لا يوجد أشهر من بيت الأديب والشاعر الألماني يوهان جوته “Goethe Haus”، الواقع في قلب مدينة فرانكفورت الألمانية؛ إذ يعدّ أحد المراكز الثقافية والمتاحف المهمة في البلاد، ويستقبل سنوياً آلاف من زوّار المدينة التي تشهد معرض فرانكفورت للكتاب، أكبر وأقدم المعارض في العالم.
يروي المنزل الذي يقع في المنطقة القديمة، تاريخ أسرة جوته في ألمانيا، وهي تمثّل الطبقة البرجوازية في القرن الثامن عشر.
فقد اشترت جدّة جوته لأبيه، المدعوة كورنيليا جوته، منزلين متجاورين، وهدمت الجدار الفاصل بينهما. وعندما تزوّج ابنها يوهان كاسبر من كاترينا إليزابيث، انتقل للإقامة معها، وفي هذا المنزل ولد ونشأ يوهان جوته في أغسطس 1749.
كانت أسرة جوتة من الأسر المرموقة في فرانكفورت؛ فوالده كان محامياً وأحد الأثرياء، وأدار ثروة أسرته ومنحوه لقب مستشار الإمبراطورية “Kaiserlicher Rat”، وهو لقب شرفي يحصل عليه الأشخاص المتعلمين والأثرياء تقديراً لمكانتهم.
أما والدته كاترينا إليزابيث جوته، فتنتمي لأحد العائلات الشهيرة في فرانكفورت، وكان والدها بمثابة رئيس بلدية. في هذه الأسرة نشأ جوته الذي لم يذهب إلى مدرسة عامة، لكن والده فضّل أن يتعلم مع أخته الوحيدة كورنيليا في البيت، على يد مدرّسين مختصين، وألزمهم بتعلم اللاتينية والإيطالية واليونانية والفرنسية والإنجليزية، فضلاً عن الموسيقى والرسم، والفيزياء والرياضيات.
عاش جوته بشكل مستمر في هذا المنزل حتى سن السادسة عشر، بعدها أرسله والده إلى “ليبتزج” لدراسة القانون، لكنه مال إلى دراسة الأدب، وبدأ بكتابة الأشعار والمسرحيات، وعاد إلى فرانكفورت عام 1768، ومنها إلى ستراسبورج لدراسة القانون، ثم عاد إلى هذا المنزل في فرانكفورت للعمل في مجال القانون، قبل أن ينتقل إلى مقاطعة “فايمر” شرق ألمانيا، التي قضى فيها نحو عشر سنوات، قبل أن يسافر إلى إيطاليا ويستقرّ بعدها في المقاطعة نفسها.
يعتبر منزل “Großer Hirschgraben” المحطة الأولى التي قضى فيها جوته فترة شبابه، وتعرّض المنزل المؤلف من أربعة طوابق للقصف عام 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب ومع عمليات إعادة الإعمار، تمّ إنقاذ بعض مقتنيات المنزل، وأعيد بناؤه بنفس تصميمه الأساسي، وتنسيق الغرف نفسه، وتم افتتاحه عام 1951.
تقود حديقة المنزل التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام منفصلة، إلى المدخل الذي يحتل المطبخ فيه مساحة واسعة، ويتميّز بوجود مضخّة مياه متصلة بالبئر الموجود في مدخل المنزل، ونظام صرف للمياه المستخدمة، ولا تزال بعض الأواني تحمل اسم أسرة جوته موجودة ضمن المقتنيات حتى الآن.
تتميّز كل غرفة في منزل جوته، الذي يضم 18 غرفة بلون خاص؛ فالدور الأرضي يضم الغرفة الصفراء التي يوجد فيها حالياً بعض قطع الأثاث وصورة لجوته في شبابه وتمثال لرأسه، تقابلها الغرفة الزرقاء التي تضم مائدة طعام، ولوحة تحتل جداراً كاملاً تمّ إنقاذها من المنزل القديم، كذلك بعض من أشغال الدانتيل التي كانت تقوم بها والدة جوته.
تضم الطوابق الثلاثة التالية غرفاً عدّة، منها غرفة الشاعر أو غرفة جوته، التي يقال إنه كتب فيها أولى نصوصه، والتي أصبحت الآن أعمالاً أدبية عالمية مثل “آلام الشاب فرتر”، ومسرحية “فاوست وإجمونت”.
وتوجد أيضاً في المنزل الضخم “غرفة بكين” نسبة إلى ورق الحائط والخزائن التي تحمل نقوشاً صينية، وهي الغرفة التي يطلق عليها أيضاً “الغرفة القرمزية” بسبب ألوان المفروشات الحريرية، وكانت تخصّص لاستقبال الضيوف، ويوجد فيها ألعاب الشطرنج والدومينو.
وهناك غرفة الموسيقى وفيها بيانو، وغرفة الولادة التي تضم واحدة من كتابات جوته بخط يده، يحكي فيها عن مولده، إلى جانب صورة له في عمر متقدّم، وغرفة والدة جوته، وغرفة الابنة كورنيليا، التي عاشت فيها حتى زواجها، وغرفة المكتبة التي تضم ما تمّ إنقاذه من كتب ضخمة من مكتبة الأسرة، وغرفة مسرح العرائس، وفيها نموذج لمسرح العرائس، حصل عليه جوته كهدية من جدته في عيد ميلاده الرابع.
عاش جوته بقية حياته في مدينة فايمر، وتحوّل منزله هناك إلى متحف يُعرف باسم “منزل حديقة جوته”، ورغم ذلك يظل منزله في فرانكفورت شاهداً على بدايات الأديب العالمي، الذي أصبح أحد أبرز الرموز الثقافية في تاريخ ألمانيا.