أعلنت وزيرة الزراعة الأميركية، بروك رولينز، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات لحظر بيع الأراضي الزراعية في جميع أنحاء البلاد للمشترين المرتبطين بالصين وخصوم أجانب آخرين، مستشهدة بمخاطر تتعلق بالأمن القومي والأمن الغذائي.  

وتلقي هذه الخطوة بظلال من الشك على الممتلكات الزراعية التي تملكها حالياً جهات استثمارية مرتبطة بالصين، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”. 

ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت الحكومة الأميركية ستسعى لاستعادة الأراضي التي يملكها مستثمرون صينيون بالفعل، قالت رولينز إن الحكومة تدرس “كل الخيارات المتاحة” ضمن ما وصفته بجهود “استرداد”، مشيرة إلى أن أمراً تنفيذياً من البيت الأبيض سيصدر “قريباً جداً”. 

وفي مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع بيت هيجسيث ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، أكدت رولينز أن وزارة الزراعة ستعمل مع المشرعين في الولايات لتمرير قوانين تحظر عمليات شراء إضافية للأراضي، لاسيما تلك الواقعة بالقرب من القواعد العسكرية الأميركية. 

وقالت رولينز: “بهذا الإعلان، نحن نستعيد غرضنا وأراضينا الزراعية الأميركية.. فالزراعة الأميركية لا تقتصر على إطعام عائلاتنا، بل تتعلق أيضاً بحماية وطننا والتصدي لخصوم أجانب يشترون أراضينا، ويسرقون أبحاثنا، ويخلقون ثغرات خطيرة”. 

ورغم أن الخطة الجديدة تشمل دولاً أخرى كروسيا وإيران، فإنها تستهدف الصين بشكل أساسي، وفق الصحيفة الأميركية.

وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الأميركية أن نسبة الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة التي يملكها مستثمرون صينيون لا تتجاوز 3 من 10 آلاف في المئة من إجمالي الأراضي الزراعية الأميركية، وتراجعت بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة، بانخفاض يقدّر بحوالي 31% منذ عام 2021.  

ويمتلك المستثمرون المرتبطون بالصين حالياً نحو 265 ألف فدان من الأراضي الأميركية، أغلبها مرتبط بشركة واحدة هي “سميثفيلد فودز”، التي استحوذت عليها مجموعة “WH Group” الصينية في عام 2013، والتي يقودها رجل الأعمال وان لونج. 

وقالت شركة “سميثفيلد” (هي شركة أغذية أميركية رائدة في مجال إنتاج وتجهيز اللحوم)، الثلاثاء، إنها خفّضت بالفعل ممتلكاتها من الأراضي إلى نحو 85 ألف فدان، بعد أن باعت أكثر من 40 ألف فدان خلال العام الماضي، مشيرة إلى أن معظم منتجاتها تُصنع وتُستهلك داخل الولايات المتحدة.  

وأضافت الشركة أنها اجتازت مراجعة أمن قومي أجرتها لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة التابعة لوزارة الخزانة الأميركية في عام 2013. 

وقالت الشركة في بيان: “مجموعة WH ليست مؤسسة مملوكة للدولة الصينية، ولا تمارس أي أنشطة تجارية نيابة عن الحكومة الصينية”. وأوضحت أن “سميثفيلد” تتعامل حالياً مع أكثر من 1300 مزارع، وتوظف نحو 34 ألف شخص داخل الولايات المتحدة. 

وتوجد سوابق لمحاولات استرداد أراضٍ زراعية مرتبطة بالصين، ففي أكتوبر 2023، أمرت ولاية أركنساس شركة “سينجنتا” لإنتاج البذور، المملوكة للصين، ببيع 160 فداناً من الأراضي الزراعية الأميركية، مستندة إلى أسباب تتعلق بالأمن القومي.  

وباعت الشركة الأرض في مايو الماضي، وأُجبرت على دفع غرامة قدرها 280 ألف دولار بسبب عدم إفصاحها عن ملكيتها.  

وتشمل الخطة الجديدة التي أعلنتها وزارة الزراعة رفع سقف هذه الغرامات إلى الحد القانوني الأقصى، وهو 25% من قيمة الأرض المستثمرة. 

وقالت حاكمة ولاية أركنساس، سارة هاكابي ساندرز، خلال المؤتمر الصحافي لوزارة الزراعة يوم الثلاثاء: “أنا فخورة جداً بأن أركنساس كانت أول ولاية في البلاد تطرد شركة مملوكة للصين من أراضينا الزراعية ومن ولايتنا، وجعلناهم يدفعون الثمن”. 

ويتزامن إعلان الخطة الوطنية لتشديد الرقابة على الأراضي الزراعية مع حملة ترحيل واسعة تنفذها إدارة ترمب، في وقت لا تزال فيه الزراعة الأميركية تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة. 

وعند سؤالها عن التأثير المحتمل على العمالة المهاجرة في هذا القطاع، أكدت وزيرة الزراعة أن عمليات الترحيل الجماعي ستستمر بطريقة “استراتيجية ومدروسة”، مشددة على أنه “لن يكون هناك عفو عام”.  

