– موفق الخوجة
تسير المفاوضات بين الحكومة السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مسار متعرج، تعترضه عرقلة ومماطلة من الأخيرة، التي تصر على “الفدرلة” وتضع سقفًا تفاوضيًا وُصف بالمرتفع، في حين تتمسك دمشق بمركزيتها، وتنشد “سوريا واحدة، جيشًا واحدًا، حكومة واحدة”.
جولات المفاوضات بدأت بعد الاتفاق “التاريخي”، الذي وقّع بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقائد “قسد”، مظلوم عبدي، في 10 من آذار الماضي، والذي قضى بدمج مؤسسات الأخيرة العسكرية والمدنية بالدولة، بما فيها المعابر وحقول النفط، إلى جانب سبعة بنود أخرى تتحدث عن مطالب مجتمعية للشعب الكردي في سوريا.
“اللامركزية” مطلب “قسد” القديم
تصرّ “قسد” على فكرة اللامركزية، وهو أمر لا تخفيه في أدبياتها منذ نشأتها أواخر عام 2015، وتجددت مطالبها التي بدأ الحديث عنها منذ سعي روسيا إلى تسوية وضعها وضمها إلى جيش النظام السوري السابق، عام 2019.
“قسد” لم تعارض فكرة انضمامها، ولم ترفضها تمامًا، بل طالبت حينها بنفس المطالب التي تعرضها على الحكومة في دمشق الآن، والتي تتمثل بالحفاظ على هيكليتها العسكرية وحتى المدنية، ودخولها كتلة واحدة بمسماها القائم حاليًا (قوات سوريا الديمقراطية).
ولم تتنازل “قسد” عن فكرة اللامركزية في العهدين، النظام المخلوع والحكومة الحالية، مؤكدة في الوقت نفسه على وحدة أراضي سوريا، في محاولة لإزالة التهم التي طالتها بالانفصال.
ومع سقوط النظام السابق، وتغيّر المعادلة على الأرض، خصوصًا بعد إشارات من حليفتها الرئيسة، أمريكا، بإمكانية التخلي عنها، وترك التنظيم الأم حزب “العمال الكردستاني” (pkk)، الذي تُتهم “قسد” بالتبعية له، العمل المسلح والاتجاه لخوض السياسة، تبقى التساؤلات حول سبب إصرار الجهة التي تسيطر على ثلث سوريا على “الفدرلة” والمماطلة في المفاوضات.
الباحث في تطورات الشرق السوري سامر الأحمد، قال إن “قسد” ترفع سقف المطالب للحد الأعلى، وتدخل في مسار تفاوضي طويل حتى تحصل على مكاسب إضافية عن اتفاق 10 من آذار.
تنسحب المكاسب، وفق ما أوضحه الباحث خلال حديثه إلى، على الإدارية والمناصب الإضافية والميزات وضمان موارد اقتصادية.
ولفت إلى أن اتفاق 10 من آذار واضح، وهو اندماج عسكري وأمني واقتصادي وكل ما يخص الدولة السورية، مثلها مثل بقية الفصائل التي اندمجت.
جولة “إيجابية”
بعد 10 من آذار، اتضحت بعض ملامح المفاوضات التي تجري بين الطرفين، من خلال بيانات تارة، وتسريبات تارة أخرى، تشير إلى إصرار “قسد” على إبقاء هيكليتها العسكرية ودمجها مع الجيش السوري الجديد كتلة واحدة، بينما تريد دمشق تفكيك هيكليتها والانضمام كأفراد.
وجرت أحدث جولات المفاوضات، حتى لحظة تحرير التقرير، في 10 من تموز الحالي، وفي حين لم يرشح أي تفاصيل من قبل الحكومة، نقلت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” عن مصادر حضرت الاجتماع، لم تسمّها، وصفها لها بـ”الجولة الإيجابية”.
“الجولة الإيجابية” التي تحدثت عنها المصادر لـ”هاوار” لم تُترجم على صعيد البيانات الرسمية من الحكومة السورية، ومن الراعي الأمريكي للمفاوضات إلى جانب الراعي الفرنسي.
المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس براك، والذي تحدثت أوساط إعلامية عن حضوره جولة المفاوضات، قال إن دمشق متحمسة للاندماج، بينما “قسد” تماطل فيه، ودعاها إلى الإسراع نحو الطريق الوحيد، دمشق.
رأيي في العلاقة بين “قسد” والحكومة السورية هو أن الحكومة السورية كانت متحمسة بشكل لا يُصدّق في محاولة ضم “قسد” إلى ما تحدثنا عنه بالضبط، دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة.
وتفاصيل كيفية تحقيق ذلك، أعتقد أن الحكومة السورية كانت جيدة جدًا وسخية في سعيها لإيجاد طريقة لتوحيد هذه المصالح.
