لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي

في الأسبوع الأخير من حزيران الماضي، أطلق “التحالف من أجل الأمن الإقليمي” حملته الإعلانية الثالثة في تل أبيب ضمن سياق الترويج لـ”خطة درع إبراهيم” (Abraham Shield Plan)، حيث ظهر في صور اللوحات الطرقية إلى جانب دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، قادة دول من المنطقة ومن ضمنهم أحمد الشرع، كُتب في النسخ الإنجليزية منها “تحالف إبراهيم، حان وقت شرق أوسط جديد”، وفي اللوحات العبرية ”هنالك وقت للحرب، وقت للتسوية، حان وقت عهد إبراهيم“، في إشارة إلى الآية “لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ” (جا 3:8) في العهد القديم.

تأسس“الائتلاف من أجل الأمن الإقليمي” في خريف 2024، ويضم اليوم مجموعة واسعة ومتنوعة من هيئات ومعاهد أبحاث ومنظمات وشخصيات عامة إسرائيلية، من الرجال والنساء، مختصة في مجالات الأمن والدبلوماسية وإدارة الأعمال والتكنولوجيا والأبحاث، تتعاون جميعها لرسم “رؤية سياسية أمنية جديدة تجمع بين القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية” والدفع بها “للخروج من حروب الاستنزاف (…) مع إيران ووكلائها”، وذلك بحسب نص الخطة المنشور على موقع الائتلاف، و”الاستفادة من الفرصة الإقليمية كمسار مركزي لتعزيز أمن إسرائيل”.

يُعتبر النص المنشور للخطة “نسخة معقمة” (sanitized version) لا تحتوي على تفاصيل استراتيجية أو معلومات “حساسة”، فهي النسخة الترويجية التي يتوجه فيها الائتلاف إلى جمهور عام، وجهات “مفتاحية”، تتحدث بالعبرية أو الإنجليزية، لتُؤطر التغيرات الإقليمية في خطاب يستخدم في غسيله السياسي للواقع الاستيطاني التوسعي الإبادي مصطلحات مثل “الاستقرار” و”الازدهار” و”الاعتدال”، ليضفي طابعًا عقلانيًا يصوغه بنبرة أشبه بلغة مشاريع التنمية، وعلى الرغم من أن هذه الخطة ليست بالضرورة انعكاسًا دقيقًا لغرف العمليات، أو التفاهمات الإقليمية والدولية غير المعلنة، فإنها توضح معطيات جيوسياسية مهمة، فهي تفند المشهد الإقليمي وتعيد ترتيبه في ستة محاور، ثالثها يتناول تحويل سوريا ما بعد الأسد إلى “منطقة عازلة” عبر:

  • استمرار الاحتلال في “تطبيق نزع السلاح من الجولان السوري، والاحتفاظ بالمنطقة العازلة مؤقتًا حتى يتم إنشاء حكومة جديدة مسؤولة ومستقرة تحترم اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، أو حتى يتم نشر قوات دولية كبيرة في المنطقة”.
  • “مواصلة العمليات العسكرية لمنع التسلح الاستراتيجي في سوريا، والحد من تهريب الأسلحة إلى لبنان والأردن والضفة الغربية، مع الحفاظ على الاستعداد الكامل للرد على أي تطور، وتعزيز نشر قوات على طول الحدود”.
  • “ستجند إسرائيل الإدارة الأمريكية وشركاءها الإقليميين لمنع إيران من إعادة تأسيس نفسها في سوريا، وتعميق (المنطقة العازلة)، ودعم حكومة سورية جديدة ومسؤولة ومستقرة قد تؤدي إلى حقبة جديدة من العلاقات في المستقبل”.
  • “في ضوء مركزية تركيا بتشكيل النظام المستقبلي في سوريا، ستنشئ دولة إسرائيل قناة اتصال مع تركيا لتعزيز المصالح المشتركة في الاستقرار الإقليمي”.

مما لا شك فيه، أن إعادة تشكيل المنطقة هو مشروع قديم يتجدد دائمًا برؤى وصراعات قوى إقليمية ودولية، وفي حين أن البعض يحدد بداية هذا الفصل من تاريخ المنطقة مع “7 أكتوبر”، أو حتى مع احتلال العراق، هناك من يعود في مراجعة التاريخ إلى اتفاقية “سايكس- بيكو”، ومثل هذا الرجوع إلى الخلف ليس حكرًا على اليسار السياسي أو الفكر المناهض للاستعمار في المنطقة، فحتى أحد مسؤولي إدارة ترامب في لقاء مع صحيفة “ذا هيل” (The Hill) الأمريكية انتقد “كيف قسمت اليد القبيحة للغرب الشرق الأوسط”، وتساءل عن “ديمومة الدول القومية” التي نتجت عن التقسيم، وذلك في سياق حديثه خلال جلسة إحاطة إعلامية حول توقيع ترامب على أمر تنفيذي برفع العقوبات عن سوريا، “وجهود الإدارة الأمريكية لإقامة علاقات دبلوماسية بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل”.

وعندما سألت الصحفية المسؤول الأمريكي، كيف تريد إدارة ترامب أن تبدو حدود إسرائيل، أجابها أنه “لا تهتم الإدارة الأمريكية في تحديد الحدود”، فجميعها خطوط “وهمية”، تم رسمها بناء على وقائع على الأرض في وقتها، وفي هذا الإطار، أشاد بالنموذج العثماني، الذي لم يكن مبنيًا على دول قومية، بل سمح لكل منطقة بإدارة شؤونها ضمن “نظام استئنافي“، وعليه، فقد تذهب المفاوضات إلى مكان جديد غير نموذج “الدول القومية”. واستنادًا إلى ما سبق، هل يعني هذا الطرح تفتيت دول المنطقة، وجعل إسرائيل المركز الذي يتحكم بها؟

واستكمالًا لمشهد سيولة المستجدات والتصريحات، نذكر تشديد وزير خارجية الاحتلال، جدعون ساعر، على أن هضبة الجولان السورية المحتلة ستبقى تحت الاحتلال، وبأنهم لن يتفاوضوا “على مصير الجولان في أي اتفاق سلام”، وفي نيسان الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن جيش الاحتلال “سيبقى في المناطق الأمنية كحاجز بين العدو والمجتمعات “الإسرائيلية”، ضمن أي وضع مؤقت أو دائم، في غزة، كما في لبنان وسوريا”، وفي الواقع إن “جوهر المشروع أوضح من أن يُموَّه: تثبيت الوجود العسكري بالقوة، ثم منحه توصيفًا قانونيًا لاحقًا.”

وبالعودة إلى نسخة “خطة درع إبراهيم” الترويجية، وشعارات “إعلان اتفاقيات إبراهيم” في “التعايش والسلام” و”احترام كرامة الإنسان وحريته” التي يفرغها الاحتلال من معناها كل يوم وعلى عدة جبهات، وجب التذكير بأن نشر أوهام ازدهار المنطقة فور توقيع الدول عليها، لا يختلف عن تسويق الرخاء الاقتصادي قبل “معاهدة السلام الأردنية- الإسرائيلية”، التي كانت النتيجة بعدها، بأن أصبح الأمن المائي واقتصاد الأردن “أداة تطبيعية لترسيخ التبعية والهيمنة” الإسرائيلية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.