وأضافت أن هناك “الكثير” من العمال المؤهلين داخل الولايات المتحدة، مشيرة إلى وجود “34 مليون بالغ قادر على العمل مسجلين حالياً في برنامج ميديكيد”، في إشارة إلى برنامج التأمين الصحي الحكومي الموجّه لتقديم الرعاية الصحية للأشخاص ذوي الدخل المنخفض.

كما أعلنت رولينز أن وزارة الزراعة أزالت 70 فرداً و550 جهة مرتبطة بدول تثير القلق من عقودها وشراكاتها البحثية، دون أن تقدم تفاصيل إضافية بشأن تلك الكيانات أو الأفراد. 

وخلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد الثلاثاء، تحدث مسؤولون أميركيون ومشرعون جمهوريون عن سيناريوهات محتملة تشمل استخدام أراضٍ زراعية لمراقبة المعدات العسكرية الأميركية أو تحركات الجنود من قبل الصين. 

ورغم عدم وجود أي حالة معروفة علناً لاستخدام شركات صينية للأراضي الزراعية في أنشطة تجسس عسكرية، فإن السلطات الفيدرالية وثّقت محاولات من أجهزة الاستخبارات الصينية لاستهداف القطاع الزراعي الأميركي. ففي الشهر الماضي، وُجّهت اتهامات إلى عالمين صينيين بمحاولة تهريب فطر خطير إلى الولايات المتحدة قادر على إصابة محاصيل الحبوب وإتلافها. 

وقال وزير الدفاع بيت هيجسيث في المؤتمر: “لم يعد بإمكان الخصوم الأجانب الافتراض أننا لا نراقبهم”، مشيراً إلى أن البنتاجون سيتخذ خطوات لمنع بيع الأراضي الزراعية لخصوم أجانب بالقرب من القواعد العسكرية. وأضاف أن هذا الجهد سيساهم في تأمين الإمدادات الغذائية للجنود الأميركيين، “خصوصاً في حالات الطوارئ”. 

ويقول منتقدو الاستثمارات الصينية في الأراضي الزراعية إن هذا النوع من التملك يمكن أن يمنح بكين نفوذاً على قطاعات حيوية من الأمن الغذائي الأميركي، خصوصاً في أوقات الأزمات. 

وتسيطر الشركات الصينية حالياً على نحو 0.5% من مجمل الأراضي الزراعية الأميركية المملوكة لأجانب، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بدول مثل كندا التي تمثل شركاتها نحو ثلث تلك الأراضي. 

وتحرك مشرعون من الحزبين مؤخراً لتمرير تشريعات تهدف إلى تقييد عمليات شراء الأراضي من قبل شركات مرتبطة بالصين. وفي الشهر الماضي، أقرّ مجلس النواب مشروع “قانون مراجعة المخاطر الزراعية” المقدم من النائب الجمهوري فرانك لوكاس (أوكلاهوما)، والذي يُلزم وزارة الزراعة بالإبلاغ عن صفقات شراء أراضٍ زراعية من قبل جهات مرتبطة بدول معادية. 

وفي تشريع منفصل، قُدّم في مارس الماضي، قدّمت النائبة الديمقراطية كريستن ماكدونالد ريفيت (ميشيجان) والنائب الجمهوري راندي فينسترا (آيوا) مشروع “قانون الأراضي الزراعية”، والذي من شأنه أن يُخضع صفقات شراء الأراضي الكبيرة من قبل كيانات أجنبية لمراجعة فيدرالية، ويُنشئ قاعدة بيانات عامة للأراضي الزراعية المملوكة لأجانب. 

وعلى مستوى الولايات، حظرت فلوريدا في عام 2023 على المواطنين الصينيين شراء أراضٍ بالقرب من البنية التحتية الحيوية والمواقع العسكرية.

وفي مونتانا، أقر المشرعون قانوناً يمنع بيع الأراضي بالقرب من المنشآت العسكرية لخصوم أجانب، وذلك بعد أشهر من رصد منطاد تجسس صيني مشتبه به يحلق فوق الولاية. 

وتزايد التدقيق في الصفقات العقارية التي تنفذها جهات مرتبطة بالصين منذ صفقة مثيرة للجدل في ولاية نورث داكوتا، حيث اشترت مجموعة “فوفينج” الصينية في عام 2022 نحو 370 فداناً لإنشاء منشأة طحن للذرة على بُعد حوالي 12 ميلاً من قاعدة “جراند فوركس” الجوية. وتم لاحقاً إلغاء المشروع من قبل المسؤولين المحليين لأسباب تتعلق بالأمن القومي. 

وكشفت هذه القضية عن ثغرات في أنظمة لجنة الاستثمار الأجنبي، والتي سمحت للشركات المرتبطة بالصين بشراء أراضٍ بالقرب من مواقع عسكرية غير مصنفة رسمياً كمواقع حساسة. 

وأعلنت “رولينز” أنها ستنضم رسمياً إلى لجنة الاستثمار الأجنبي اعتباراً من الثلاثاء، لتكون لها صلاحية المشاركة في القرارات المتعلقة بالسماح أو رفض استثمارات الشركات الأجنبية في الولايات المتحدة.

شاركها.