التحتية المتهالكة في الكثير من الأبنية، والنظم القديمة المعتمدة في النظام السابق، إلى جانب اختلاف قواعد البيانات في مناطق السيطرة الثلاث، والتي باتت تحت نفوذ جهة واحدة حاليًا.

وقبل سقوط النظام السابق، كانت حكومة “الإنقاذ” وهي نواة الحكومة الحالية، تسيطر على مناطق واسعة من محافظة إدلب وأجزاء من اللاذقية وحماة وريف حلب الغربي، بينما تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة” على ريف حلب الشمالي.

وكان النظام قبل سقوطه، في 8 من كانون الأول 2024، يسيطر على معظم الأراضي المتبقية، باستثناء شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وتختلف قواعد بيانات مناطق النفوذ الأربع، إذ تعتمد كل جهة على نظام مختلف عن بقية المناطق، ما أدى إلى توقّف بعض الخدمات المتعلقة بالنفوس وتسجيل الواقعات، في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، باستثناء شمال شرقي سوريا، في سبيل توحيدها ضمن قاعدة واحدة.

على الجانب الآخر، أنجزت الوزارة عدة خطوات في هذا الملف، منها افتتاح عدة مبانٍ جديدة، وتفعيل بعض الخدمات في المحافظات الرئيسة بدمشق وحلب، فيما بقيت باقي المناطق خارج الخدمة.

أبرز خطوة اتخذها الوزير خلال الفترة الماضية كانت تخفيض رسوم استخراج جواز السفر السوري، والتي كانت عبئًا ماليًا على السوريين في السنوات الماضية، في أثناء حكم النظام السابق.

وأصبحت تكلفة استخراج جواز السفر الفوري للسوريين في الخارج 400 دولار أمريكي بدلًا من 800 دولار أمريكي، وانخفضت تكلفة جواز السفر بنظام الدور العادي إلى 200 دولار أمريكي بدلًا من 300 دولار أمريكي.

وحدد القرار الرسوم لمنح أو تجديد جواز أو وثيقة السفر للسوريين ومن في حكمهم داخل سوريا بشكل فوري إلى 1,600,000 ليرة سورية بدلًا من 2,000,000 ليرة سورية.

وحافظت الوزارة على أداء أقسام الهجرة والجوازات، دون توقف، إلى جانب افتتاح فرع جديد في إدلب شمالي سوريا، معلنة إصدارها 160,000 جواز سفر حتى منتصف نيسان الماضي.

مساعٍ لضبط الأمن

على الجانب الأمني، سعت الوزارة إلى ضبط الملف الذي ما زال يعاني من “فلتان” لافت، نظرًا إلى خروج البلاد من حرب استمرت 14 عامًا واستنزفت كل مقومات الحياة، وأدت إلى انتشار واسع للسلاح الذي بات بأيدي جماعات وأفراد بأيديولوجيات مختلفة، فضلًا عن انتشار عصابات الخطف والسرقة.

وعمدت الوزارة إلى إحداث هيكلية جديدة في بنيتها التنظيمية، وحددت خطة عملها، منتصف نيسان الماضي، معلنة دمج قسميها الشرطي الداخلي والأمني، ضمن جهاز واحد، وتعيين ممثل عنها في كل محافظة.

ورصدت تراجعًا في عمليات السرقة والخطف في المدن الرئيسة، خاصة في دمشق وحلب، وسط إعلانات متكررة من الداخلية، في أكثر من مناسبة، عن القبض على عصابات خطف وسرقة، إلا أنها ما زالت حاضرة في الساحل السوري.

مكافحة المخدرات جزء من معركتها

تقدمت وزارة الداخلية في ملف مكافحة المخدرات، إذ صار لافتًا انخفاض عمليات تهريب وتصنيع المواد المخدرة، خاصة مادة “الكبتاجون” التي ارتبط اسمها بالنظام السابق، وبماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع، بشار الأسد.

واعتبر الوزير، خطاب، أن مكافحة المخدرات جزء من معركة الوزارة لـ”حماية حاضر سوريا ومستقبلها”.

وبالرغم من انخفاضها، ما زالت المخاطر تحوم حول عودة انتشارها، إذ حذّر “تقرير المخدرات العالمي 2025″، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، من أن سوريا لا تزال تشكل مركزًا رئيسيًا للمخدرات، حتى بعد سقوط نظام الأسد الذي كان المستفيد الأكبر من إنتاج وتجارة “الكبتاجون” في سوريا، رغم جهود الحكومة الجديدة في تعطيل سلاسل التوريد.

