دخلت إيران في مواجهة متعددة المستويات مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من خروج الأزمة النووية عن السيطرة وتحولها إلى حرب إقليمية شاملة وعودة الضربات العسكرية المتبادلة، بالوقت الذي تتضاءل فرص استئناف المفاوضات أمام تمسك كل طرف بشروطه القصوى، لتبقى المنطقة رهينة لمعادلات الردع والهجوم المتبادل دون أفق واضح للحل، بينما قدمت موسكو اقتراحاً يرى خبراء أنه ممكن واقعياُ وتقنياً وقد تقبله واشنطن.

 

الملف النووي إلى الواجهة

 

لم يكن استهداف إسرائيل لمواقع نووية وصاروخية إيرانية خلال الأسابيع الماضية حدثًا عابرًا، بل جاء ضمن استراتيجية جديدة لتقويض قدرات إيران النووية ومنعها من الوصول إلى العتبة الحرجة التي تمكّنها من إنتاج سلاح نووي.

الهجمات الأخيرة شملت منشآت نطنز وفوردو وأصفهان الحيوية، ونُفّذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، باستخدام صواريخ خارقة للتحصينات وطائرات B2 الشبحية.

وبحسب تقييم وزارة الدفاع الأمريكية، تسببت هذه العمليات في تأخير البرنامج النووي الإيراني لعامين على الأقل، لكنها لم تدمره بالكامل، إذ أكدت مصادر استخباراتية أمريكية وإسرائيلية أن إيران تحتفظ بمخزونات ومعدات استراتيجية مخبأة في مواقع سرية لا تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 

ويأتي هذا التصعيد ضمن خلفية تاريخية طويلة من الاغتيالات والتخريب الذي استهدف علماء إيرانيين ومشاريع الطرد المركزي منذ أكثر من عقدين، بهدف إبطاء تقدمها النووي دون الوصول إلى حرب مفتوحة، إلا أن التطورات الأخيرة، بحسب مراقبين، تجاوزت خط الردع نحو هجمات استراتيجية تهدد بتفجير صراع واسع.

 

يقول الخبير السياسي والاستراتيجي الدكتور غازي حسين في حديث خاص لوكالة ستيب نيوز: “المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وإيران ومحورها من جهة أخرى، مستمرة منذ 7 أكتوبر. هذه المواجهات متعددة المستويات والجبهات، ففي غزة اتخذت أبعادًا تختلف عن جنوب لبنان، حيث تسعى إسرائيل لتقويض قدرات حزب الله العسكرية سواء عبر الضربات الرادعة أو بمحاولات تفكيكه هيكليًا وتنظيميًا بصورة كاملة.”

 

وتابع حسين موضحًا: “في اليمن، استهدفت المواجهة مع الحوثيين ضمان أمن البحر الأحمر وتجريد الجماعة من قدراتها الصاروخية الدفاعية والهجومية، بينما واجهت الولايات المتحدة أيضًا فصائل مسلحة عراقية بهجمات مختلفة، أبرزها غارات الطائرات الأمريكية ردًا على مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في قاعدة قرب المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري.”

 

وتعود خلفية هذا التصعيد إلى استراتيجية أمريكية إسرائيلية جديدة تهدف إلى تقويض مشروع إيران الإقليمي عبر استنزاف أذرعها العسكرية، وتحجيم قدراتها الصاروخية والمسيرة، ومنعها من تعزيز حضورها في خطوط الملاحة الدولية، خاصة بعد هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر وبحر العرب، وتهديدها المستمر لحركة التجارة العالمية.

 

شروط أمريكية صارمة تصطدم بتعنت إيراني

 

وضعت الولايات المتحدة شروطًا لاستئناف أي مفاوضات مستقبلية، فواشنطن تطالب طهران بوقف تخصيب اليورانيوم كليًا، وتفكيك صواريخها بعيدة المدى التي يتجاوز مداها 1500 وحتى 2500 كيلومتر، مع الاكتفاء بصواريخ دفاعية لا يزيد مداها عن 250 كيلومترًا، ووقف تطوير برامج الطائرات المسيّرة التي تقلق إسرائيل والخليج بشدة، كما تشمل الشروط وقف دعم حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في العراق، وقطع الدعم العسكري واللوجستي عن الحوثيين في اليمن.

 

في المقابل، تتمسك إيران بمواقفها، حيث خصبت اليورانيوم بنسبة 60% وهو مستوى لا يبعدها كثيرًا عن نسبة 90% اللازمة لصناعة القنبلة النووية، وهو ما يمثل خرقًا صارخًا لاتفاق فيينا 2015 واتفاقية حظر الأسلحة النووية الدولية، وترفض طهران الاكتفاء بالاستخدامات المدنية أو التنازل عن مشروعها النووي الذي تعتبره حقًا سياديًا وخطًا أحمر.

