شنّت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حملة اعتقالات واسعة وغير مسبوقة في ريف دير الزور شرقي سوريا، الخاضع لسيطرتها، واستهدفت 20 قياديًا في “قوى الأمن الداخلي” (أسايش) التابعة لها، بالإضافة لعناصر في “قوات الكوماندوس الخاصة”.
الاعتقالات، جرت فجر 21 من حزيران الماضي، وأثارت تساؤلات حول دوافعها الحقيقية وتداعياتها المحتملة على المشهد الأمني والسياسي في شمال شرقي سوريا، لا سيما أن الحملة استهدفت عناصر من المكون العربي.
وبينما تشير المصادر الرسمية لدى “قسد” إلى دوافع تتعلق بمكافحة الفساد، يرى ناشطون ووجهاء في المنطقة أنها قد تكون مؤشرًا إلى شرخ أمني عميق وصراع نفوذ متزايد داخل صفوفها.
قياديون عرب بارزون
الاعتقالات جرت خلال اجتماع طارئ في منطقة المعامل بدير الزور، حيث حاصرت قوات لـ”قسد” المبنى واقتحمته فور دخول القادة المستهدفين.
وضمت قائمة المعتقلين شخصيات ذات ثقل وتأثير في المنطقة، بحسب مراسل، أبرزهم:
فواز الكريدي (أبو همام): قيادي بارز في قوات “أسايش” بريف دير الزور الغربي وضابط برتبة رائد.
محمود البدر: قائد إدارة منطقة الكسرة.
“أبو إسحاق”: قيادي من إدارة الريف الغربي وهو ضابط برتبة نقيب.
خمسة قادة آخرين لمجموعات تحوي عناصر من المكون العربي من قوات “الكوماندوس” الخاصة.
وأشارت مصادر داخل “قسد” إلى أن جميع المعتقلين تم نقلهم إلى مدينة القامشلي في الحسكة، وهي معقل رئيسي للقوات، دون الكشف عن الأسباب المباشرة للاعتقال، ما زاد من الغموض والتكهنات حول هذه العملية.
“قسد”: فساد مالي
تحدث مصدر عسكري من “قسد” إلى طلب عدم الكشف عن هويته، بأن هذه الاعتقالات تأتي في إطار حملة واسعة لمكافحة الفساد داخل المؤسسة الأمنية والعسكرية.
ووفقًا للمصدر، فإن التحقيقات الأولية كشفت عن تورط بعض هؤلاء القياديين في قضايا فساد مالي كبيرة، تجاوزت المبالغ فيها 200 ألف دولار أمريكي.
وأكد المصدر أن “قسد” لن تتهاون مع أي تجاوزات مالية قد تؤثر على كفاءة قواتها وثقة الأهالي بها، وفق قوله، مشددًا على أن هذه الإجراءات “ضرورية لضمان الشفافية والمساءلة”، وجزء من جهودها لـ”تطهير” صفوفها من أي “عناصر فاسدة”.
“شرخ أمني وصراع نفوذ”
على النقيض من الرواية الرسمية، أشار الصحفي إبراهيم الحسين، وهو مدير موقع “الشرقية بوست” والمتخصص في الشأن المحلي، إلى احتمالية وجود شرخ أمني أعمق داخل “قسد”.
يرى الحسين أن اعتقال هذا العدد من القياديين العرب البارزين في وقت واحد، وبهذه الطريقة المفاجئة، يشير إلى وجود شرخ أمني عميق داخل صفوف “قسد”.
وقال إن هذا الحادث قد يؤدي إلى فقدان الثقة بين القيادات العربية والكردية، خاصة مع استمرار سياسة “قسد” في عزل القادة العرب عن مناصبهم الحساسة وتعيين موالين لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK).
وأضاف الحسين أن هذه الاعتقالات، بغض النظر عن أسبابها المعلنة، قد تزيد من حالة عدم الاستقرار في دير الزور وتغذي حالة التوتر القائمة أصلًا في المنطقة.
