سالم بن نجيم البادي

 

 رحل زميلنا هكذا فجأة دون مقدمات ولا مرض، كان فقط يتمشى رفقة زملائه في دبي، حين عاجله الأجل المحتوم.  

هل رحل حقا، لعل الخبر غير صحيح أو هي إشاعة أو حتى مزحة ثقيلة، هذه كانت ردود فعل زملائه في العمل، فكلنا لم نصدق الخبر، بالأمس كنا معًا، نتقاسم الآمال والأحلام والأمنيات، ونحاول التوافق مع مشكلات العمل ومنغصات الحياة، وكان حضوره طاغيًا وضروريًا ومهمًا، وكان الركن المتين الذي نأوي إليه في الملمات الجسيمة.

وين خالد؟ هذا السؤال الذي يتكرر إن غاب عن الأنظار قليلًا، وكان في بعض الأوقات يعود إلى مكان عمله في الليل ينجز بعض الأعمال التي لا يستطيع إنجازها في النهار، بسب كثرة الأعمال أو بسبب ضعف شبكة الإنترنت وقت الذروة، وأثناء الدوام الرسمي، يفعل ذلك بصدر رحب، وعن طيب خاطر.

كان كريما إلى أقصى الحدود، وإذا حضر الضيوف إلى مقر العمل انسل خفية إلى محله التجاري القريب ليحضر واجب الضيافة دون أن يُطلب منه، وفي المناسبات والحفلات، كان أول المتبرعين، وأول من يهبَّ لمساعدة المحتاجين في السر والجهر، كان متعاونًا مع زملائه في العمل، ويخدم الجميع دون تذمر.

كان طيبا وودودا وصبورا ومتواضعا وعفويا، يعيش على سجيته دون تصنع، وهذا ما منحه ذلك القبول المنقطع النظير عند الناس وعند زملائه، واكتسب احترام وتقدير الناس، كانت لديه دفاتر كبيرة في محله التجاري، يسجل فيها ما على الناس من دين له، وحين يعجز بعض الزبائن عن سداد ديونهم يسامحهم أحيانا أو يبحث عن متبرع لسداد ديونهم أحيانا أخرى.

يأتي إلى محله بعض الفقراء، ويشكون إليه أحوالهم المالية، ويأخذون ما يحتاجون دون مقابل.

كان قد نال الشهرة في مجتمعه بعد أن افتتح أول محل تجاري كبير للتسوق في بلدته الوقبة.

المحل الذي وجد استحسان الناس، فبعد أن كانوا يقطعون حوالي 90 كيلومترا ذهابا وإيابا إلى قلب ولاية ينقل، صاروا يتبضعون من الوقبة، لقد كان مثابرا وحريصا على إدارة تجارته بنفسه، وهذا كلفه كثيرا من الجهد والوقت، كان يذهب إلى دبي ومدينة العين وصحار ليجلب البضائع المتميزة رغبة منه في تلبية متطلبات الزبائن وكسب رضاهم.

وما كان هدفه الربح المادي فقط، ولكنه كان يحب خدمة الناس، وهذا طبع فطري لديه يفعله بحب وشغف وسعادة، كان قريبا من الناس، لذلك هم يذهبون إليه لحل مشكلاتهم وهم يعلمون أن علاقاته واسعة وطيبة، وهو محل ثقتهم دائما.

ورغم مشاغله الكثيرة، كان أبا مثاليا مع أطفاله: خلود وغزلان ووصايف ومحمد.

كانت وصايف ترافقه أحيانا إلى مقر عمله، فتملأ المكان حبورا وسرورا، ومشاكسات طفولية، وهو يراقبها بلطف وحنان وحب، كان يتحدث كثيرا عن أطفاله وتفاصيل حياتهم، الحديث الذي ينم عن حب عظيم وأبوة حانية.

لا شك أن حبه لهم يقابله تعلقهم الشديد به، وفي عائلته، كان هو الحاضر حين يذهب أشقاؤه إلى مقار أعمالهم البعيدة، وهوالمستعد للخدمة في كل وقت، كان بارا بوالده ووالدته والمطيع لهما.

ولنا أن نتصور حالة أطفاله وزوجته وهم ينتظرون عودته ولا يعود، ولنا أن نتخيل كيف استقبلت والدته خبر وفاته.

كان خبر وفاته المفاجئ حديث الناس في ولاية ينقل، وضجَّت وسائل التواصل الاجتماعي بالدعاء له والثناء عليه ونشر صوره، وانتشرت على نطاق واسع صورة محله التجاري وهو مغلق بعد أن كان ضاجًّا بالحياة، ومزدحمًا بالمتسوقين، وكأن الحزن انتشر في كل البيوت والأماكن في بلدة الوقبة وما جاورها من القرى.

وحين نشرت خبر وفاته، وصلتني رسائل هائلة يسألني أصحابها عن سبب وفاته ويدعون الله أن يغفر له.

وين خالد؟

خالد رحل ولن يعود هذه المرة

لقد ترك أثرًا طيبًا وذكرًا حسنًا.

شاركها.