حمل المبعوث الأميركي، توماس باراك، خلال زيارته إلى بيروت في أوائل الأسبوع الجاري، خارطة طريق أميركية تسعى إلى معالجة ملف سلاح جماعة “حزب الله” ضمن “مقاربة متكاملة” تعيد ضبط المشهد الأمني والسياسي في لبنان.
وعبّر باراك في أكثر من مناسبة عن رضاه إزاء الرد الرسمي اللبناني على الورقة الأميركية، واصفاً إياه بأنه “رائع”، وقال عقب لقائه الرئيس جوزاف عون: “أنا ممتن جداً للرد اللبناني.. الرد مدروس وموزون.. أشعر برضا لا يُصدق”. مضيفاً أن “المنطقة تتحرك بسرعة، ولا أحد أفضل من اللبنانيين لاقتناص الفرص”.
وأكد باراك أن الولايات المتحدة، “لا تنوي القيام بالضغط المباشر على حزب الله”، بل ترغب في “دعم اللبنانيين أنفسهم إذا اختاروا التغيير”.
الرئيس جوزاف عون، وصف الزيارة بأنها “ممتازة جداً”، وأبلغ باراك بـ”مجموعة أفكار لبنانية لحل شامل”، جرى تنسيقها مع السلطات الدستورية.
من جانبه، أكد رئيس الحكومة، نواف سلام، أن “حصر السلاح وبسط سلطة الدولة” هو مطلب لبناني متوافق عليه، وكشف أن ورقة الرد تضمنت ملاحظات مشتركة من عون وبري، ركزت على وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وبدء تنفيذ خطة تدريجية لحصرية السلاح تبدأ في الجنوب.
كما شارك رئيس البرلمان، نبيه بري، في المشاورات، وأفادت مصادر برلمانية، بأن لجنة خاصة أعدّت الردّ اللبناني الذي تضمّن بنوداً تتعلق بالسلاح، مع التأكيد على ضرورة تفعيل القرار 1701.
وقام باراك بجولة ميدانية على نقاط حدودية في جنوب الليطاني، وزار خط التهدئة الأزرق، حيث أشاد بـ”المهنية والانضباط العالي” للجيش اللبناني في تنفيذ القرار الدولي.
في المقابل، أكد الأمين العام لجماعة “حزب الله”، نعيم قاسم، أن “الحزب لن يتخلى عن سلاحه ما لم تنسحب إسرائيل بالكامل من الأراضي اللبنانية وتضمن عدم استهدافها”.
تحركات نحو التسوية
واعتبر النائب، أديب عبد المسيح، أن الأمور تتجه نحو التسوية على الرغم “من المخاض الذي نمر به”.
وقال عبد المسيح في تصريحات لـ”الشرق”، إنه بحسب المعلومات “هناك توافق بين الرؤساء الثلاثة (الجمهورية والحكومة ومجلس النواب) بشأن الورقة التي تم تقديمها للموفد الأميركي، توم باراك، وهو ما يشكل خطوة مهمة نحو حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ونزع سلاح كافة المجموعات وتطبيق القرار الدولي 1559.
وبشأن ما إذا كان “حزب الله” سيعمل على تسليم سلاحه، اعتبر عبد المسيح أن “الحزب شريك في الحكومة ووافق على البيان الوزراي الذي يشير الى حصر السلاح بيد الدولة”.
وفيما يتعلق بتصريحات باراك حول دعوة لبنان ليكون في مسار مشابه للاتصالات بين سوريا وإسرائيل، أوضح النائب اللبناني، أن الأولوية حالياً هي لـ”بناء الدولة القوية والقادرة، وحين نصل إلى هذه المرحلة يمكن حينها التحاور”، قبل أن يتساءل: “هل ندخل في مسار مشابه لسوريا أم نبقي على تطبيق اتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل.
المحلل السياسي، حسن الدر، أوضح حقيقة ما تم تداوله عن ضمانات طالب بها “حزب الله” خلال المفاوضات. وقال في تصريحات لـ”الشرق”، إن “ما يتم نشره غير صحيح، فـ(حزب الله) لم يطلب أي ضمانات، إنما ما طلبه هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة ووقف الاعتداءات، أما ملف السلاح يحل بين الدولة والحزب”.
وأضاف: “الضمانة الحقيقة تظهر الآن بحال ضغطت الإدارة الأميركية على إسرائيل لوقف الاعتداءات والانسحاب”.
واشار إلى أن خيار الحزب، هو “الصمود والضغط الدبلوماسي”، وفي حال ذهاب الإسرائيلي نحو حرب أوسع أو ضربات عسكرية أكبر، “فالحزب سيسعى لإبعاد احتمال الحرب المفتوحة، أما إذا فرضت الحرب، فمن واجبه المواجهة”.
إعادة تعريف دور “الحزب” في السلطة
لا يرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، مروان السيد، أن “حزب الله” مستعد فعلياً لتسليم سلاحه الآن “لكنه منفتح على إعادة تعريف دوره”.
وقال في حديث لـ”الشرق”، إن “حزب الله” قد يقبل بإدخال سلاحه في تفاهم سيادي شامل، إذا ما توفرت ضمانات تتعلق بأمن الطائفة الشيعية، وبتوازن القوى داخل الدولة، وبمصير العلاقة مع سوريا”.
وأضاف: “الضمانات التي يمكن أن يطلبها الحزب تشمل، بقاء قدرة ردع ضمن منظومة دفاع وطني، وشراكة حقيقية في السلطة وعدم تهميشه لاحقاً”.
وأوضح أن محاولة تهميشه “هو ما سنشهده من الآن حتى شهر مايو المقبل، موعد الانتخابات النيابية، حيث ستعمل القوى على إحداث خرق في الكتلة الشيعية النيابية التي يمثلها حزب الله وحركة أمل”.
وأشار الباحث السياسي، إلى أن ملف السلاح لن يُفتح رسمياً في طاولة مجلس الوزراء ما لم يتم تفعيل ضغط سياسي كبير من الداخل، مدعوم بخطوات خارجية، “ما قد يحدث هو ربط غير مباشر، مشروعات إعادة الإعمار ستُشترط بالإصلاحات، والإصلاحات ستُربط بإدارة السلاح. ستُمارس الضغوط على لبنان اقتصادياً، وربما قضائياً أو أمنياً، لتقليص دور الحزب تدريجياً، دون المجازفة بانفجار داخلي”.
نزع سلاح كافة الأحزاب
اعتبرت أستاذة القانون الدولي في الجامعة اللبنانية والباحثة السياسية، ريتا حرب، أن رئاسة الجمهورية اللبنانية، “تتريث في التعاطي مع ملف السلاح حتى لا يتم يجر البلد إلى (حرب أهلية) أو يعطي ذريعة لإسرائيل لشنّ حرب أوسع”.
وأوضحت حرب في حديث لـ”الشرق”، أن ملف السلاح في لبنان عنوانه الأساسي “حزب الله”، وأضافت “لكن ما هو أوسع، هو المخيمات الفلسطينية، التي تضم فصائل مسلحة بعضها تحت سلطة منظمة التحرير الفلسطينية وأخرى خارجها، ومن الفصائل تيارات دينية متشددة. إضافة أن هناك أحزاباً لبنانية تملك مخازن أسلحة فردية، وبالتالي يجب الكشف عنها وتسليمها”.
وكان النائب السابق، وليد جنبلاط، أعلن في نهاية يونيو الماضي، تسليمه أسلحة للحزب التقدمي الاشتراكي، تم تجميعها في أحد المواقع المختارة للجيش اللبناني.
ولفتت حرب إلى أن الحديث الإعلامي عن “حشود” عسكرية لفصائل مسلحة على الحدود السورية، يجب التعاطي معه “بموضوعية”.
وقالت “بحسب ما يصدر عن الجيش اللبناني فهناك ضبط للحدود، وهو يعمل على إيقاف أفراد تابعين لمنظمات إرهابية مثل (داعش)، ويعمل على منع عمليات التسلل من قبل سوريين عبر الحدود، لكن لا يجب الذهاب إلى التهويل، لأن هذا الأمر يمكن وضعه تحت خانة الضغط على الدولة، بأنه في حال عدم التوصل لاتفاق يمكن فتح جبهة بمواجهة (حزب الله) من قبل مسلحين سوريين”.
وأكدت أن “التأخير في التواصل بين الدولتين، يعقد الأمور، فيما المطلوب الاسراع في تثبيت الحدود وترسيمها، لبناء علاقات سليمة”.