حوراء مرهون

  • من البحرين خطت «سبيستون» الوليدة أولى خطواتها نحو قلوب الملايين
  • كتبتُ شعراً خالداً للأطفال.. لا «تفاحة وبرتقالة!»
  • أنا ما زلتُ ولداً.. وسأظل أغني لذاكرة لا تشيخ

«مررتِ بخاطري فكرة، عبرتِ ظلت الذكرى»… على جناح فراشةٍ حلّق فوق ذاكرتنا، فاختصر طارق العربي طرقان سرّ صوته الذي ما زال يسكن طفولتنا، ويوقظ فينا حنيناً لا يشيخ، وهو يدندن بعضاً من بوحٍ، في حوار خص به «الوطن»، ليحكي ويستفيض عن سيرة رفض خلالها أن «يستسخف عقل الطفل» وقرّر أن يغني له شعراً وصوراً وأجنحةً من اللغة، كي تكبر معه الكلمات وتكبر ذائقته أيضاً، فتظل ألحانه «خالدة مع الأجيال» كما أرادها أن تكون وهي تشدنا من أذننا كلما نسينا لتغني لنا «هل شاهدتم ذئباً في البراري يأكل أخاه؟ هل شاهدتم كلباً عض يداً ترعاه؟».

لقد كانت «الوطن» تتحين الفرصة بعد إقامة هيئة البحرين للسياحة والمعارض حفلاً استثنائياً للفنان السوري طارق العربي طرقان وسط حضور جماهيري لافت وتفاعل كبير من الجمهور، ضمن فعاليات «صيف البحرين» في نسخته الثانية، فكان لـ«الوطن» أن تسبر بعضاً من أغوار نفس فنان يقول: «أنا من داخلي ولد حتى الآن»، فيُثبت لنا أن الطفولة ليست عمراً، بل روحاً يقيم فيها الفن صافياً وعذباً. في صوته تعود بنا الذكريات إلى براءةٍ لا نريد لها أن تنتهي، وإلى «نصوص بألحان خالدة» نبحر بها نحو «هلال أبيض يسبح في الأفق البعيد».

هكذا كان طارق العربي طرقان، وما زال، سفيراً لصوتٍ جميلٍ غرسه فينا طفلاً، لنظل نردده كباراً بصراخ وحماس ودموع حنين، حيث يعد الفنان طرقان من أبرز الفنانين في مجال موسيقى الأطفال على مستوى الوطن العربي، حيث ألَّف ولحَّن أبرز الأعمال الموجهة للأطفال من خلال قناة سبيستون منذ انطلاقتها، ما جعل صوته يمثل جزءاً كبيراً وجميلاً في ذاكرة جيل الثمانينات والتسعينات.

وعبّر الجمهور أثناء الحفل بذرف الدموع والصرخات العالية عن حنينهم لأيام طفولتهم الجميلة عند سماع صوت «طرقان» وهو ينشد أغاني لم تكن أغاني وحسب، إنما كان ينشد ذاكرتهم وأيامهم الجميلة.

وفي حواره مع «الوطن» لم يفت الفنان طرقان إعطاء البحرين حقها كإحدى منارات الكفل العربي، عندما استفاض بالحديث عن أن إطلاق بث «سبيستون» شهد حينها كثيراً من النقاش عن المكان الأنسب الذي يمكن أن ينطلق منه البث، قبل أن يتم اختيار مملكة البحرين.والآن إلى لقاء «الوطن» بالفنان طارق العربي طرقان على هامش الحفل:

في البداية نرحب بالفنان الكبير طارق العربي طرقان في البحرين، ونعبّر عن سعادتنا البالغة بلقاء صوت طفولتنا، ونستهل الحوار بكلمات راسخة في الأذهان كتبتها مسبقاً تقول: «مررتِ بخاطري فكرة، عبرتِ ظلت الذكرى» حيث كتبت هذه الكلمات إلى أطفال بعمر الست سنوات أو أقل.. كيف وجدت أن هذه الكلمات مناسبة لأطفال في هذا العمر؟

في الحقيقة ذلك بتجربتي الشخصية، حيث كنت في طفولتي أجلس مع خيلاني، وأستمع لهم وهم يلعبون لعبة بالشعر، حيث ينتهي البيت الشعري بكلمة والآخر يبدأ بيتاً شعرياً آخر بهذه الكلمة، فأصبحت لديَّ استساغة شعرية وذائقة أدبية منذ الطفولة، وبدأت أحب اللغة العربية وأعتاد أبياتها الشعرية منذ الخامسة من عمري، وأتذكر بأنني حفظت قصيدة أبي تمام «السيف أصدق أنباءً من الكتب» قبل دخولي المدرسة حتى.