وكان الباحث الأمني في مركز “حرمون للدراسات” نوار شعبان” قال في تقرير سابق ل، إن تهريب “الكبتاجون” لم ينتهِ بسقوط الأسد، ولكن يمكن القول إن مشاركة الدولة التي كانت تحمي إرهاب “الكبتاجون” قد انتهت، وقوات وأدوات الدولة سوف تتحول إلى سلاح في هذه العملية وهو ما سيقلل نشاطها.

اغتيالات متكررة.. الوزارة تتجاهل التتبع

تكررت حوادث الاغتيال في سوريا، عقب سقوط النظام السابق في أكثر من مدينة سورية، مع اختلاف الجهات المنفذة.

ورصدت عدة حالات اغتيال في حلب، طالت شخصيات ارتبطت بالنظام السابق، دون متابعة جدية من الوزارة بحق المنفذين، والاكتفاء بالتوعد بالملاحقة والتحقيق.

واختلف مشهد الاغتيالات في درعا جنوبي سوريا، إذ تركزت العمليات ضد قادة وناشطين معارضين، وسط اتهامات بأصابع إيرانية، و”فلول” النظام السابق بالوقوف خلفها.

آمال بانتهاء الحقبة

ارتبطت الأجهزة الأمنية بالسمعة السيئة في أذهان السوريين، نتيجة ما عايشوه خلال سنوات النظام السابق لـ54 عامًا تكللت بحكم الحديد والنار والسلطة الأمنية التي سيطرت على المشهد السياسي السوري، وهو ما يؤكد عليه الوزير الحالي في خطاباته وتصريحاته.

الوزير أنس خطاب، الذي أسس لجهاز الأمن العام في إدلب قبل سقوط النظام، والذي لم يسلم من اتهامات بانتهاكات طالت مدنيين وناشطين، يشدد في تصريحاته على انتهاء الحقبة الأمنية، وهو ما يأمله السوريون بعد سقوط النظام.

وبينما يشيد العديد من السوريين بمعاملة حسنة يتلقونها من عناصر الأمن السوري الجديد، تبرز بعض الانتهاكات بحق المدنيين، وسط وعود بالمحاسبة.

وفي هذا السياق، أنشأت وزارة الداخلية دائرة لتلقي الشكاوى المتعلقة بتصرفات وتجاوزات عناصر الأمن، في العاصمة دمشق، واعدة بتعميم الدائرة على كل المحافظة السورية.

وفي حين أنشأت وزارة الدفاع ميثاقًا لضبط القواعد والسلوك، لم تبادر الداخلية إلى إصدار قوانين مشابهة، رغم أن عناصر الأخيرة تحتك بشكل مباشر مع الأوساط المدنية، بخلاف المؤسسة العسكرية.

عناصر من الأمن الداخلي يتوجهون نحو حملة أمنية في ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة الداخلية السورية)عناصر من الأمن الداخلي يتوجهون نحو حملة أمنية في ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة الداخلية السورية)

عناصر من الأمن الداخلي يتوجهون نحو حملة أمنية في ريف دمشق 23 حزيران 2025 (وزارة الداخلية السورية)

تكشف حصيلة الـ100 يوم الأولى للحكومة السورية عن تحركات متفاوتة، إذ حققت بعض الوزارات خطوات تنظيمية وقرارات مهمة، في حين بقيت أخرى عاجزة عن تجاوز عقباتها البنيوية.

ورغم الإعلانات الرسمية والتوجهات الإصلاحية، تبقى نتائج التطبيق الفعلي محدودة في بعض الملفات، ما يدفع إلى تساؤلات حقيقية حول مدى قدرة الحكومة على تحويل هذه القرارات إلى تحسن ملموس في حياة السوريين خلال المراحل المقبلة.

من جانبه، أرجع خبير الإدارة والحوكمة، ومدير “المعهد الأوروبي للمبادرات السياسية والتحليل الاستراتيجي”، باسم حتاحت، التفاوت في الأداء الحكومي، إلى عدم البدء بعملية حوكمة حقيقية للمؤسسات الحكومية، تنطلق من رؤية موحدة، والتي عادة ما كان يضعها مكتب تخطيط الدولة.

 

الحوكمة هي العمل المنهجي على رصد الإشكاليات القانونية والإدارية، ومراجعة اللوائح والأنظمة التي تحكم عمل الإدارات.

