في خطوة استراتيجية ومفصلية، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرارًا برفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة التنظيمات الإرهابية، مطبقة رسميًا اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025، ويأتي ذلك بعد قرار رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب أمر تنفيذي موقع من قبل الرئيس ترامب في 30 يونيو، وكان أعلن عنه خلال اجتماعاته بالمملكة العربية السعودية، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع، فما هي الفائدة التي تعود على سوريا من رفع هذا التصنيف؟
رفع شامل للقيود… ما الذي يعنيه قانونيًا؟
بحسب المحامي والحقوقي منهل العلو، فإن القرار الأمريكي يفتح المجال أمام تغييرات جذرية في الوضع القانوني لأفراد هيئة تحرير الشام سابقًا.
ويقول: “يشمل القرار رفع الحظر المفروض على الكوادر المدنية والعسكرية التي كانت منضوية تحت راية الهيئة، مما يسهل عليهم الحصول على تأشيرات دخول إلى الدول الأجنبية، ويزيل القيود المتعلقة بحرية تنقلهم وسفرهم دولياً.”
وهو ما يعني أن العديد من الكفاءات السورية التي كانت مقيدة بحكم ارتباطها السابق بالهيئة ستتمكن من الانخراط مجددًا في النشاطات الدولية، سواء في إطار العمل الدبلوماسي أو التعاون العلمي والمهني، ومن بينها الرئيس السوري احمد الشرع وهو قائد هيئة تحرير الشام قبل حلها، حيث كان يحتاج لاستثناءات دولية قبل سفره نتيجة ارتباطه السابق بهذه القائمة.
ويمهد هذا القرار أيضاً حضوره في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المزمعة في ديسمبر المقبل، ليكون أول رئيس سوري يلقي خطاب في هذه الجمعية منذ أكثر من 60 عاماً.
وكان الرئيس الأمريكي أعرب عن انطباع إيجابي غير تقليدي تجاه أحمد الشرع خلال لقائهما في 14 مايو 2025 في الرياض ووصفه بـ “شاب وجذاب ورجل قوي”، واعتبر أن “لديه فرصة حقيقية لعمل تاريخي”، مشددًا على تقديم “فرصة لسوريا لتصبح عظيمة”.
كما دعا الشرع إلى انضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن الدعم الأمريكي يهدف إلى تشجيع الإصلاح والاعتراف الجاد بالواقع الجديد.
التمكين المالي والاقتصادي… بداية مرحلة جديدة
كما يشير العلو إلى البعد المالي والاقتصادي للقرار، وتفكيك العقبات بحق الأفراد المرتبطين بالهيئة بهذا الملف.
ويقول: “سيتمكن الأفراد والجهات المرتبطة بالهيئة من فتح حسابات مصرفية في الخارج، كما يُلغى مفعول قرارات الحجز الاحتياطي على أموالهم وأصولهم إن وُجدت، مما يعيد إليهم جزءاً من أهليتهم الاقتصادية.”
هذا البعد الاقتصادي قد يشكل دفعة كبيرة لجهود الحكومة السورية الجديدة في استقطاب الاستثمارات وإعادة هيكلة الاقتصاد، مع إعلان عدد من المؤسسات السورية عن نيتها التواصل مع مصارف إقليمية ودولية وإعادة فتح حسابات مالية مجمدة، ويبعد كل الشكوك الدولية التي مارست الحذر بتعاملها مع الحكومة السورية الجديدة نتيجة وجود قيادات فيها من أعضاء هيئة تحرير الشام.
إعادة هيكلة السلك الدبلوماسي السوري
القرار الأمريكي يفتح الباب أمام دمشق الجديدة لإعادة ترتيب ملفاتها الدبلوماسية.
ويوضح العلو: “يُتيح هذا القرار للدولة السورية الجديدة فرصة إعادة تنظيم وتمكين بعثاتها الدبلوماسية، واستبعاد السفراء التابعين للنظام السابق واستبدالهم بكفاءات مهنية تم تدريبها وكانت ضمن صفوف الهيئة.”
