فاطمة البودريس

لماذا نثق في بعض خطواتنا دون غيرها مع توفر المبادئ الوثيقة والداعمة للعقل؟ لماذا نخضع لهذه الخطوات ونتفاعل معها بشدة رغم التحديات وبعد المدى؟

هذه التساؤلات تنبثق من سؤال المعنى الذي له دخالة رئيسة في انفجار مفاهيم القوة في الكون بعدما عرفته البشرية بواسطة الأنبياء عليهم السلام أولًا، ليؤسسوا فكرة التوحيد بأسئلة منخرطة واحدا تلو الآخر تأتي صياغتها في: من أنا؟ من أين جئت؟ ماذا سأفعل في هذا العالَم؟ إلى أين سأذهب؟

وفي أوروبا، حيث الشكوى من الفراغ وفقدان الاحترام للذات وفقدان الأنا. إنَّها الميتافيزيقيا ومشاعرها المُحَلِّقة نحو الجمال والفضيلة.

يسكن شعور خفي بداخل كل واحد منا يؤثر في كل مجريات حياته لما له من أهمية قصوى في طبيعة علاقاتنا الاجتماعية، هذا أول مبدأ أشرق به إلينا جورج هومانز فيما يخص مفهوم القوة أبرز المفاهيم لنظرية التبادل الاجتماعي.

فالقوة هي التي توجه أطر المعنى في العلاقات التبادلية، ولعلها أول المعايير التي بها نتكيف مع العالم الخارجي من حولنا، فالمعيار وسيلة للتكيف الاجتماعي وليس معرقلا للحياة، وهذا مبدأ ثان من مبادئ جورج هومانز، ومن أسرار القوة لديه أيضًا كمية تأثيرها على الآخرين، فكلما زاد التأثير زادت السلطة.

نشهد ذلك حينما تتدفق الأفكار في روح المفكر، فيشعر بحالة مبهجة من التوازن تتحرك معه في كل موقف يومي يمر به، ليمارس فهمه وتحليله ثم تركيب المبادئ المختصة به.

لنسير مع الأمثلة اليومية وصولا للأمثلة الكبرى في هذا العالَم:

تصفَّحَتْ فتاة الصحيفة اليومية، وجدت مانشيتات عريضة أدناها تفاصيل الخبر والمقال:

 الدولار الأمريكي يهبط بأسعار الذهب هبوطًا حادًا في هذا الشهر من السنة الجارية.

الأمم المتحدة خصصت يومًا عالميًا للتلفزيون تقرر فيه تأثيره على سائر وسائل الإعلام، يظهر ذلك في التأثير على الرأي العام وصنع القرارات لأنه الوسيلة الأساسية لإيصال المعلومات.   

عاصمة البندق بتركيا (غيرسون) توفر أعلى نسبة احتياطية من البندق في العالم تقدر بـ٦٠% على سفوح جبال بونتيك المطلة على البحر الأسود شمال شرقي تركيا.

المانشيتات لا تخلو من إضاءات جديدة يحتار العقل أيّا منها يُصدِّق واقعيتها العلمية وأيّا منها سيعقد صداقته القريبة معها.

يحتاج الأمر إلى تساؤل منهجي يحيط الأحداث بخطوط عريضة “High Lights” لكي نندمج من خلاله مع التفسير السوسيولوجي وهو كما يلي:

 كيف لنا أن نشعر بالقوة في حياتنا الاجتماعية؟؟؟

 

  • القوة تنبعث من شعور الإنسان بالحاجات والمصالح وتراتبيتها في سلم الأولويات، لأن إشباعها أيضًا يحتاج إلى تدرج حسب مستوياتها في النظام الاجتماعي وهذا ما يعرف بهرمية المعنى.

عندما كان العالم الإنساني بحاجة ماسة إلى العلم الأخلاقي المدمج بالقيم المعنوية لكي تسير الحياة وفقًا للفطرة السليمة، ترجع بنا الذاكرة إلى نهوض العلماء المسلمين في غرب آسيا وشمال أفريقيا من القرن السابع إلى القرن الرابع عشر، في قفزات هائلة بما يضيف نقطة تحول إلى علم الرياضيات والفيزياء تتمثل في دراسة النور والحركة، بجانب الجديد في علم  الطب، حينما تم اكتشاف الدورة الدموية كل ذلك في هيكل عقائدي يذكِّرنا بالمبدأ هو الله عزَّ وجل.

وفيما يكون في مجال الدبلوماسية الدولية حين تميل دولة لدولة أخرى في الوساطات لأجل التنمية أو حل النزاعات مع دول أخرى بدافع الثقة أو بدافع رهانات سياسية لا تقدر عليها إلاّ هذه الدولة التي يكون الميل إليها.

هنا تتغلب قوة المصالح والحاجات في العلاقات لجذب الفاعلين في الحركة الدبلوماسية.

