– جنى العيسى
أثار قرار وقف استيراد السيارات إلى سوريا بشروط بعد ستة أشهر من السماح ردود فعل واسعة حول أثر القرار على سوق السيارات في البلاد.
اعتبارًا من 29 من حزيران الماضي، أصدرت وزارة الاقتصاد والصناعة السورية قرارًا يقضي بإيقاف استيراد السيارات المستعملة مع استثناءات محددة.
وتضمن القرار استثناء الشاحنات، والرؤوس القاطرة، وآليات الأشغال العامة، والجرارات الزراعية التي لا تتجاوز سنة صنعها عشر سنوات عدا سنة الصنع، وحافلات نقل الركاب التي يتجاوز عدد مقاعدها 32 مقعدًا، والتي لا تتجاوز سنوات صنعها أربع سنوات عدا سنة الصنع.
وسمح القرار باستيراد السيارات الجديدة غير المستعملة على ألا تزيد سنة صنعها على سنتين عدا سنة الصنع.
يستثنى من القرار المستوردون الذين قاموا بشراء السيارات قبل تاريخ القرار، بشرط إثباتهم أرقام “الشاسيه” لدى “الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية”، وذلك حتى موعد أقصاه 6 من تموز الحالي.
لضبط فاتورة الاستيراد
مدير الاتصال الحكومي بوزارة الاقتصاد والصناعة، قاسم كامل، قال في تصريح صحفي، إنه خلال الأشهر الستة الماضية، كان سوق شمالي سوريا مفتوحًا أمام استيراد السيارات، ما أدى إلى دخول كميات كبيرة منها عبر تلك المناطق، بسبب عدم وجود قيود جمركية معقدة مثل التي كانت مفروضة بمناطق النظام، والتي اتسمت بضرائب ورسوم مرتفعة أثقلت كاهل المواطنين.
ولأن الطلب كان مرتفعًا من المواطنين، لاستبدال سياراتهم القديمة، التي يعود معظمها إلى ما قبل عام 2000، تم اتخاذ قرار بتنظيم الاستيراد على مستوى الجغرافيا السورية كافة، بحسب المسؤول.
وأضاف مدير الاتصال الحكومي بوزارة الاقتصاد، أنه من منطلق اقتصادي، تم تحديد عمر السيارات المسموح باستيرادها بسنتين فقط عدا سنة الصنع، لتقليل الهدر وتكلفة الصيانة، مع مراعاة السيارات التي تم شراؤها قبل صدور القرار، وكانت قيد الشحن، بشرط تثبيتها لدى هيئة المنافذ البرية والبحرية.
وبرر وقف استيراد السيارات بأن ذلك يسهم في ضبط فاتورة الاستيراد، والحفاظ على احتياطي القطع الأجنبي، إذ إن العدد الحالي من السيارات المستوردة، أو المتوقع دخوله، يعد كافيًا قياسًا بالبنية التحتية وعدد السكان.
يتعارض مع “السوق الحر”
لطالما كانت ملكية السيارة في سوريا حلمًا يراود أغلب المواطنين خلال العقود الخمسة الماضية، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعارها، بالإضافة إلى ضريبة الرفاهية التي فرضها النظام المخلوع على امتلاك السيارات، وبعد التحرير، أدى إلغاء الرسوم الجمركية الجائرة إلى إقبال عدد كبير من السوريين على شراء السيارات المستعملة لانخفاض أسعارها، بما يتناسب مع قدرتهم على تحقيق حلم امتلاك سيارة كجزء من تطلعات الأسرة السورية.
وقد قابل هذا الطلب الكبير حجم مناسب من العرض، بحسب ما أكده الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، نتيجة استيراد السيارات المستعملة من دول الجوار، ما أدى إلى وفرة في السيارات المستعملة داخل السوق السورية، هذا الواقع دفع وزارة الاقتصاد إلى اتخاذ قرار بوقف استيراد السيارات السياحية المستعملة، وتحديد عمر تصنيع السيارة المسموح باستيرادها.