فالمسألة، في نظره، لا تتعلق بالفساد فقط، بل بالصراع على النفوذ والسيطرة، ومحاولة “قسد” إحكام قبضتها على المناطق ذات الغالبية العربية لمنع أي حركات تمرد أو انشقاق.
بالمقابل، تحدث قيادي آخر في “قسد”، فضّل عدم الكشف عن هويته لمخاوف أمنية، عن الإفراج عن ثلاثة من القياديين العرب المعتقلين.
وبحسب المصدر، فإن الإفراج عن هؤلاء القادة جاء بعد التأكد من عدم ارتباطهم بشكل مباشر بقضايا الفساد التي أُعلنت كسبب للحملة.
غضب متزايد وشعور بالاضطهاد
أحد وجهاء العشائر البارزين في المنطقة، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل لدواعٍ أمنية، أعرب عن غضبه وشعور بـ”الاضطهاد” بين السكان العرب في دير الزور.
واعتبر أن هذه الاعتقالات لا تتعلق بالفساد، بل هي “تصفية حسابات واضحة ومحاولة لإبعاد كل صوت عربي يمتلك نفوذًا حقيقيًا في المنطقة”، وفق تعبيره.
وقال إن “قسد” تحاول إحكام قبضتها بشكل كامل، وتحلّ قياديين موالين لها من خارج دير الزور مكان أبناء المنطقة، ولا تهمها مصلحة الأهالي.
وأضاف، “نحن نرى أن هذه مجرد ذريعة لإقصاء القادة العرب”.
وتساءل عن عدم إعلان أسماء القادة المتورطين في الفساد قبل هذه العملية الواسعة، ولماذا لم تكن هناك تحقيقات علنية وشفافة، معتبرًا أن كل هذا يزيد من انعدام الثقة بين الأهالي و”قسد”.
ولفت إلى أن هذه الممارسات ليست جديدة، فقد سبقها عزل العديد من القادة العرب من مناصبهم الحساسة، مثل “مجلس هجين العسكري”.
وأعرب أيضًا عن مخاوفه من أن “قسد” تعمل على تغيير “ديموغرافي”، أو في بنية السلطة، لصالحها، على الأقل، و”هذا يؤجج التوترات العرقية أكثر فأكثر”، بحسب الشيخ.
وحذّر من أن هذه الخطوات لن تجلب الاستقرار، بل ستزيد من حالة الاحتقان الشعبي وتدفع الشباب نحو اليأس، وقد تؤدي إلى انفجار الأوضاع في أي لحظة.
وقال إن الأهالي يشعرون بأنهم “يُهمّشون ويُستهدفون في أراضيهم”.
الفساد موجود في كل مكان، بحسب ما ذكره الوجيه، معتبرًا استهداف القادة بهذه الطريقة التي وصفها بـ”الانتقائية” وفي هذا التوقيت، يجعله يبدو وكأنه غطاء لأهداف أخرى تتعلق بالسيطرة والنفوذ.
وطالب بتحقيق شفاف وعادل، وإلا فإن هذه الاعتقالات ستكون وقودًا لمزيد من الاضطرابات، وفق الوجه العشائري.
تأتي هذه الاعتقالات في سياق سياسة متزايدة لـ”قسد” في الفترات الماضية، والتي شهدت عزل العديد من القادة المنتمين للمكون العربي، في دير الزور عن مناصبهم، لا سيما تلك الحساسة مثل “مجلس هجين العسكري”.
بالمقابل، تعيّن “قسد” قياديين آخرين موالين لـ”حزب العمال الكردستاني”، ما يشير إلى توجه نحو ضمان إحكام سيطرتها على هذه المناطق ومنع أي اضطرابات محتملة في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة.
ومن المتوقع أن يكون لهذه التطورات تداعيات كبيرة على المشهد الأمني والسياسي في شرقي سوريا.
المصدر: عنب بلدي