وبصراحة تامة، أرى أن “قسد” كانت بطيئة في القبول والتفاوض والمضي قدمًا نحو ذلك، ونصيحتي لهم هي أن يسرعوا، فهناك طريق واحد فقط، وهذا الطريق يؤدي إلى دمشق.
توماس براك
المبعوث الأمريكي إلى سوريا
لماذا تماطل “قسد”
الباحث الأحمد يرى أن المماطلة بالنسبة لـ”قسد” يكسبها فرض سلطتها وسطوتها على مناطق الشرق السوري، وهي استراتيجيتها بالتفاوض في هذا الوقت.
وتمنحها المماطلة الاستفادة من الموارد الاقتصادية الموجودة شمال شرقي سوريا، وزيادة ميزانيتها، كما تمنحها المزيد من الوقت للاستعداد لأي تصعيد عسكري مستقبلي.
ويعتقد أن “قسد” تحاول، وفق عقليتها المعتادة، والممتدة من حزب “العمال الكردستاني” سابقًا، بهدف الضغط على الخصم وإضعافه، لافتًا إلى أن هذا حصل سابقًا في جولات تفاوضية مع “المجلس الوطني الكردي” وبعدة جولات أخرى.
“المجلس الوطني الكردي” هو كيان سياسي ينشط في مناطق سيطرة “قسد” إلا أنه يخالفها في عدة نواحٍ، وجرى بينه وبين الأخيرة مشادّات ومناكفات تارة، ومحاولات لتقريب الرؤى تارة أخرى، عبر مؤتمرات لتوحيد الصف الكردي.
وسبق أن فشل الحوار الكردي- الكردي مرارًا بعد عدة جولات تفاوضية، قبل سقوط النظام، سواء برعاية إقليم كردستان العراق ورئيسه مسعود برزاني، أو برعاية أمريكية بسبب عدم قبول “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، وهو عماد “قسد” العسكري، تقاسم المهام مع “المجلس الوطني الكردي” الذي كان طرفًا مقابلًا، في الحوار، بحسب حديث سابق للباحث الأحمد إلى.
ما خيارات دمشق
لم تعلّق دمشق على الجولة الأخيرة من المفاوضات بشكل مباشر، إلا أنها رحبت بأي مسار مع “قسد” من شأنه تعزيز وحدة وسلامة أراضي سوريا، بمقابل ذلك أكدت رفضًا قاطعًا لأي شكل من أشكال التقسيم و”الفدرلة”، التي تتعارض مع سيادة سوريا ووحدة ترابها.
وأشارت إلى أن الجيش السوري يُعد المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وتُرحب الدولة بانضمام المقاتلين السوريين من “قسد” إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.
مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، الدكتور سمير العبد الله، قال إن الحكومة في دمشق تسعى لتطبيق الاتفاق، لأن ذلك يعني فرض سيطرتها على كل الأراضي السورية، إضافة إلى استعادة الثروات في منطقة الجزيرة السورية.
كما أن ذلك سيسهم في إزالة التهديدات التي قد تواجه مناطقها من مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، والتي أصبحت نقطة تجمع لـ”فلول النظام”، وفق الباحث.
وأشار إلى أن وجود قوة عسكرية كبيرة مثل “قسد” خارج نطاق الجيش السوري، يشكل “تهديدًا لمستقبل البلاد”، وهذا قد يفرض على الحكومة استخدام أدوات أكثر حزمًا لتنفيذ الاتفاق.
الخيار العسكري مطروح
لوّحت الحكومة السورية إلى إمكانية استخدام الخيار العسكري كحل ثانٍ أمام فشل المفاوضات.
جاء ذلك على لسان محافظ دير الزور، غسان السيد أحمد، إذ قال خلال مؤتمر صحفي، حضرته، إن في المدينة ثلاث فرق عسكرية جاهزة ومستنفرة لأي عدوان من قبل “قسد”.
وفي حال فشل التفاوض مع “قسد”، فإن الفرق العسكرية جاهزة لعمل عسكري، بحسب السيد أحمد.
ويرى العبد الله أنه دون تنفيذ الاتفاق وتوحيد الأراضي السورية، سيكون التقدم في المسارات السياسية والاقتصادية بطيئًا، خصوصًا في مجالات جذب الاستثمارات وبدء عملية إعادة الإعمار.
ولا يعتقد الباحث أن لدى دمشق رفاهية التنازل أو تعديل بعض بنود الاتفاق، باستثناء الجدول الزمني، لأن ذلك قد يشجع الأطراف السورية الأخرى على تقديم مطالب مشابهة، مما سيظهر الحكومة بمظهر الضعيف أمام “قسد”.
لذلك ستستمر الحكومة في ممارسة الضغوط على “قسد”، وستحثّ الطرفين الراعيين، الأمريكي والفرنسي، على ضمان تنفيذ الاتفاق.
