حسناء جوخدار اخبار تركيا
في قلب ولاية قارص التركية، حيث تلتقي خيوط التاريخ بجمال الطبيعة، تقف مدينة آني الأثرية شامخةً كشاهدٍ صامت على عصورٍ امتدت لآلاف السنين.
هذه المدينة، التي كانت يومًا بوابة طريق الحرير النابضة بالحياة، تحتضن آثار حضاراتٍ تناوبت على حكمها، من الأورارتيين إلى السلاجقة والعثمانيين، لتحكي قصة إنسانية عابرة للزمن.
بأسوارها المثلثية المهيبة ونقوشها الملونة، تروي آني حكايات الغزوات والانتصارات، وتدعو زوارها لاستكشاف أسرارها التاريخية وسط أجواءٍ تأسر القلوب وتُلهم العقول.
تقع مدينة آني الأثرية على بعد 42 كيلومترًا شرق مدينة قارص في تركيا، ضمن حدود قرية آني (أوجقلي)، وتمتد على مساحة أربعة آلاف متر مربع.
تُعدّ آني واحدة من أهم المواقع التاريخية في المنطقة، حيث بدأت كمركز سكني مركزي منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد مع الأورارتيين، واستمرت كذلك حتى تخلّى عنها سكانها في أواخر القرن السابع عشر.
بفضل موقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، كانت آني محطة حضارية بارزة، لكنها تعرضت على مر العصور لغزوات متكررة، حيث تناوبت على حكمها شعوب وحضارات متعددة من الأورارتيين إلى الفرس، الكارساكليين، الكامساراكان، البيزنطيين، الأمويين والعباسيين، البغراتيين، السلاجقة، الشداديين، الجورجيين، الجلائريين، المغول، التيموريين، القرهقويونلو، الآققويونلو، وصولاً إلى العثمانيين.
شهدت المدينة نقطة تحول تاريخية في صيف عام 1064، عندما حاصرها السلاجقة بقيادة السلطان ألب أرسلان لمدة 25 يومًا، لتصبح آني تحت السيطرة التركية، ممهدةً الطريق لدخول الأتراك إلى الأناضول.
وفي عام 1071، عزز انتصار السلاجقة في معركة ملاذكرد سيطرتهم على المنطقة ضد القوات البيزنطية والأرمنية المتحالفة. لاحقًا، خلال الحرب العثمانيةالروسية (18771878)، احتلت روسيا القيصرية المنطقة، لكن آني عادت إلى سيادة جمهورية تركيا عام 1920.
تتميز آني بأسوارها الدفاعية المصممة على شكل مثلثي لتتناسب مع التضاريس الطبيعية، وتتكون من نظامين من الجدران الداخلية والخارجية، مع سبع بوابات مدخل غير متطابقة بين الجدارين لتعزيز الأمن وإعاقة المهاجمين.
تحيط الأسوار خنادق دفاعية، وتتزين بأحجار ملونة ونقوش تضم زخارف السواستيكا والشعارات. تُظهر النقوش الأرمنية أن الأفراد ساهموا بتكاليفهم الخاصة في تعزيز هذه الأسوار، مما يعكس أهميتها الدفاعية والثقافية.
تُعد آني وجهة مثالية لعشاق التاريخ والآثار، حيث تجمع بين بصمات حضارات متعددة في موقع واحد، مع أسوارها المذهلة وآثارها المحفوظة التي تحكي قصصًا تمتد لآلاف السنين.
المصدر: وزارة الثقافة والسياحة التركية