د. باسم حتاحت

خبير إدارة وحوكمة، ومدير “المعهد الأوروبي للمبادرات السياسية والتحليل الاستراتيجي”

ومن الضروري عدم تشكيل اللجان الفنية والإدارية قبل إنجاز عملية الحوكمة، لعدم تكرار الأخطاء، وتراكم الإشكاليات القديمة والجديدة دون التوصل إلى حلول حقيقية ومستدامة.

كما أن غياب الكفاءات القيادية القادرة على إدارة برامج الدولة كمؤسسات مترابطة، يسهم في بناء مجتمع مؤسساتي هش، يفتقر إلى القدرة على التطوير الحقيقي.

أهم المعوقات التي واجهت الحكومة السورية خلال الـ100 يوم الماضية:

  • غياب الرؤية الموحدة للحكومة، إذ لا توجد خطة مركزية واضحة تنطلق منها عمليات الإصلاح والحوكمة، وهو ما يؤدي إلى تضارب السياسات وتداخل الصلاحيات.
  • عدم وجود حوكمة مؤسساتية حقيقية، فما زالت المؤسسات الحكومية تعمل بأساليب تقليدية، دون تحديث للأنظمة واللوائح التي تنظم عملها، ومن غير تقييم للأداء المؤسسي أو ربطه بالأهداف الوطنية (التي تحتاج إلى وقت لوضعها أصلًا).
  • تشكيل اللجان الفنية والإدارية قبل استكمال عمليات الحوكمة، ووجود أساس إداري وقانوني واضح، يؤدي إلى ازدواجية العمل، وإضاعة الوقت، وهدر الموارد دون نتائج ملموسة.
  • التعقيد والتشابك القانوني والإداري، ووجود أنظمة قديمة ومتضاربة تعوق اتخاذ القرار السريع والفعّال، وعدم وضوح المسؤوليات بين الجهات المختلفة.
  • ضعف الكفاءات القيادية والإدارية، وغياب قادة إداريين يمتلكون رؤية إصلاحية ومهارات تنفيذية سواء من الكادر القديم أو الكادر التابع للإدارة السياسية أو الكوادر الذين تم الاستعانة بهم قبل تدريبهم بعد حوكمة مؤقتة، والاعتماد على شخصيات غير مؤهلة في مواقع اتخاذ القرار يكرّس ضعف الأداء.
  • الهشاشة المؤسساتية، فالمؤسسات اليوم غير قادرة على الصمود أمام الأزمات أو التكيف مع التغيرات، كما يعوق ضعف البنية التحتية الإدارية والتنظيمية عملية تحديثها.
  • غياب الحلول المستدامة، إذ إن ما يطرح غالبًا هو حلول مؤقتة أو تجميلية لا تعالج جذور المشكلة، بالتزامن مع غياب إطار واضح للإصلاح طويل الأمد.

د. باسم حتاحت

خبير إدارة وحوكمة، ومدير “المعهد الأوروبي للمبادرات السياسية والتحليل الاستراتيجي”

زيارات رسمية

هناك أخطاء متكررة ترتكبها إدارات الوزارات والهيئات الحكومية، مثل التركيز على تغطية الزيارات الميدانية والاجتماعات إعلاميًا، دون تقديم شرح وافٍ ومفصّل لأسباب هذه الزيارات وأهدافها، وفق الخبير حتاحت.

وأضاف أنه غالبًا ما تكتفي المؤسسات بعرض صور اللقاءات والمشاريع المشتركة، دون توضيح الأطر الاستراتيجية التي تنطلق منها هذه الاجتماعات.

وأكد حتاحت أن الأهمية لا تكمن في مجرد عقد اللقاءات، بل في مدى ارتباطها ببرامج استراتيجية موحدة تضمن تحقيق التكاملية والتشاركية بين الجهات المعنية، مشيرًا إلى أن التركيز على تغطية الاجتماعات إعلاميًا يجب أن يُستبدل بإعداد تقارير تحليلية توضح مؤشرات الأداء الحقيقية، وتشكل إحاطة شاملة بأهداف اللقاءات بدقة، وتفاصيل البرامج المشتركة، وآليات التعاون والتنفيذ، والنتائج المتوقعة والآثار المترتبة.

وبهذا الشكل، يصبح التقرير وسيلة للشفافية والمساءلة وتقييم الأداء، بدلًا من الاكتفاء بصور إعلامية لا تعكس عمق العمل الحقيقي ولا تخدم المواطن أو عملية الإصلاح الإداري، وفق حتاحت.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.