  • نشعر بحاجتنا إلى القوة عندما يمر المجتمع بحالة من عدم التواز ويرغب في أن يخرج منها بطريقة أوتوماتيكية ليعيد لنفسه التوازن حسب رأي تالكوت بارسونز عالم الاجتماع في التفسير الاجتماعي لقضايا التنمية والتخلف، فعندما أحاط وباء كوڤيد 19 بالمجتمعات عام 2019، وجعل الجميع يعيش حالة من عدم التوازن والهلع وربما اليأس، رأينا الصداقة الحميمة بين منظمة الصحة العالمية والوزارات الوطنية لكل دولة مسؤولة في العالم لإزالة مخاطر هذا الوباء وآثاره.

وما كان مؤخرًا في شهر رمضان المبارك من قرار الأخذ بالتصويت من الجمهور السعودي على برامج التوعية الصحية، حيث كانت أعلى نسبة لبرامج الغذاء الصحي المتوازن وذلك بنسبة 41% بين مجموعة برامج أخرى جاءت أدناها نسبة كالبرامج التي تُعنَى بالأدوية والأمراض المزمنة بنحو15%، حسب إحصائيات وزارة الصحة السعودية.

3 ننظر إلى القوة كحاجة أساسية، حيثما يخطف برق التباين والتكامل والتعميم للنسق القيمي بضوء أسرع من صوت التماثل، لنكشف الستار عن التطورية في مقاصد بارسونز، ومن أمثلة التطورية مفهوم الاستقطاب، وهو الخاصية الأساسية للمجتمع الدولي المعاصر، كمساهمة الجامعات في استقطاب الأساتذة الجامعيين والخبراء والباحثين والطلبة في شكل زيارات متبادلَة  ضمن النظام الأكاديمي أو استضافة بعقد تدريسي بين الجامعات  لكل من هؤلاء الأساتذة والخبراء، لأن النسق الاجتماعي نسق كلي مترابط الأجزاء، إذا حدث تغيير أو حركة في أحد الأجزاء سيكون هذا ناتجًا عن نوع من التنظيم، لا عن إجراءاتٍ عفوية، ومن هنا يحاول علم الاجتماع تطوير نظرية تحليلية لأنساق الفعل الاجتماعي وفهم هذه الأنساق في ضوء خاصية تكامل القيم أي فهم الفعل في المجتمع عن طريق النظر في موجِّهاته الثقافية  والاقتصادية والتعليمية  وغيرها..

  1. تتألَّق قوة النظرية السوسيولوجية بمأسسة القيم ومعنى ذلك وضع تأسيس لفاعلية القيم، حيث منطلقات القيم وأهدافها والوسائل المتبعة للوصول إليها، وظروف هذه المأسسة وتغير الأنماط القيمية وظروف التكيف معها والانحراف عنها والعمليات الحافزية فيها، كما أسس لها كومنيوس  الفيلسوف في الفكر المسيحي، جاء فيما قال عنه في القيم التعليمية: إنَّ التعليم ليس كسبًا للمعرفة فقط، لكنه يتضمن التقوى والتدريب على القيم الجيدة والفضائل والأخلاق الحسنة والتوجهات الملائمة للحياة الدنيوية والأخروية.

أرى ذلك سببًا ناهضًا يشد من وثاق التعليم  في جعل الفرد يتصف بالانضباط بنسبة أكبر، وحس نقدي ضد المتناقضات، لأن التعليم هو تدريب المجتمع على  ممارسة الديمقراطية والعمل السليم وحلِّ المشكلات.

النتيجة.. يسمح لي القارئ الكريم بربط القوة المقصودة في النقاط أعلاه بمفهوم الإيمان، والذي أقصده من الإيمان هو التجرد من المادة والعدم يكون ذلك عندما  نؤمن بأن هناك قوة وجودية مطلقة  ليست مادية، ولا يمسّها العدم، تحيطنا في هذا العالَم بنور ورحمة وعلم غير متناهٍ، تتمثَّل  في وجود الله عزَّ وجل الذي أخرج  أعيان الموجودات من العدم إلى الوجود، فالعالَم كله ما هو إلاَّ كلمات الله على نحو “القاعدة العرفانية عند ابن عربي” فيصبح الإيمان الذوق الخاص لكل ممارسات القوة الإنسانية التي تواكب ظاهرة الاختيار لدى الانسان والتي هي أهم ظاهرة إنسانية، لكنها تحتاج في تشكلها إلى ظاهرة النبوة التي وضعت صيغة الحل لتحويل مصالح الجماعة إلى مصالح الفرد من خلال الإيمان بيوم العدل والجزاء الإلهي، كما أسس لذلك الفيلسوف الإسلامي محمد باقر الصدر قدس سره الأسمى.

لتصبح الحاجات والمصالح الإنسانية وتأسيسها بالقيم المذكورة سابقًا متوافقة مع المعنى الإيماني للوجود الرباني المقدس.

شاركها.