 

يؤكد الدكتور حسين أن إيران ترى في هذه الشروط محاولة لإخضاعها سياسيًا وعسكريًا، ويقول: “إيـران مصرة على حقوقها السيادية ولن تتخلى عنها بسهولة، فيما تصر الولايات المتحدة على ضرورة التخلي الكامل عن التخصيب، ما يجعل فرص استئناف المفاوضات ضئيلة دون تنازلات إيرانية جادة.”

 

روسيا تطرح خيارات بديلة لضبط البرنامج

 

في مواجهة هذا الانسداد، تروج موسكو لخيار نقل اليورانيوم المخصب الإيـراني إلى روسيا لإعادة معالجته تحت إشرافها المباشر، وهي صيغة تضمن لإيران استمرار برنامجها النووي المدني دون امتلاك مواد عالية التخصيب محليًا، بينما تطرح واشنطن فكرة إنشاء مؤسسة إقليمية لتخصيب اليورانيوم خارج الأراضي الإيرانية وفي منطقة محايدة، بما يضمن أن يبقى البرنامج ضمن حدوده المدنية ويحرم إيران من أي قدرة على تحويله لأغراض عسكرية.

 

يرى الدكتور “حسين” أن هذه المقترحات، رغم واقعيتها التقنية، تصطدم بحسابات إيران السيادية والأمنية، إذ ترى في أي نقل لليورانيوم خارج حدودها انتقاصًا لكرامتها الوطنية وقدرتها الردعية.

 

مشروع إيران الإقليمي على حافة الانهيار

 

يقول الدكتور حسين إن مشروع إيـران القائم على نظرية ولاية الفقيه يتلقى اليوم ضربات استراتيجية قاصمة.

ويضيف: “في لبنان، يواجه حزب الله ضغوطًا عسكرية وسياسية غير مسبوقة، وسط تهديدات إسرائيلية مستمرة بتفكيك بنيته العسكرية وتحييده سياسيًا، فيما يعيش الداخل اللبناني حالة احتقان شعبي غير مسبوقة ضد الحزب بعد سنوات من الانهيار الاقتصادي والعزلة الدبلوماسية”.

 

ويتابع: “في سوريا، انهار النظام الحليف لطهران. أما في العراق، فإن النفوذ الإيـراني يتراجع تدريجيًا رغم استمرار الفصائل المسلحة، بسبب تحركات حكومة بغداد لتقليص حضورها العسكري والسياسي ضمن مساعٍ لإعادة التوازن الداخلي واستعادة الثقة الدولية”.

 

وفي اليمن، يتعرض الحوثيون لضربات عنيفة وممنهجة على قدراتهم الصاروخية والطائرات المسيّرة وبنيتهم اللوجستية، ضمن استراتيجية دولية مشتركة لضمان أمن البحر الأحمر وإنهاء التهديد على خطوط الملاحة العالمية، بحسب الخبير.

 

أزمات داخلية عميقة تهدد النظام

 

إلى جانب المواجهات الخارجية، تواجه إيـران أزمات داخلية خانقة تهدد استقرار النظام، إذ يعيش أكثر من 35 مليون إيراني تحت خط الفقر وفق إحصائيات شبه رسمية، وتصل البطالة إلى نحو 7 ملايين شخص، فيما ينتشر الإدمان على المخدرات والجريمة المنظمة بشكل واسع في المدن الكبرى.

ويؤكد “حسين” أن الدولة تواجه أزمة فساد مالي وسياسي بنيوي، وصراعات داخل مكوناتها القومية من أذريين وبلوش وعرب وكرد، إلى جانب تزايد قوة المعارضة الداخلية والخارجية التي تهدد بتفكيك النظام من الداخل في حال استمرت الأزمات دون حلول اقتصادية واجتماعية عاجلة.

 

ويبدو المشهد أمام إيـران معقدًا أكثر من أي وقت مضى، فهي اليوم بين خيارين مصيريين: إما الانكفاء إلى الداخل لضمان الأمن والتنمية وإعادة بناء دولة قوية تركز على الشعب الإيراني، أو الاستمرار في مسار الصدام المفتوح الذي قد ينتهي بتفكيك مشروعها الإقليمي وانهيار بنيتها الداخلية، خاصة في ظل التهديدات الإسرائيلية والأمريكية المتصاعدة بعدم السماح لها بامتلاك القنبلة النووية تحت أي ظرف.

وكما يقول الدكتور غازي حسين في ختام حديثه: “إيـران أمام مفترق طرق حقيقي، فأما العودة إلى دولة طبيعية تنموية، أو الانهيار بفعل الضغوط الخارجية والانهيارات الداخلية المتسارعة.”

فرصة وحيدة أمام إيران أو عودة الحرب.. خبير يتحدث عن حل روسي قد تقبله واشنطن

اقرأ أيضاً|| أين أُخفي النووي الإيراني بعد ضرب منشآتها؟.. خبير يكشف عن أقرب احتمال و3 سيناريوهات مقبلة

إعداد: جهاد عبد الله

https://www.youtube.com/watch?v=rb7gHActcY

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.