وأضاف قوشجي، في حديث إلى، أن هذا الإجراء يعد من أدوات التوجيه الإداري للاقتصاد، ويتعارض إلى حد ما مع مفاهيم السوق الحر، التي تقوم على التوازن التلقائي وتحقيق التنافسية.
ونظرًا إلى غياب خصائص السوق التنافسية عن السوق السورية، قد يؤدي هذا القرار إلى ارتفاع كبير في أسعار السيارات السياحية بمختلف أنواعها، ما لم يسمح باستيراد سيارات جديدة بأسعار تنافسية، وفق ما أشار إليه الخبير الاقتصادي.
ويتفق مع هذا الأثر للقرار، رئيس قسم التسويق في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب”، الدكتور محمد غريب، معتبرًا أن القرار السابق الذي صدر عند التحرير بالسماح باستيراد السيارات المستعملة ما دون سنة 2010 دون وجود معايير جعل السوق السورية تغرق بالسيارات الخردة سيئة المواصفات.
كان من الأجدى في البداية السماح باستيراد السيارات من سنة 2015 وأعلى ووفق معايير معينة للسيارة، بحيث تخضع لفحص ولا يتم إدخالها إلى سوريا إلا بشرط اجتياز الفحص، وفق غريب.
كما أكد الدكتور محمد غريب، أن قرار منع الاستيراد للسيارات المستعملة نهائيًا سيعيد ارتفاع أسعارها، وتصبح السيارة الخردة موديل 2005 أو 2007 مجددًا حلم المواطن، مشيرًا إلى أن الكثير من التجار استغلوا هذه النقطة واستوردوا سيارات بعدد كبير، لأنهم يعرفون أنه سيأتي يوم ويتم منع استيراد السيارات المستعملة.
ثلاث إيجابيات
حول معارضة القرار لاقتصاد السوق الحر، قال مستشار وزير الاقتصاد والصناعة لشؤون السيولة والنقد، جورج خزام، إن هنالك من يقول إن الدول الغنية التي تطبق قواعد السوق الحر لا تمنع استيراد السيارات المستعملة، معتبرًا أن السماح بالاستيراد ليس مقياسًا لتطبيق قواعد الاقتصاد الحر، لأن تلك الدول بالأساس فيها مصانع للسيارات، وأسعار السيارات لديها رخيصة جدًا، والاستيراد لا يحقق أي أرباح للمستورد.
الأوروبيون مثلًا يهتمون بتجديد سياراتهم باستمرار، لذا فإن السيارات المستعملة لديهم رخيصة جدًا، حتى إنها أكثر بكثير من حجم الطلب، لذلك تذهب هذه السيارات لمقابر السيارات ولو كانت بعمر خمس سنوات، وفق خزام.
ويرى الخبير أن دول الخليج الغنية التي تطبق الاقتصاد الحر ليست بحاجة لاستيراد السيارات المستعملة، لأن الخليجيين معتادون على التجديد والتبديل، والسيارات المستعملة لديهم رخيصة جدًا أيضًا.
أما في سوريا، فالوضع مختلف تمامًا وليست كل قواعد السوق الحر قابلة للتطبيق في البلاد، وفق خزام.
المستشار خزام، قال في منشور له عبر “فيسبوك”، إن لقرار وقف استيراد السيارات إلى سوريا ثلاث إيجابيات تتمثل بما يلي:
- تحول رأس المال العامل باستيراد السيارات الخردة إلى الاستثمار بزيادة الإنتاج والصناعة والتجارة والزراعة والسياحة وإعادة البناء.
- تراجع الطلب على الدولار بقصد استيراد السيارات.
- حماية المستهلك من الغبن الذي قام به المستورد عند استيراد سيارات تعرضت لإجهاد حراري في دول الخليج أو للغمر أو للقص والتلاعب بعداد المسافة.
بدوره، الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، أكد أن القرار السابق بفتح باب الاستيراد أثر في نوعية السيارات المستعملة بالأسواق السورية وحالتها التقنية، حيث لم تفعل رقابة على الحالة التقنية لهذه السيارات، فضلًا عن أن حجم النقد الأجنبي الذي خرج من البلاد بسبب حركة الاستيراد كان كبيرًا جدًا، ما يعني أن وقف القرار سيخفف من حركة القطع الأجنبي خارج سوريا، ويحسن من نوعية السيارات المستوردة.