ويرى مراقبون أن وزارة الخارجية السورية قد تبدأ خلال أسابيع قليلة بالإعلان عن تغييرات شاملة في طواقمها بالخارج، بهدف ترسيخ الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة وتعزيز حضورها في المنظمات الإقليمية والأممية، لا سيما أنها أعلنت عن تدريب عشرات الدبلوماسيين مؤخراً لتولي المهمة.
تداعيات قضائية مرتقبة داخليًا وخارجيًا
من الناحية القضائية، يوضح العلو أثرًا بالغ الأهمية للقرار، مشيراً إلى أنه “يفتح المجال أمام الدولة السورية، ممثلةً بمؤسساتها القضائية وعلى رأسها النائب العام للجمهورية، للشروع في الملاحقة القانونية ضد الكيانات والأفراد داخل سوريا وخارجها الذين يصفون الحكومة السورية أو كوادرها بأنها إرهابية، باعتبار أن هذا الوصف لم يعد يستند إلى تصنيف قانوني دولي.”
ما قد يمنح المؤسسات السورية الجديدة أداة قانونية إضافية لتعزيز موقعها وسمعتها دوليًا.
ويتوقع المحامي العلو أيضًا أن يمتد تأثير القرار إلى ملف المعتقلين، ويقول: “سيؤدي القرار إلى إطلاق سراح واستعادة عناصر الهيئة المعتقلين في الخارج على خلفية الاتهام بالانتساب لجماعة كانت مصنفة كمنظمة إرهابية سابقاً.”
تعويم القرار عالميًا… الدور الأمريكي الحاسم
يرى العلو أن القرار الأمريكي قد لا يقف عند حدود واشنطن، لا سيما أن الأمم المتحدة ودول أوروبية لا تزال تصنّف هيئة تحرير الشام بالإرهابية، إلا أنّ تقاريراً أكدت أن واشنطن طرحت ملف رفع التصنيف في أروقة مجلس الأمن، والذي سيجري لأجله نقاشات موسعة.
ويقول: “جميع الدول الأوروبية والعربية سوف تتخذ قريباً نفس القرار لاعتبارات سياسية متعلقة بمركزية القرار الأمريكي وقوته على الصعيد العالمي.”
وهو ما يعكس حجم النفوذ الأمريكي في صياغة المشهد السياسي والقانوني الدولي تجاه الملفات الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها سوريا، لا سيما مع الانفتاح الأمريكي الكبير تجاه الحكومة السورية ودعمها.
أفق علمي وثقافي جديد
يختتم العلو حديثه بالتأكيد على البعد الأكاديمي للقرار، مشيراً إلى أن هذا القرار سيتيح لكوادر الهيئة العسكرية والمدنية حرية ممارسة نشاطاتهم العلمية في الخارج، كالتبادل الثقافي وإكمال دراساتهم في الكليات والأكاديميات العسكرية والمدنية العالمية.
وهي نقطة تفتح الباب أمام تطوير مؤسسات الدولة السورية عبر كوادر مدربة ومؤهلة دوليًا.
خطوة تدفع للمزيد من الإنجاز
إن علاقة ترامب الإيجابية بشكل مفاجئ مع الرئيس الشرع أثبتت أن واشنطن تنظر إلى هذه المرحلة كفرصة استراتيجية، لتصميم سوريا مختلفة، ودعم إعادة الإعمار والدمج المالي للدولة الجديدة، وبداية لتطبيع العلاقات إقليميًا وقد يصل إلى اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
كما تعد رسالة واضحة إلى الخصوم الإقليميين أن الولايات المتحدة ستكون شريكًا لا بد من مراعاته.
لكن نجاح هذه السياسة كلٌ حسب مراقبين قانونيين وسياسيين مشروط بمدى التزام السلطات الجديدة بالمبادئ التي أطرها ترامب، وهي مكافحة الإرهاب فعليًا، وضبط المليشيات ومنع الحضور الإيراني مجدداً، والمضي خطوة نحو السلام الإقليمي.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية