– محمد ديب بظت

كانت مدينة حلب تُعرف تاريخيًا كأحد أبرز مراكز الصناعات الجلدية في المنطقة، لكن سنوات الحرب، وما تبعها من انهيار اقتصادي، أدت إلى تقليص أعداد الورشات، وتراجع جودة الإنتاج، واضطرار الصناعيين إلى خفض حجم أعمالهم أو تعليقها.

وتعاني الصناعة الجلدية في سوريا، ولا سيما في مدينة حلب، من مشكلات متراكمة تتعلق بارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع الطلب المحلي، وزحف المنتجات الأجنبية، وسط عدم وجود دعم فعلي للقطاع.

محاولة للعودة

خلال حديث مع صناعيين مشاركين في معرض الأحذية للمنتجات الجلدية، الذي أُقيم في فندق “الشيراتون” بحلب، قال عبد النبهان محمد، إن المعرض يشكل فرصة للدعاية والتعريف بالنشاطات الجديدة، ولا سيما بعد انقطاع استمر أكثر من 14 عامًا عن السوق المحلية.

وأضاف أنه يحاول من خلال المعرض إعادة الدخول إلى السوق السورية والتعرف إلى طبيعة الطلب فيها.

وأشار إلى أن أبرز الصعوبات التي تواجه الصناعيين حاليًا تتعلق باليد العاملة، وصعوبة الوصول إلى أماكن بيع المستلزمات، إضافة إلى تحديات تأمين الجلود.

لكنه لفت إلى أن بعض الصناعيين الذين استأنفوا عملهم في وقت مبكر ساعدوا القادمين الجدد من خلال تعريفهم بأماكن البيع والتجهيز.

منافسة وتحديات

من جهته، قال الصناعي عمر موسى، ل، إن مشاركته تأتي في إطار السعي لإعادة إحياء الصناعة المحلية التي تراجعت إلى مستويات متدنية خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة في الداخل.

ومن أبرز أسباب هذا التراجع الاعتماد المتزايد على البضائع المستوردة، لا سيما الصينية، وطرحها في الأسواق المحلية، الأمر الذي انعكس سلبًا على فرص الإنتاج الوطني.

وبحسب موسى، فإن الصناعيين يحاولون قدر الإمكان رفع مطالب للجهات المعنية تتعلق بتأمين المواد الأساسية اللازمة للإنتاج، سواء في قطاع الجلديات أو غيره.

وأكد قدرة الحرفيين على إنتاج بضائع تضاهي من حيث الجودة المنتجات المستوردة، كالبضائع التركية، غير أنهم بحاجة إلى دعم على مستوى المعدات والمواد.

وأشار إلى أن العديد من تجار المستلزمات والتجهيزات الصناعية يحاولون حاليًا إعادة تنشيط أعمالهم داخل سوريا، معربًا عن أمله في أن تسهم عودتهم في تحريك عجلة الإنتاج وتحسين واقع القطاع.

كما لفت إلى أهمية توفر الكهرباء والإنترنت، نظرًا إلى اعتماد الصناعيين المتزايد على الوسائل الرقمية في الترويج والتواصل، موضحًا أن غياب هذه الخدمات يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، وهو ما ينعكس على سعر المنتج النهائي للمستهلك.

ويفضل عدد من الصناعيين الجدد البدء بمناطق وسطية ضمن المدينة، نظرًا إلى تكاليفها الأقل مقارنة بالمنطقة الصناعية في الشيخ نجار، رغم أن الأخيرة تتمتع ببنية خدمية أفضل.

غياب الدعم

تواصلت مع عبود مللي، صاحب ورشة لصناعة الأحذية في منطقة الفردوس، وقال إن الصناعة الجلدية في حلب فقدت كثيرًا من حضورها التقليدي، في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الطلب المحلي.

وأوضح أن حلب مشهورة بجودة الجلديات، وكان المنتج يصل إلى الأسواق الخارجية، أما اليوم فالوضع مختلف تمامًا، فاليد العاملة تراجعت، والمواد الأولية صارت باهظة الثمن، والمستهلك المحلي لم يعد قادرًا على الشراء كما في السابق.

عملية الإنتاج صارت محفوفة بالعقبات، تبدأ من انقطاع الكهرباء وتمر بنقص المحروقات، ولا تنتهي عند ارتفاع أسعار المواد المستوردة.

وتشهد الأسواق المحلية انتشارًا متزايدًا للمنتجات الأجنبية، خصوصًا التركية أو المعروضة في أسواق “البالة”، التي تدخل بطرق غير نظامية وتباع بأسعار تقل عن تكلفة المنتج المحلي.

بينما يبحث المستهلك عن السعر والجودة، “ومن الصعب أن ينافس المنتج المحلي نظيره الأجنبي الذي يُباع بنصف تكلفتنا تقريبًا، وعليه يُترك الصناعي المحلي وحده ليواجه صعوبات السوق”، على حد تعبير مللي.

وأعرب مللي عن استيائه مما وصفه بـ”غياب الدعم الفعلي”، مؤكدًا أن المبادرات الرسمية لا تتجاوز نطاق التصريحات الإعلامية أو الزيارات الشكلية، حيث تقام المعارض، و”تُقال كلمات جميلة عن دعم الصناعة، لكن على الأرض لا نجد شيئًا ملموسًا”، بحسب قوله.

ونوه إلى حاجة أصحاب الورشات إلى دعم حقيقي، من خلال تنظيم استيراد المواد، وضمان التيار الكهربائي، وتوفير المحروقات بسعر مقبول، فاستمرارية العمل مرتبطة بشكل مباشر بتحسين البنية التحتية، وتوفير المواد الأولية، ومع غياب هذه العوامل، تبقى الفعاليات فرصًا محدودة للتلاقي، دون أن تشكل حلولًا حقيقية للأزمات التي تواجه الصناعة.

واعتبر أن صناعة الجلديات في حلب تمر بمرحلة دقيقة لا تقتصر على الفعاليات والمعارض التي تجمع الصناعيين بين الحين والآخر، بل تتعلق بتحديات تتطلب دعمًا متواصلًا على الأرض.

وانطلق معرض الأحذية والمنتجات الجلدية في 30 من حزيران الماضي، واختتم في 2 من تموز الحالي، في فندق “الشيراتون” بمدينة حلب، وجاء تحت رعاية المحافظ عزام غريب، وبتنظيم مشترك بين غرفة تجارة حلب، وغرفة صناعة حلب، والمدينة الصناعية في منطقة الراعي، وبمشاركة عدد من الصناعيين السوريين، إلى جانب حضور صناعيين من تركيا.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.