وأضاف قضيماتي ل، أن من المتوقع أن تعاني سوريا من مخلفات قطع تبديل سيارات قديمة نتيجة حركة الاستيراد خلال ستة أشهر، ووقفها سيؤدي إلى تقليل حجم هذه المخلفات.
في حال عدم ارتفاع نسبة الضرائب على مستوردات السيارات الحديثة، قد يرغب بعض السوريين باقتناء سيارة حديثة، وهو ما سيخفف من ارتفاع أسعار المستعملة في الأسواق، وفق الباحث.
أسئلة مشروعة
الباحث الاقتصادي في “المعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS) الدكتور مسلم عبد طالاس، علق في مدونة نشرها تعقيبًا على قرار وقف استيراد السيارات إلى سوريا بعد سماح استمر لستة أشهر دون أي قيود تذكر.
وقال طالاس، إن القاعدة الأساسية في أي شيء هي أن القانون يجب أن يكون مستقرًا ومطبقًا على الجميع دون استثناء، وعندما يُطبَّق القانون بشكل معقول ولمدة معقولة، فإنه يختص بشؤون المجتمع ويحدد قواعد اللعبة التي تلتزم بالأفراد والمؤسسات.
وأضاف الباحث أن استقرار القانون ووضوحه يخلق درجة عالية من الثقة بين المتعاملين، ومن المؤكد أن الثقة بالنشاط الاقتصادي تساعد الفاعلين الاقتصاديين على حساب التكاليف والمخاطر المحتملة لكل خطوة، لإيجاد طرق منطقية ومدروسة، كما يعتبر استقرار القانون الأساس الذي يقوم بالتنافس بين مختلف الفعاليات الاقتصادية على أساس أنها شاملة وشاملة من العمل الحقيقي، وليس من النفوذ أو العلاقات الخاصة، وهذا يتنافس مع ما يحقق النمو الاقتصادي.
لكن الخطورة عندما يصبح القانون غير مستقر، ويرى الدكتور طالاس أن في قرار منع استيراد السيارات أسئلة مشروعة لكل شخص، تعتمد على تجربة عاشتها سوريا لفترة طويلة في ظل حكم الأسد.
تتمثل تلك الأسئلة بسبب صدور قرار وقف استيراد السيارات، ومدى ديمومته، وهل سيكون الاستيراد وفق الشروط التي حددتها الوزارة متاحًا للجميع أم أنه محصور بأشخاص معينين.
إجراءات لتخفيف الأثر السلبي
يمكن للحكومة اتخاذ جملة من الإجراءات لتخفيف أثر قرار وقف استيراد السيارات إلى سوريا، بحسب ما أشار إليه الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، ل، مثل السماح للأفراد باستيراد السيارات السياحية التي يرغبون بها دون هذا الشرط، أو تقديم تسهيلات للشركات التجارية التي تستورد سيارات بالمواصفات الحديثة المطلوبة.
كما يمكنها ضبط السوق عبر تفعيل دور الجهات الرقابية على أسعار السيارات المستعملة ومنع احتكارها، وفرض سقوف سعرية مؤقتة للحد من جشع بعض التجار في ظل شح المعروض، وفق قوشجي.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه يُستحسن إنشاء منصة إلكترونية رسمية تُعرض عليها السيارات وأسعارها الحقيقية، للحد من التلاعب وربط البائع بالمشتري مباشرة.
إلى جانب ذلك، يمكن تقديم حوافز لشراء السيارات الكهربائية ذات التكلفة التشغيلية المنخفضة، فاستثمار هذه المرحلة في تنظيم السوق وضمان العدالة في الوصول إلى وسيلة نقل، قد يحول التحدي إلى فرصة لإعادة هيكلة قطاع النقل الخاص بما يخدم المصلحة العامة والمواطن معًا، بحسب ما يرى الدكتور إبراهيم نافع قوشجي.
المصدر: عنب بلدي