– موفق الخوجة
عاد الأمل إلى السوريين بإنشاء دولة وفق المبادئ التي خرجت ثورة آذار 2011 لأجلها، والتي طالبت بالعدل والمساواة والحرية وإشراك الشعب بالحكم بشكل حقيقي لا صوري، وذلك بعدما تخلّصت سوريا، في 8 من كانون الأول 2024، من حقبة تكلّلت بالاستبداد، طوال 54 عامًا، حكمها آل الأسد، الأب والابن، بالحديد والنار.
وبعد سقوط النظام، دخلت سوريا في عهد وأمل جديدين، بتأسيس الدولة المنشودة، وخلال الفترة الماضية، ورغم ما شهدته البلاد من انفتاح سياسي، وفضاء واسع من الحريات الصحفية والاجتماعية، تبقى المخاوف مسيطرة على السوريين من عودة حكم استبدادي جديد.
أبرز تلك المخاوف نشأت من خلو الدستور المؤقت الذي أقرّه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 من آذار الماضي، والذي حدد الفترة الانتقالية بخمس سنوات.
دستور مؤقت
عمدت اللجنة الدستورية إلى تقسيم الإعلان إلى مقدمة وأربعة أبواب، تضمن الأول الأحكام العامة، وفيه 11 مادة، والثاني عن الحقوق والحريات وشمل 12 مادة.
ويتعلق الباب الثالث بمعالجة شكل الحكم والنظام بالمرحلة الانتقالية وفيه 24 مادة، والباب الرابع عن الأحكام الختامية وتضمن ست مواد.
الدستور المؤقت لاقى انتقادات من حقوقيين ومنظمات عالمية، إذ قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن الإعلان الدستوري السوري الذي جرت الموافقة عليه مؤخرًا، والذي يُفترَض أن يحكم البلاد في المرحلة الانتقالية، يعرّض الحقوق الأساسية للمواطنين السوريين للخطر.
وأكدت المنظمة في تقرير لها، في 25 من آذار الماضي، أن الإعلان الدستوري، الذي وقّعه الرئيس، الشرع، يمنح الرئيس صلاحيات كبيرة تشمل التعيينات القضائية والتشريعية دون أي ضوابط أو رقابة.
الخبير القانوني غزوان قرنفل أكد، في حديث إلى، عدم وجود أي سلطة يمكنها مساءلة أو محاسبة الرئيس، وفق ما نص عليه الإعلان الدستوري، معتبرًا أن الرئيس استحوذ على جميع السلطات والصلاحيات كـ”حاكم مطلق”.
الدستور المؤقت، اعتمد النظام السياسي الرئاسي في سوريا، وألغى منصب رئيس الوزراء، ليحصر الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الجمهورية.
بالمقابل، أكد المتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك، في مؤتمر صحفي، أعقب التوقيع على الدستور، أن النظام السياسي الرئاسي ضمن مسودة الإعلان الدستوري لا يسمح أن تقوم سلطة بعزل سلطة أخرى.
وأشار إلى أن هناك ضمانات بالإعلان الدستوري أهمها ما يتعلق بمحاربة تغول السلطات.
يقوّض الديمقراطية
المحلل السياسي حسن النيفي قال ل، إن الإعلان الدستوري المؤقت ينطوي على الكثير من الملاحظات، أبرزها كثرة السلطات التي اختزلها رئيس الجمهورية بشخصه.
واعتبر أن مسألة الانتخابات البرلمانية وتشكيل البرلمان “شاهد واضح” بأحقية رئيس الجمهورية بتعيين الثلث.
وأضاف أن إمساك الرئيس بسلطات كثيرة هي من الملاحظات التي تؤخذ على الإعلان، معتبرًا أن من شأنها أن تقوّض مبدأ الديمقراطية الذي يتطلع إليه السوريون.
مما لا شك فيه، ولعله من الصحيح أيضًا، أن الإعلان الدستوري يخلو من أي إشارة أو بند لمحاسبة رئيس الجمهورية، وهذه ثغرة قانونية واضحة.
حسن النيفي
محلل سياسي
مجلس الشعب لا يسائل
الرئيس السوري أعلن، في 13 من حزيران الماضي، عن تشكيل اللجنة الانتخابية لاختيار أعضاء مجلس الشعب، إذ تختار الأخيرة ثلثي الأعضاء، بينما يختار الشرع الثلث المتبقي.