استساغة اللغة تعني أن تتعود عليها الأذن، اخترت أن أكتب للأطفال كلمات ذات معانٍ ودلالات عميقة بدلاً من أن أكتب نصوصاً سخيفة للأطفال مثل: «طابة حمراء، طابة زرقة، طابة صفرة، هاي تفاحة وهي برتقالة» ليس من المعقول أن أستسخف عقل الطفل لهذه الدرجة، وألقنه معلومات بديهية يعرفها أو سيعرفها بسهولة مع تقدمه في العمر، واخترت خيار الشعر وتقوية اللغة العربية لتصبح نصوصاً بألحان خالدة مع الأجيال.

وذلك يجعلني أستذكر نص «لؤلؤتي» الذي شكّل لوحة بصرية سمعية حين أقول: «لؤلؤتي تريد أن نبحر من جديد، نحو هلال أبيض يسبح في الأفق البعيد، بين الماء والسماء نبحر في كل الأنواء، وهنا نجمٌ يتلألأ للمركب قال: اتبعني تعال، يحملك الموج بلا تعبٍ فكفاك دلال».

كم تبلغ من العمر وكيف حافظت على روح الطفولة؟

أنا في الستينات من عمري، ولكني ما زلت أحتفظ بالطفل في داخلي، أنا من داخلي «ولد» حتى الآن، ولفترة بسيطة حين كنت ما زلت أستطيع أن أركض كنت ألعب مع الأطفال بالكرة في الشارع، وأستمتع بذلك كثيراً. لا أعرف السر ولكنني دائماً كنت وسأبقى هكذا «ولد» بالمعنى الإيجابي.

تحدثت على المسرح بأن انطلاقة «سبيستون» كانت من البحرين، كيف كان ذلك؟

نعم، في بداية العمل على إطلاق بث «سبيستون» جرى كثير من النقاش عن المكان الأنسب الذي يمكن أن ينطلق منه البث، وتم اختيار مملكة البحرين، وأشعر بالخسارة لأنني لم أستطع أن أزور البحرين في تلك الفترة رغم توفر الفرصة، على أية حال سعيد بوجودي اليوم معكم في البحرين.

كيف تصف شعورك وأنت تسمع الجمهور يردد أغانيك اليوم بصراخ وحماس، ورغم كبر سنهم لا يزالون يحفظونها؟ في الحقيقة أشعر بالفخر الكبير بهذا الجمهور أكثر من فخري بعملي، لأنني أشعر بأنهم مميزون جداً ولا أقصد بذلك أن غيرهم من الناس الذين ليس لديهم ميل للكرتون عاديون، ولكن مميزون لأن لديهم ذائقة خاصة بسماع الموسيقى واللغة، وإحساسهم جداً عالٍ؛ لأن أغلبهم يتعاملون مع الأغنية كإحساس بالدرجة الأولى.

باعتقادك ما هو سر خلود أغانيك في ذاكرة الأطفال والشباب لعقود من الزمن؟

ربما السبب يكمن في أني لم أستسخف الأطفال، بل احترمت ذائقتهم، وقدمت لهم كلمات وألحاناً مميزة حتى وإن لم يفهموها في صغرهم، ولو لم أقدم أعمالاً كهذه لن تجدوني اليوم بعد أكثر من عشرين سنة أقدم حفلات في الوطن العربي، وأرددها مع الشباب حتى الآن.ختاماً أوجه رسالة للفنانين وأقول: إذا كانت لديكم فكرة وأردتم أن تكتبوا للأطفال لا تخافوا من الكلمة، لأن هذه الكلمة تكبر مع الأطفال ويكبرون معها.ختاماً، ما أقرب أغنية إلى قلبك؟ ربما «سيمبا» حين أقول: «هل شاهدتم ذئباً في البراري يأكل أخاه؟ هل شاهدتم كلباً عض يداً ترعاه؟».

شاركها.