علي عيد

لا أدّعي علمي المطلق بصحة معلومة تفضيل حضور المؤثرين ومالكي ومديري مجموعات “فيسبوك” في فعاليات القصر الجمهوري، وآخرها حفل إطلاق “الهوية البصرية” لسوريا، لم أحضر الفعالية أو ما سبقها، وكنت في موقع الجمهور كغيري من السوريين، لكنني شاهدت على “السوشيال ميديا” أكثر مما يجب أن أشاهده على الإعلام الوطني أو حتى الخاص.

أنقل شكوى زملاء المهنة من تغييبهم، عن قصد أو دون قصد، أو حتى جهل بأهمية حضور الصحفيين ممن يجيدون التعامل مع الحدث بمهنية.

أعرف أهمية المؤثر، كما أعرف المكان الذي يجب أن يكون فيه، ففي دول الغرب مثلًا، تتم دعوة المؤثر من قبل مؤسسات رسمية وخاصة في قضايا تتعلق بفعاليات ترفيهية أو خيرية، وليس في فعاليات تتطلب سياقًا مختلفًا للتغطية والمتابعة، وتفسر أهمية الحدث وتفاصيله التي تسبق أهميتها مسألة الوصول.

يقول زميل مصوّر حضر الفعالية، إن “بوفيه” ما بعد الاحتفال كان لذيذًا، ملمحًا إلى أنه من تحضير أحد المطاعم المعروفة، وهو ما يفسر وجود مشرف صفحة “قشاطي” على “فيسبوك” بدل الصحفيين، لأن مشرف “قشاطي” تربطه صلة بالجهة التي زودت منظمي الحفل بطعام ما بعد الاحتفال.

لا أنكر أهمية الطعام، خصوصًا في بلادنا، ولكنني أتوقف عند المفاضلة بين ما أريد أن أكتب وما أريد أن آكل، طالما أن الأمر متعلق بمن يستطيع أن يستخلص ما يجب استخلاصه من حدث مهم تحول إلى جدل واسع على وسائل التواصل، وأن معظم الناس انصرفوا عن تفسير تصميم الشعار الجديد وضروراته إلى تصوير الحالة وإدخالها في جدل العوام، دون التقليل من العوام، فقد يكونون ضحايا ما ينقله من هبّ ودب.

هل انتهى عصر الصحفي الحصيف، وبات على الجمهور أن يستقي أخباره من صفحات “فيسبوك”، بعضها ينشر “بوستات” مذيلة بعبارة “موقع كذا لصاحبه فلان”.

إذا كان خيار صانعي القرار بشأن الاحتفالات ذات البعد الوطني، ولا أعرفهم، ولا أعرف من يديرهم، أن تقتصر تغطية قضايا مصيرية في تاريخ البلاد على طريقة “ابحث عن الأكثر انتشارًا على السوشيال ميديا”، فنحن عندها أمام مفاضلة تسويقية سيتساوى فيها بائع الأحذية مع بائع الأفكار أو مسوق السياسات أو حتى صانعها، وسأشطح قليلًا بفكرة قد لا تعجب البعض وليس المقصود الإساءة إلى أحد، إذ عادة ما أجادل زملائي في جلسات العصف الذهني بخصوص الإعلام وإشراك الجمهور بالقول إن أكبر جمهور هو جمهور الصحافة الصفراء، وإن أكثر جمهور الصورة والفيديو هو جمهور “البورنو” و”الكوميديا” الهابطة، ولذلك لا تستطيع حكومة أن تقدم شرحًا عن خططها الاستراتيجية في فيديو لمؤثر كوميدي لأنه يحظى بمتابعة واسعة، كما لا يستطيع مصنّع الألبسة الداخلية أن يصل إلى زبائنه بكتابة عمود رأي سياسي في صحيفة رصينة، وذلك هو الهدر المعرفي بكل ما تعنيه الكلمة.

وأكثر من ذلك، عندما ينخفض مستوى أداة الاتصال تنخفض قيمة الرسالة، وبعض القضايا، حتى الوطنية منها، تقبل احتمال تقديمها عبر الإعلام الرصين وإعلام وسائل التواصل، شرط الفصل بين الأداتين بعد فهم تأثيرهما، واستخدام صيغ مختلفة بهدف تقديم صورة واقعية متوازنة من جهة والتبسيط من جهة مكمّلة.

قرأت شكوى زميل في إحدى وسائل الإعلام الرسمية لعدم دعوته لفعالية “الهوية البصرية”، وأتفهم شكواه وغيره من الصحفيين، وقد تكرر الأمر مرارًا، وكأن البلاد في سباق لإيصال الحدث إلى الناس وتناوله مثل “سندويشة همبرجر”، لا كحدث وطني يحتاج إلى من يوصله كما يجب، ويرفع من وعي الناس واهتمامهم وكسب ثقتهم.

مسألة أخرى قد لا يأخذها المسؤولون بعين الاعتبار، هي أن المؤثرين يستأثرون بجمهور يشبههم، وقد يكون أثرهم على باقي الفئات سلبيًا في وقت يعاني فيه المجتمع من انقسام قائم على التنميط، فكل ما يقدمه “Z” قد يعطي أثرًا عكسيًا لمن لا ثقة لهم به بعد، أو تأثروا بـ”X” المختلف، لأسباب لا مجال لحصرها، وهذا هو “البوميرانج” أو ارتداد الرسالة عكسيًا إلى صدر مرسلها.. وللحديث بقية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.