يتجه عدد متزايد من المهاجرين في الولايات المتحدة إلى كندا طلباً للجوء حتى مع تبني الأخيرة سياسات هجرة أكثر تقييداً، إذ زادت طلبات اللجوء بنسبة تجاوزت 400% عن الفترة نفسها من العام الماضي، في ظلّ سعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتجدد لتشديد إجراءات الهجرة، حسبما ذكرت “بلومبرغ”.
وخلال الأيام الستة الأولى من شهر يوليو، استقبل المسؤولون الكنديون في معبر “سان برنارد دو لاكول الحدودي”، وهو أكثر الموانئ البرية ازدحاماً بين نيويورك وكيبيك 761 طلب لجوء، بزيادة تجاوزت 400% عن الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لبيانات وكالة خدمات الحدود الكندية.
كما ارتفع عدد الطلبات عند المعبر بنسبة 128% في يونيو، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 82% منذ بداية العام.
وفي الأشهر الأخيرة، كثفت السلطات الأميركية اعتقالات المهاجرين، وبدأت في تقليص البرامج الإنسانية المؤقتة التي سمحت لمئات الآلاف من كوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا ودول أخرى بالعيش والعمل في الولايات المتحدة، لسنوات طويلة في كثير من الحالات.
وأصبح معبر “سان برنارد دو لاكول” نقطة دخول رئيسية للتدفقات المتجهة شمالاً.
وكانت المنطقة المحيطة معروفة سابقاً بمساراتها المشجرة التي أتاحت لطالبي اللجوء تجاوز نقاط التفتيش الرسمية، لكن تغييرات قواعد عام 2023، ضيّقت الخناق على تلك الطرق غير الرسمية، ما دفع المزيد من الناس إلى عبور ميناء “سان برنارد دو لاكول” الرسمي، الذي يقع على بُعد ساعة تقريباً جنوب مونتريال، وعلى مقربة من مدن أميركية مثل نيويورك وبوسطن.
ووفقاً لبيانات وكالة الحدود، يُعدّ الهايتيون والفنزويليون حالياً أكثر الجنسيات إقبالاً على طلب اللجوء إلى كندا براً، كما يحتل الكولومبيون والباكستانيون مراتب متقدمة.
وفي ظل وجود جالية هايتية راسخة في مقاطعة كيبيك الناطقة بالفرنسية، والقلق المتزايد بين السكان غير المسجلين في الولايات المتحدة، يقول خبراء الهجرة إنه من المرجح “استمرار الزيادة حتى لو كانت متواضعة في طلبات اللجوء الكندية”.
“الخوف من الاعتقال”
وقالت مارغوري فيلفرانش، المدافعة عن الجالية الهايتية في مونتريال والمديرة السابقة لمنظمة “ميزون دي هايتي” التي تساعد المهاجرين: “كل الأشخاص الذين يصلون إلى هنا يخافون من التعرض للاعتقال، سواء كانت لديهم أوراق أم لا”.
وتُعدّ هذه القفزة في طلبات اللجوء لافتة للنظر، لا سيما وأنّ كلاً من الولايات المتحدة وكندا، قد شدّدتا قواعد أنظمة اللجوء لديها، التي سبق أن أدّت إلى تدفقات على الحدود الكندية، بما في ذلك خلال ولاية ترمب الأولى.
وقد سدّ تحديثٌ أُجري عام 2023 على اتفاقية “البلد الثالث الآمن” بين البلدين ثغرةً قائمةً منذ فترة طويلة، إذ يُلزم طالبي اللجوء الآن بتقديم طلباتهم في موانئ الدخول الرسمية، حيث يُرجح رفضهم، ما لم يُثبتوا وجود روابط عائلية وثيقة في كندا.
وتؤثر هذه الاتفاقية في حال عبورك أراضي الحدود الكندية-الأميركية لدى دخولك إلى كندا، لكنها لا تؤثر عليك إذا ما وصلت من الولايات المتحدة عبر الجو.
