سمحت المحكمة العليا الأميركية، الثلاثاء، لإدارة الرئيس دونالد ترمب بالمضي قدماً في خططها لتنفيذ عمليات تسريح جماعي وإعادة هيكلة في 19 وكالة وإدارة فيدرالية، رغم استمرار المعارك القضائية بشأن تلك الخطط.

ورفعت المحكمة أمراً سابقاً صادراً عن محكمة أدنى كان يمنع مؤقتاً تنفيذ عمليات فصل جماعي للموظفين الفيدراليين، من بينهم موظفون في مراكز السيطرة على الأمراض وإدارة الضمان الاجتماعي، بسبب عدم تشاور الإدارة مع الكونجرس أولاً، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”.

وفي استجابة لطلبات عاجلة أخرى تقدّمت بها إدارة ترمب، سبق أن انحازت المحكمة إلى مواقف الإدارة في مساعيها لتقليص البيروقراطية الحكومية. فقد سمحت الأغلبية المحافظة في المحكمة لترمب بإقالة مسؤولين مستقلين وآلاف العاملين تحت التجربة، رغم الطعون القانونية المستمرة في المحاكم الأدنى.

لكن اللافت في هذا القرار أن قاضيتين من الجناح الليبرالي، إيلينا كاجان وسونيا سوتومايور، انضمتا للأغلبية المحافظة، إذ برّرت سوتومايور موافقتها بأن الإدارة وجّهت الوكالات إلى التصرف “وفقاً للقانون المعمول به”.

وكتبت سوتومايور: “الخطط نفسها ليست معروضة أمام هذه المحكمة في هذه المرحلة، وبالتالي لا يمكننا البت في ما إذا كانت ستُنفّذ بما يتماشى مع القيود القانونية”، مشيرة إلى أن القاضي في المحكمة الأدنى لا يزال يملك صلاحية مراجعة قانونية تلك الخطط.

وفي قرار مقتضب غير موقّع، أوضحت الأغلبية أن المحكمة “لا تبدي رأياً بشأن قانونية” أي خطة لإعادة الهيكلة أو تقليص القوى العاملة، ولم تستبعد أن تعود القضية لاحقاً إلى المحكمة العليا.

وأبدت القاضية كيتانجي براون جاكسون معارضة شديدة، وعبرت عن ذلك في مذكرة من 15 صفحة، حذرت فيها من العواقب الجسيمة المترتبة على السماح للرئيس بإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية قبل التأكد من قانونية إجراءاته.

وكتبت جاكسون: “لسبب غير مفهوم، ترى هذه المحكمة أنه من المناسب التدخل الآن وإطلاق كرة الهدم الرئاسية في بداية هذا التقاضي”، مضيفة: “من وجهة نظري، هذا القرار مؤسف للغاية ومتعجرف وعديم المنطق”.

وكان ترمب قد أصدر، في فبراير الماضي، أمراً لجميع الوكالات الفيدرالية بوضع خطط لتنفيذ عمليات تسريح جماعية وإعادة هيكلة، ضمن مسعاه لتقليص حجم القوى العاملة الحكومية، وإزالة ما وصفه بـ”الهدر والروتين والانغلاق”. 
من جانبها، رفعت أكبر نقابة للعاملين الفيدراليين، وهي الاتحاد الأميركي لموظفي الحكومة، دعوى قضائية بالاشتراك مع 11 منظمة غير ربحية و6 حكومات محلية في كاليفورنيا وتكساس وإلينوي، اعتبرت فيها أن محاولة الرئيس تفكيك وكالات أنشأها الكونجرس تُعد غير قانونية.

وقال المحامي العام في الإدارة، دي جون ساور، إن ترمب لا يحتاج إلى إذن خاص من الكونجرس لممارسة “سلطة رئاسية جوهرية” في الإشراف على الوكالات، مشيراً إلى أن الأمر التنفيذي يوجه الوكالات إلى الامتثال الكامل للقوانين عند تقليص قواها العاملة.

وكان قاض فيدرالي في كاليفورنيا قد أصدر في مايو قراراً بوقف خطط ترمب، مشدداً على أن أي إعادة هيكلة شاملة يجب أن تتم بالتعاون مع الكونجرس، الذي أنشأ تلك الوكالات ويموّلها ويوجه مهامها.

وكتبت القاضية الفيدرالية سوزان إيلستون في حكمها: “لا يجوز للوكالات إجراء عمليات إعادة هيكلة وتسريح جماعي واسعة تتجاهل بشكل صارخ صلاحيات الكونجرس. فبعد تخفيضات دراماتيكية في الطاقم، لن تتمكن هذه الوكالات من أداء المهام التي كلفها بها الكونجرس”.

ولفتت القاضية إلى أن 9 رؤساء، من كلا الحزبين، سعوا خلال القرن الماضي للحصول على تفويض من الكونجرس لإعادة هيكلة السلطة التنفيذية، بما فيهم جورج بوش وباراك أوباما وترمب في ولايته الأولى، لكن لم يحصل أي منهم على هذا التفويض.

وحذّر محامو النقابة والمنظمات الطاعنة من أن عمليات إعادة الهيكلة السريعة، إذا تمت دون مراجعة شاملة من المحاكم، ستؤدي إلى فقدان مئات الآلاف من الموظفين لوظائفهم، وإلغاء برامج ومكاتب حكومية، وتقليص حاد في وكالات لم تكن تلك نية الكونجرس لها، ما سيؤثر سلباً على الخدمات الحيوية المقدّمة للمواطنين.

وجاء في إحدى المذكرات القانونية: “إذا قضت المحاكم لاحقاً بأن الرئيس تجاوز صلاحياته وتعدى على سلطة الكونجرس، فلن يكون بالإمكان التراجع عن الأثر العملي لتفكيك هذه الوكالات والخدمات”.

وأضاف المحامون: “بغض النظر عن الرؤية حول حجم الحكومة المناسب، لا يمكن فرض تلك الرؤية من خلال أمر تنفيذي أحادي الجانب، دون الحوار والتعاون الذي يفرضه الدستور”.

أما الإدارة، فترى أن الطعن لا يزال مبكراً، ويجب معالجته من خلال النظام الإداري المخصص للخدمة المدنية، عبر مجلس حماية نظم الجدارة. وفي قضية سابقة، سمحت المحكمة العليا لترمب بإقالة رئيس هذا المجلس المستقل، رغم استمرار النزاع القانوني.

وأكد المحامي العام أن أمر ترمب قانوني، لأنه يوجه الوكالات إلى عدم المساس بالمهام التي نصت عليها التشريعات الصادرة عن الكونجرس.

وختم ساور بالقول إن قرار إيلستون أدى إلى حالة من “الارتباك” داخل الوكالات، وأجبر الحكومة على “الاحتفاظ، على نفقة دافعي الضرائب، بآلاف الموظفين الذين ترى الوكالات أن استمرارهم في الخدمة الفيدرالية لا يخدم المصلحة العامة”. 

شاركها.