وبدأت اللجنة بجولات على المحافظات السورية لـ”اسمتزاج” (استطلاع الرأي العام) حول طبيعة المجلس التشريعي ولاختيار أعضائه.
ووفق الدستور المؤقت، لن تكون هناك أي سلطة لمجلس الشعب على رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية، بتأكيد من المتحدث باسم لجنة صياغة مسودة الإعلان الدستوري، العواك.
وفي مؤتمر للجنة الانتخابية في حلب، وصف أعضاء اللجنة قضية مساءلة رئيس الجمهورية بالأمر “الحساس”، موضحين أن الإعلان الدستوري المعمول به حاليًا يقضي باستمرار العمل بالقوانين السارية، ما لم تُلغَ أو تُعدل.
وبحسب اللجنة، لا توجد مادة قانونية تتيح لمجلس الشعب مساءلة الرئيس، باستثناء ما يرد في قانون المحكمة الدستورية، التي تملك صلاحية النظر في تهم الخيانة العظمى، لذلك، فإن وجود مجلس شعب فاعل هو خطوة أساسية لإقرار قانون جديد ينظّم مساءلة رئيس الجمهورية مستقبلًا.
“سلطة عوراء”
الخبير القانوني قرنفل، قال إن أهم وظيفتين للسلطة التشريعية، هما تشريع القوانين والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
وأضاف أن الإعلان الدستوري انتزع من المجلس التشريعي صلاحية مراقبة ومساءلة السلطة التنفيذية على أعمالها وحصر دور المجلس في تشريع القوانين فحسب، معتبرًا أن مجلس الشعب الآن “سلطة عوراء”.
وأشار إلى أنه لا يمكن للمجلس تشريع قوانين لمحاسبة الرئيس أو السلطة التنفيذية، لأن أي تشريع سيصدر يجب ألا يخالف نصوص الإعلان الدستوري، وإلا اعتبر قانونًا غير دستوري.
الإعلان الدستوري قيّد الشعب وأطلق عنان السلطة للرئيس، الذي يفترض أنه يستمد سلطته من الشعب.
غزوان قرنفل
خبير قانوني
الشارع يحاسب
اللجنة الانتخابية شابتها انتقادات أيضًا ترتبط بطريقة تعيين أعضاء مجلس الشعب، بدلًا من إجراء انتخابات وتصويت شعبي.
بررت اللجنة عدم إجراء انتخابات بعدة عوامل، تتعلق بالبنية التحتية المتهالكة، ووجود مهجرين في خيام عشوائية، وغياب الإحصائيات الدقيقة، وخروج مناطق من سلطة الحكومة شمال شرقي سوريا.
إلى جانب التعيين، برزت انتقادات حول صلاحيات المجلس التشريعي، وغياب أدوات المحاسبة، وحجب الثقة أو إيقاف عمل عناصر السلطة التنفيذية.
عضو اللجنة القانونية للجنة انتخاب المجلس التشريعي، طارق الكردي، قال في مقابلة متلفزة، إن السوريين الذين خرجوا إلى الساحات، أعطوا نوعًا من الاستفتاء على شرعية رئيس الجمهورية.
وأضاف أن الشعب يمكن أن يحاسب الرئيس بنفس الطريقة (النزول والتظاهر بالشارع).
من جانبه، يرى المحلل السياسي حسن النيفي أن الوسيلة لمحاسبة رئيس الجمهورية هي الشارع “كلام سياسي وليس دستوريًا أو قانونيًا”.
وقال إن سوريا تطمح إلى أن تكون بلد القانون والدستور، معتبرًا أن الاحتكام للشارع عندما تكون هناك مظاهرات واحتجاجات، بينما “نحن نشرّع لمرحلة جديدة لا يجب أن تخضع للمناكفات السياسية”.
وأوضح أن المظاهرات والاحتجاجات تحسب على قطاع الحراك السياسي، مفرقًا بين الحراك السياسي والمرجعية القانونية والدستورية.
ودعا إلى أن ينصّ الدستور والقوانين المتفرعة عنه على آليات واضحة لمحاسبة كل المسؤولين، بمن فيهم رئيس الجمهورية.
المصدر: عنب بلدي