“القوانين تهلك الفلاحين، اضطررنا للتوجه إلى تصدير الكرز كخيار وحيد، وإلا سيجبر الفلاح على ترك أرضه، نحن نواجه فواتير كهرباء مرتفعة لتأمين مياه الري، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار المبيدات، لذلك لم يبق باب رزق آخر”.
بهذه الكلمات يصف عبده محمد العبدة، وهو فلاح يمتلك بستانًا في منطقة الزبداني، التراجع في موسم الكرز، ويعزوه إلى عدة أسباب، أبرزها الجفاف وسوء التنسيق بين الحكومة والفلاحين، بالإضافة إلى غياب الإرشاد الزراعي والتدريب والتأهيل اللازمين، وفق ما قاله ل.
وتعد مدينة الزبداني، التابعة لمحافظة ريف دمشق، من أبرز المناطق الزراعية في سوريا، وتشتهر بزراعة الأشجار المثمرة كالكرز والتفاح والإجاص، وتعد من أهم مصادر الفواكه الموسمية التي تغذي أسواق دمشق بالفواكه، إلا أن هذا الموسم شهد تراجعًا كبيرًا في إنتاج الأشجار المثمرة، وخاصة الكرز، مقارنة بالسنوات السابقة.
وسجلت المديرية العامة للأرصاد الجوية في سوريا مؤخرًا تراجعًا ملحوظًا في معدلات الهطولات المطرية لهذا العام مقارنة بالسنوات السابقة.
ولم تتجاوز نسبة الهطولات نصف المعدل في 15 محطة من أصل 23، في حين لم تصل إلى ربع المعدل في خمس محطات وقد انعكس هذا التراجع بشكل واضح على موسم الأشجار المثمرة، وخاصة الكرز.
وفي فيديو نشرته المديرية، عبر صفحتها في “فيسبوك”، أعد باستخدام مؤشر الاستشعار النباتي (NDVI) أظهرت البيانات أن عام 2025 جاء في المرتبة الثالثة ضمن أكثر خمس سنوات ضعفًا، في الموسم المطري خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2025.
من جهتها، أشارت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في نشرتها الدورية، التي تقيس مؤشر الإجهاد الزراعي كل عشرة أيام، إلى تحديد مناطق إنذار مبكر في سوريا.
تعتمد النشرة على بيانات مناخية وبيئية متعددة، من أبرزها معدلات الهطول المطري ودرجات الحرارة.

مؤشر الإجهاد الزراعي ASI الذي يستخدم في نظام الإنذار المبكر عن الجفاف 25 حزيران 2025 (منظمة الفاو)
الكرز يعاني
لاحظ نقيب سوق الهال، موفق طيارة، تغيرًا كبيرًا هذا الموسم في وفرة محاصيل الكرز، وعزا ذلك إلى موجات الحر والصقيع وقلة الأمطار.
وأشار طيارة، إلى غياب برامج دعم شاملة للمزارعين، داعيًا إلى تبني سياسات حكومية تضمن حماية الإنتاج المحلي، عبر دعم الزراعة المستدامة، وتوفير تقنيات مقاومة للجفاف والصقيع، كما نوه إلى أهمية إحداث توازن بين التصدير وتلبية حاجة السوق المحلية.
وبيّن أن أسعار الكرز ارتفعت بشكل لافت هذا العام، حيث وصل سعر عشرة كيلوجرامات من الكرز عالي الجودة إلى 1.5 مليون ليرة سورية (150 ألف ليرة للكيلوغرام)، قبل أن يبدأ بالانخفاض تدريجيًا ليصل سعر الكيلو العادي إلى نحو 30 ألف ليرة.
وأضاف أن مناطق زراعة الكرز شهدت انخفاضًا حادًا في الإنتاج، بسبب تراجع درجات الحرارة شتاء، ما قلل من عدد ساعات التبريد المطلوبة، الأمر الذي أثر على جودة الثمار، وحجمها، وحتى توقيت نضجها.
وأوضح أن كميات كبيرة من المحصول عالي الجودة تم تصديرها، ما قلل من المعروض محليًا وأسهم في رفع الأسعار.
الانزياح المناخي باتجاه فصل الصيف
من جانبه، أوضح محمد البحري، المدير السابق لوحدة الإنذار المبكر عن الجفاف، أن مؤشر صحة الهطول المطري (VHI) لهذا العام لم يتجاوز 50% في معظم المناطق، وأكد أنه في حال انخفاض هذا المعدل منذ بداية الموسم (أيلول) وحتى منتصف نيسان، يتم إعلان حالة الجفاف.
وأشار البحري إلى أن الأشجار المثمرة تعتمد على المياه الجوفية، وعند انخفاض منسوب هذه المياه بسبب قلة الهطول أو السحب المفرط، تصبح كميات المياه المتوفرة غير كافية لتلبية احتياجات المحصول.
وبيّن أن ظاهرتي “الاحتباس الحراري” و”الانزياح المناخي باتجاه فصل الصيف”، تُعدّان من أبرز أسباب التغير المناخي الحالي.
كما رجّح أن يكون تراجع موسم الكرز مرتبطًا بتعرّض الأزهار للصقيع، وهو ما أكّده العديد من الفلاحين في المنطقة.


آخر نشرة هطول مطري لمناطق توزع زراعة الكرز والأشجار المثمرة 31 آيار 2025 (وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي).
موسم الكرز كان مكلفًا.. الدعم غائب
صاحب شركة “تسنيم” للتصدير، أحمد الحنش، قال إن موسم الكرز هذا العام شكل عبئًا كبيرًا على المصدرين نتيجة موجات الصقيع، التي أثرت سلبًا على جودة المحصول وكميته، ما زاد من تكاليف التصدير.
وأشار الحنش، إلى أن أبرز الأسواق المستهدفة لتصدير الكرز السوري هي دول الخليج، بينما تُخصّص الدرجة الأولى من المحصول للتصدير إلى روسيا.
وأوضح أن تصدير الكرز ينعكس مباشرة على السوق المحلية من خلال رفع الأسعار، بينما يؤدي عدم تصديره إلى انخفاض حاد في قيمته، ما يضر بالعائدات الزراعية.
وانتقد الحنش، غياب التعاون من الجهات المعنية، سواء مع الفلاحين أو المصدرين، فيما يتعلق بدعم وتحسين جودة المحاصيل، مؤكدًا أن الكرز السوري يُعد من السلع الزراعية القليلة التي لا تواجه منافسة قوية من دول الجوار، باستثناء إيران.
انخفاض الإنتاج وارتفاع الطلب
يلخص التاجر محمد راتب حيدر، مالك أحد المحال في سوق الهال، واقع السوق بكلمات بسيطة تختصر الصورة، فـ”العرض قليل، والطلب كبير، والسعر يحلق، الكرز لم يعد متوفرًا كما كان وصار شراؤه يعتبر رفاهية”.
تسعيرة هذا الموسم بدأت مرتفعة، ويرجع حيدر ذلك إلى زيادة الطلب الخارجي مقابل انخفاض في الكميات المعروضة.
وأوضح أن الأسعار في المواسم السابقة كانت تبدأ بمعدلات مماثلة لهذا العام، لكنها سرعان ما تنخفض لتصل أحيانًا إلى دولار أو أقل، نتيجة وفرة الإنتاج وضعف الطلب، أما هذا العام فقد حافظ السعر على ثباته النسبي بسبب قلة العرض مقارنة بحجم الطلب، مما أبقى التسعيرة على حالها دون انخفاض ملحوظ.
المصدر: عنب بلدي