حمدي عبد العزيز

اجتمع قادة دول بريكس، أمس الأحد، في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية لتعزيز التبادل التجاري والتكنولوجي ومواجهة الرسوم الجمركية. ورغم ما تمتلكه المجموعة من نصف سكان العالم و40% من الناتج الاقتصادي العالمي، فضلاً عن التوسع في عضويتها، إلا أن الآراء تتضارب حول مستقبلها خصوصاً قدرتها على تعزيز الاقتصاد الدولي وتهدئة الصراعات الدولية المتزايدة.

وتأسست مجموعة دول بريكس من 4 دول، هي البرازيل وروسيا والهند والصين، كونها اقتصادات سريعة النمو وقادرة على أن تصبح قوى اقتصادية عالمية بحلول عام 2050. وتضاعفَ عدد دول المجموعة ليصل إلى 10 دول.

فإلى جانب الدول الخمسة الأساسية انضمت إلى التكتل، كل من مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا.

ويتم التناوب على رئاسة المجموعة بشكل دوري بين الأعضاء كل عام. وقد تقدمت 44 دولة بطلب رسمي للانضمام. وفي العام الجاري، انضمت كل من بيلاروس وبوليفيا وكوبا وكازاخستان وماليزيا وتايلاند وفيتنام وأوغندا وأوزبكستان، تمهيداً للعضوية الرسمية تحت اسم BRICS+

وتسيطر دول “بريكس” على أسواق مهمة في العالم، بما في ذلك 40 % من إنتاج النفط العالمي، وبحسب موقع البريكس الإلكتروني تسيطر المجموعة أيضاً على حوالي ثلاثة أرباع المواد الأرضية النادرة، وتجاوز التبادل التجاري بين الدول الأعضاء تريليون دولار أمريكي. وتقدمت دول البريكس بطلبات للحصول على 44 مليون براءة اختراع بين عامي 2009 و2023، أي أكثر من نصف جميع براءات الاختراع المسجلة عالمياً.

وعلقت الكثير من الآمال على قمة ريو دي جانيرو. خصوصاً وأن آلية المجموعة تطورت من مفهوم اقتصادي أولي إلى منصة شاملة للتعاون. وناقشت القمة 6 مجالات رئيسية:

التعاون الصحي العالمي وإطلاق شراكة دول “بريكس” للقضاء على الأمراض الة بالعوامل الاجتماعية والأمراض المدارية المهملة.

التجارة والاستثمار والتمويل وتبني استراتيجية 2030 للشراكة الاقتصادية بين دول “بريكس”.

تغير المناخ وإعلان إطار عمل القادة بشأن التمويل المناخي الذي يهدف إلى إدارة التغيير الهيكلي في القطاع المالي. حوكمة الذكاء الاصطناعي لتسخير إمكانات هذه التكنولوجيا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. هيكل متعدد الأطراف للسلام والأمن لضمان اتخاذ إجراءات فعالة في التعامل مع الصراعات، ومنع الكوارث الإنسانية، وتجنب اندلاع أزمات جديدة؟

التطوير المؤسسي: تحسين هيكل “بريكس” وتعزيز تماسكها.

تضارب الآراء حول قوة المجموعةاقترح قادة دول بريكس مبكراً إطلاق عملتهم الخاصة لتحدي الدولار الأمريكي، ولكنّ التقدّم ظل بطيئاً. وتحرص الدول الأعضاء على تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على الدولار الأمريكي. كما أنها تُجري نسبة متزايدة من تجارتها داخل المجموعة باستخدام العملات المحلية.

لكن تتضارب الآراء حول مستقبل بريكس، فيتوقع بعض المحللين تطور هذا التكتل ليصبح تحديّاً حقيقيّاً للمؤسسات العالمية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين يرى آخرون أن الانقسامات الداخلية وتضارب المصالح قد تعوق تقدمه. وتتعدد التحديات التي تواجه المجموعة في ظل البيئة العالمية الحالية، بالأخص في ظل تبعات الرسوم الجمركية الأميركية على الاقتصاد العالمي ونموه، فضلاً عن التوترات الجيوسياسية في مناطق مختلفة من العالم.