وحتى الآن تم ترحيل أكثر من 2000 مواطن أجنبي ممن وصلوا إلى أحد منافذ الدخول الكندية وقدموا طلبات لجوء، وأُعيدوا إلى الولايات المتحدة، وهذا يمثل حوالي واحد لكل 10 طالبي لجوء.
وذكرت وكالة الحدود في بيان أنها “ملتزمة” بزيادة عدد عمليات الترحيل.
وقالت بيا زامبيلي، رئيسة لجنة اللاجئين في جمعية محامي الهجرة الكندية: “بمجرد رفض طلباتهم، من المرجح جداً احتجازهم. لذا، فهو خيار محفوف بالمخاطر”.
وأضافت: “قد ينتهي بهم الأمر إلى خطر أكبر بكثير إذا اقتربوا من الحدود الكندية، وأُعيدوا من حيث أتوا، مقارنةً بما لو حاولوا البحث عن أي سبل للبقاء أو طلب اللجوء في الولايات المتحدة”.
تحول كندي
ويعكس نهج كندا تحولاً أوسع في الرأي العام، فبعد سنوات من سياسات الهجرة المنفتحة نسبياً، أدى ارتفاع أعداد الوافدين الجدد عقب الجائحة إلى ضغوط على الإسكان والرعاية الصحية والخدمات العامة، ما دفع الحكومة إلى فرض قيود أكثر صرامة على تأشيرات الطلاب وتصاريح العمل ولمّ شمل الأسر.
وحددت الحكومة الكندية هدفاً لخفض نسبة المقيمين المؤقتين إلى 5% من السكان من حوالي 7.3% على مدى 3 سنوات.
وبالنسبة للمهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة، تتضاءل خياراتهم في اللجوء.
وكان من أوائل قرارات ترمب بعد توليه منصبه في يناير الماضي، إغلاق الحدود الجنوبية أمام طالبي اللجوء.
ونشرت إدارته قوات في الخدمة الفعلية، ووسّعت الدوريات الجوية والبرية.
ووافق ترمب الأسبوع الماضي، على زيادة كبيرة في تمويل بناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك.
ومن المنتظر أن تستخدم هذه الأموال أيضاً في تمويل الجهود الحثيثة التي تبذلها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك لإلقاء القبض على الأشخاص الذين لا يتمتعون بوضع قانوني ووضعهم في عملية ترحيل سريعة، ما يترك العديد منهم مع عدد قليل من الطرق للبقاء في البلاد.
وقالت يائيل شاشر، مؤرخة الهجرة المقيمة في الولايات المتحدة، إنها تتابع قضية رجل هايتي دخل الولايات المتحدة عبر برنامج إفراج مشروط لـ4 دول من أميركا اللاتينية، يُعرف باسم CHNV لا تزال زوجته وابنته الصغيرة في هايتي مع كفيل آخر، ولكن مع إلغاء البرنامج وتشديد قيود السفر على الهايتيين، تلاشت فرص انضمامهما إليه.
وأضافت شاشر: “لا يستطيع العودة إلى هايتي لأسباب سياسية، ولهذا السبب يسعى جاهداً للهجرة إلى كندا؛ لأنه منفصل عن زوجته وطفله”.
وقال مسؤولون حدوديون كنديون إنهم مستعدون لزيادة محتملة في أعداد طالبي اللجوء عند معبر “سان برنارد دي لاكول”، مع وجود خطط لاستئجار مساحة إضافية للمعالجة إذا لزم الأمر.
وفي حال تدفق طالبي اللجوء الذين يحتاجون إلى مساحة إضافية، تُعِدّ وكالة خدمات الحدود الكندية خططاً طارئة للبنية التحتية، وفقاً للوكالة.
وأضافت:”ستُستخدم المساحة المُستأجرة كمركز لمعالجة طلبات طالبي اللجوء”.