وإذا لم يتم ذلك، فسيكون الصدام هو البديل، بحسب العبد الله، مشيرًا إلى انتهاكات يومية تمارسها “قسد” بحق الأهالي في تلك المناطق، ومناشدات السكان المستمرة للحكومة من أجل حسم هذه المسألة.
ويوافقه الأحمد، إذ يرى أن الخيارات أمام الحكومة تتمثل باستمرار التصعيد السياسي والتلويح بتصعيد عسكري محدود حتى يتم تطبيق الاتفاق.

مقاتل من “قوات سوريا الديمقراطية” (AFP)
ما موقف أمريكا
أعرب الجانب الأمريكي، على لسان براك، عن دعمه للخط الذي تسير عليه الحكومة السورية، بمقابل إشادة خجولة على جهود “قسد” إذ قال إنها شريك رئيس وفعال للولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن واشنطن عملت على ضمان وجودهم، بحسب وكالة “كردستان 24“.
كما لم يدعم براك خط “قسد” في تبني “الفدرلة”، قائلًا إن الفيدرالية لا تنجح، فلا يمكن أن تملك كيانات مستقلة ليست دولًا داخل دولة واحدة، بحسب ما نقلته شبكة “رووداو”.
وأضاف أن هذا يحتاج إلى وقت كي يتأقلم الجميع، خاصة بعد كل السنوات من “النشاط الرهيب” الذي مرت به سوريا، مشيرًا إلى أن الوقت بدأ ينفد، فالعالم والمنطقة يتحركان بسرعة كبيرة.
الباحث في شؤون الشرق السوري، الأحمد، يرى أن الموقف الأمريكي يشكّل ضغطًا كبيرًا على “قسد” معتبرًا أنه “تطور نوعي وجديد” بالضغط وإظهار الإرادة من أجل إنجاح مسار الاندماج.
ويعتقد أن “قسد” مضطرة لأن تستجيب للضغط الدولي، لأنه لا خيار أمامها وهي باتت “مكشوفة ومحاصرة” إن تم رفع الغطاء الأمريكي، إذ لا يوجد أي غطاء آخر يمكن أن يؤمّن لها الحماية، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنها تستجيب ببطء.
ويعتقد الباحث العبد الله أن الموقف الأمريكي، رغم تصريحات براك، لا يزال غير جاد في الضغط على “قسد” لتنفيذ الاتفاق.
وقال إن أمريكا تحاول لعب دور الوسيط في المفاوضات، رغم أنها صاحبة القرار الفعلي على “قسد”، وتستطيع فرض ما تراه مناسبًا عليها.
وأضاف أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تنفيذ الاتفاق، لكنها في الوقت نفسه لا ترغب في التضحية بـ”قسد”، وتسعى للحفاظ على وضعية خاصة لها ضمن الجيش السوري وحتى ضمن الإدارة السورية.
وربما يكون هذا بسبب تباين المواقف داخل الإدارة الأمريكية بشأن تعاملها مع الحكومة السورية الجديدة، بالإضافة إلى رغبتها في الحفاظ على ورقة “قسد” كأداة ضغط يمكن استغلالها في مراحل لاحقة، بحسب العبد الله.
ورغم التصريحات الأمريكية التي تدعم اندماج “قسد”، خصصت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) 130 مليون دولار من ميزانية 2026، لدعم “قسد” والقوات المرتبطة بها، إلى جانب ”جيش سوريا الحرة”، وذلك لمحاربتهما تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقال “البنتاجون” في بيان له، في 5 من تموز الحالي، إن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بـ”الهزيمة الدائمة” لتنظيم “الدولة”، من خلال دعم القوات “الشريكة الموثوقة” للحفاظ على الضغط المستمر على التنظيم، معتبرًا أن عودة التنظيم مجددًا تشكل تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة الوطنية، ولشعوب العراق وسوريا ولبنان، وللمجتمع الدولي ككل.
على الجانب الآخر، قال المبعوث الأمريكي إلى سوريا، براك، في حوار مع قناة “cnn” الناطقة بالتركية، في 11 من تموز الحالي، إن أمريكا غير مدينة لـ”قسد” لإقامة حكومة مستقلة داخل دولة مستقلة.
“قسد” تعتقد أن أمريكا مدينة لها. وأمريكا تقول: نعم، نحن مدينون لكم بالتعامل المنطقي، لكن إن لم تكونوا واقعيين، فسيُطرح بديل آخر.
توماس براك
المبعوث الأمريكي إلى سوريا
وأضاف، “ما نحن مدينون لهم به هو تقديم مسار معقول في عملية الانتقال إلى نظام جديد”، مشيرًا إلى أنه في إطار هذا النظام الجديد، يجب أن يكون هناك منطق في كيفية اندماجهم ضمن حكومة سورية واحدة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي