منذ انهيار نظام الأسد، لم تكن الكهرباء في سوريا أكثر من حلم يتجدد كل صباح على أمل ساعات وصل إضافية، فما زالت البلاد ترزح تحت وطأة الظلام الطويل، رغم كل الوعود الحكومية بمشاريع تحيي الشبكة المتهالكة وتعيد التيار إلى المنازل التي هجرتها الإنارة منذ سنوات.

 

واقع الكهرباء.. ظلام طويل بعد السقوط

 

باتت أزمة الكهرباء واحدة من أبرز أوجه المعاناة اليومية للسوريين، حيث انخفضت قدرة إنتاج الكهرباء إلى أقل من 20% مما كانت عليه قبل الثورة، حيث كانت سوريا تنتج نحو 8 آلاف ميغاواط، أما اليوم فلا تتجاوز قدرتها 2,500 ميغاواط في أفضل التقديرات.

 

ويعيش الملايين على برامج تقنين قاسية تتراوح بين 20 إلى 22 ساعة قطع مقابل ساعة أو ساعتين وصل، كما تعاني قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة من شلل شبه كامل بفعل غياب الكهرباء المستمر، وهو ما جعل الاعتماد شبه الكامل على ألواح الطاقة الشمسية والمولدات الضخمة مرتفعة الكلفة بالنسبة للأسر السورية.

 

وعود حكومية كثيرة.. والواقع لا يتغير

 

رغم هذا الانهيار، تواصل الحكومة السورية التي تولت المهمة بعد حكومة تسيير الأعمال عقب سقوط نظام الأسد، الحديث عن وعود لرفع ساعات التغذية.

وزير الكهرباء في الحكومة السورية قال لوسائل الإعلام المحلية إن خططًا يجري الإعداد لها ستزيد ساعات الوصل إلى 6 أو 8 ساعات يوميًا، لكن هذه الوعود تصطدم في كل مرة بعقبات كبرى؛ فغياب الغاز والفيول اللازمين لتشغيل المحطات، وتضرر البنية التحتية بفعل القصف، فضلاً عن العجز المالي لشراء القطع التبديلية، تجعل من الصيانة الدورية شبه مستحيلة.

 

ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ أن الانقطاعات المستمرة فاقمت أزمة المياه نتيجة توقف المضخات، وضاعفت من معاناة السكان في التدفئة والتبريد على حد سواء، ما جعل الكهرباء تتصدر شكاوى السوريين اليومية دون حلول ملموسة حتى الآن.

 

المنحة القطرية للغاز.. أمل متعثر

في خضم هذه الأزمات، شكلت المنحة القطرية الأخيرة لتزويد سوريا بالغاز بارقة أمل لكثيرين، فالمنحة التي أُعلن عنها مطلع العام الجاري، تنص على توريد نحو مليوني متر مكعب من الغاز يوميًا عبر الأراضي الأردنية لتشغيل محطات التوليد، وهو ما كان سيؤدي إلى رفع ساعات الوصل إلى قرابة 8 ساعات في اليوم.

 

إلا أن مدير عام المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء المهندس خالد أبو دي أكد في حديث خاص لوكالة ستيب نيوز أن ضخ الغاز القطري عبر الأردن متوقف حالياً نتيجة عدم توفر عمليات “التغويز”، موضحًا أن من المرجح أن تتم عمليات التغويز في مصر، ليُعاد ضخ الغاز عبر شبكة خط الغاز المصري الأردني ومن ثم إلى سوريا، وذلك ريثما يتم استكمال إنشاء محطة التغويز الخاصة في الأردن.

 

وقال أبو دي لـ”ستيب“: “إن مفاوضات جرت لزيادة كميات الغاز المستوردة لتصل إلى أربعة ملايين متر مكعب شهرياً، لكن الأمر ما يزال قيد التفاوض ولم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي حتى الآن”.

 

مشاريع الربط التركي.. مشاكل فنية وتقنية

 

في مقابل المنحة القطرية، تسعى تركيا لتزويد سوريا بالغاز الطبيعي ضمن اتفاق يشمل مد خطوط الربط الكهربائي التركي السوري.

 

وبحسب المهندس خالد أبو دي، فإن اتفاق استيراد الغاز الطبيعي من تركيا مرتبط بجاهزية خط الربط، والذي تم الانتهاء من أعمال تنفيذه.

 

ويشير المهندي “أبو دي” إلى أنه مع بدء عمليات التجريب، ظهرت بعض المشكلات التقنية من جانب الشبكة السورية، حيث تعمل الفرق الفنية حالياً على إجراء صيانة شاملة، ومن المتوقع الانتهاء منها خلال اليومين القادمين ليبدأ بعدها الضخ التجريبي إلى محطة توليد حلب.

 

ويعد مشروع الربط التركي واحدًا من أبرز المشاريع التي يمكن أن ترفع إنتاج الكهرباء السوري بما لا يقل عن 30%، خاصة أن أنقرة تعهدت بتزويد سوريا بنحو 6 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا لتشغيل المحطات الكبرى، لكن خبراء اقتصاد الطاقة يرون أن العقبات الفنية، قد تعرقل وصول الغاز بشكل منتظم.

 

السفن العائمة.. حل باهظ الثمن

 

وفي سياق الخيارات البديلة، أوضح المهندس أبو دي أن خيار الاستعانة بسفن توليد كهرباء عائمة مطروح لكنه مكلف جداً، ما يجعله صعب الاعتماد في ظل الإمكانيات المتاحة.

وقال: “إن استيراد الغاز عبر خطوط النقل سواء من تركيا أو من الأردن يبقى الخيار الأكثر جدوى من الناحية الاقتصادية”، لافتاً إلى أن شبكة الربط اللازمة مع أماكن رسو السفن جاهزة بشكل كامل من الناحية الفنية، إلا أن كلفة التشغيل تفوق قدرة الحكومة الحالية بكثير.

 

النتيجة.. وعود بلا ضوء

 

يذكر أنه في مايو الفائت وقّع بيان تفاهم بقيمة 7 مليارات دولار بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة شركات تركية وقطرية وأمريكية لدعم الكهرباء في سوريا، وينص الاتفاق على إنشاء أربع محطات غازية بقدرة إجمالية 4 000 ميغاواط، إضافة إلى محطة شمسية بقدرة 1 000 ميغاواط، وتنفذ بنظامي “بناء تشغيل نقل” و”امتلاك وتشغيل” خلال 23 سنوات.

 

ورغم كل هذه الوعود والمشاريع، لا يزال السوريون ينتظرون ساعات كهرباء قد لا تأتي قريبًا، فالمنحة القطرية عالقة بالتغويز، والربط التركي معلق بالصيانة والتجريب، وخيارات السفن العائمة مجرد حل نظري لا يملك أحد تكلفة تطبيقه، بينما مذكرات التفاهم لا تزال تحتاج ربما لسنوات، وبين كل ذلك، يبقى الظلام هو سيد الموقف في سوريا، مع كهرباء أقل من حاجة إنارة شارع واحد في مدن الجوار.

كهرباء سوريا بين منحة قطرية معلّقة وربط تركي متعثر.. مسؤول يكشف أين وصلت الوعود الحكومية

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.