فعلى الصعيد الداخلي، تنقسم آراء الدول الأعضاء حول ما إذا كان توسيع المجموعة سيعزز من نفوذ “بريكس” أو يضعفه في الفترة الحالية. كذلك هناك تفاوت اقتصادي كبير بين دول “بريكس”، ما يجعل فكرة التكامل الاقتصادي أكثر صعوبة. وتعتمد “بريكس” على إصدار القرارات بتوافق الآراء، في ظل عدم وجود هيكل مؤسسي، مثل أمانة عامة للمجموعة، ما يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات موحدة وسريعة.كما تتباين مواقف الأعضاء تجاه الدول الغربية، فبعضها تربطه علاقات قوية بالولايات المتحدة، مثل الهند والبرازيل، بينما أشار بوتين العام الماضي إلى أن قمة “بريكس” تؤكد أنه جار تشكيل عالم متعدد الأقطاب، في تحدٍ للنظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.وقد حذر ترمب بعد أسابيع من فوزه بالانتخابات دول المجموعة، وكتب في منشور على منصة “تروث سوشيال”: “نطلب التزاماً من هذه الدول بأنها لن تدشن عملة جديدة لمجموعة “بريكس”، ولن تدعم أي عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي، وإلا ستواجه رسوماً جمركية بنسبة 100%، ويجب أن تتوقع أن تودِّع البيع في الولايات المتحدة الرائعة”.

البيان الختامي للقمةفي ختام القمة، أمس الأحد، دعا قادة دول مجموعة بريكس المفاوضين إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار غير مشروط في قطاع غزة لإنهاء الحرب المتواصلة منذ 22 شهرا فيه. وقالت المجموعة في إعلان مشترك “نحث كل الأطراف إلى الانخراط بحسن نية في مفاوضات إضافية لتحقيق وقف إطلاق نار فوري ودائم وغير مشروط” في قطاع غزة. كما دعت أيضا إلى “الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة وجميع الأجزاء الأخرى من الأراضي الفلسطينية”.وأعربت المجموعة عن “قلقها الشديد” إزاء التعريفات الجمركية، فيما تثير الرسوم الإضافية التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب توترا في العالم. وجاء في الإعلان المشترك “نعرب عن قلقنا الشديد إزاء تزايد الإجراءات الجمركية وغير الجمركية المُشوّهة للتجارة”. وقال البيان إن النظام التجاري المتعدد الأطراف لطالما كان على مفترق طرق، وإن انتشار الإجراءات المقيدة للتجارة، سواء في شكل رفع عشوائي للرسوم الجمركية والتدابير غير الجمركية، أو الحمائية تحت ستار الأهداف البيئية، يُهدد بمزيد من تقليص التجارة العالمية، وتعطيل سلاسل التوريد، وإدخال حالة من عدم اليقين في الأنشطة الاقتصادية والتجارية الدولية.وأضاف أنه استنادا إلى إعلان قادة جوهانسبرغ الثاني لعام 2023، نؤكد مجددا دعمنا لإصلاح شامل للأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها، بهدف جعله أكثر ديمقراطية وتمثيلا وفعالية وكفاءة، وزيادة تمثيل الدول النامية في عضوية المجلس ليتمكن من الاستجابة بشكل مناسب للتحديات العالمية السائدة، ودعم التطلعات المشروعة للدول الناشئة والنامية من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، بما في ذلك دول مجموعة البريكس، للعب دور أكبر في الشؤون الدولية، ولا سيما في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن التابع لها.وأكد البيان أن حوكمة الذكاء الاصطناعي يجب أن تستهدف تقليل المخاطر، وتلبية احتياجات جميع الدول، بما في ذلك دول الجنوب العالمي، مع ضمان إشراك الجميع وبناء الثقة وتوسيع فرص الوصول بشكل عادل ومتوازن. ولفت إلى أهمية أن تكون الأمم المتحدة في صلب أي جهد دولي لإنشاء إطار حوكمة عالمي للذكاء الاصطناعي، يدعم بناء القدرات في البلدان النامية، ويراعي القوانين السيادية.

متطلبات الصعود المؤثريبرز سؤال وهو: هل “بريكس” قادرة على إحداث توازن دولي يؤدي إلى تحسين الاقتصاد الدولي وتهدئة أجواء الصراعات العالمية؟إن توسعة “بريكس” يمكن أن تؤدي إلى زيادة نفوذه الجيوسياسي والاقتصادي، وتمنحه تنوعاً أكبر في الموارد والأسواق، وامتلاك المجموعة للمؤسسات المالية، منها “بنك التنمية الجديد” لتمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية في الدول الأعضاء، و”صندوق احتياط نقدي” سوف يدعم الدول الأعضاء على سداد ديونها وتعزيز اقتصاداتها.لكنها لن تتحول إلى قوة دولية واعدة، سوى بهيكلية تنظيمية محددة وأمانة عامة لإدارة وتنسيق أنشطتها، إضافة إلى معالجة الخلافات والتوترات بين بعض دول التكتل، منها: الصين والهند، ومصر وإثيوبيا، والسعودية وإيران. كما يتطلب نجاح “بريكس” التعاون من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي داخل الدول الأعضاء، وتنفيذ إصلاحات هيكلية في بعض الاقتصادات الوطنية من أجل تعزيز قدرة دول “بريكس” على المنافسة العالمية.

شاركها.